انعكس الصراع السياسي على احتكار تمثيل المدن المدمرة شمال وغربي البلاد على واقع تلك المدن التي لا تزال تختنق بأكثر من 10 ملفات إنسانية، وتنتظر من الكتل، التي تمثلها، تحريكها في البرلمان وأروقة الحكومة ببغداد.
ويؤكد سياسيون أن الصراع المحتدم على نيل صفة "ممثل المكون العربي السني" التي يتنافس عليها معسكرا "تحالف القوى" و"الجبهة العراقية"، أدى إلى ركن تلك الملفات ووقف المطالبات بكثير من مستحقات هذه المناطق، سعياً من كلٍّ من المعسكرين لعدم خسارة الكتل الأخرى، أو للحصول على دعمها في معركته ضد الآخر، وهو ما ينفيه، في الوقت ذاته، ممثلون عن المعسكرين بطبيعة الحال.
ولادة "الجبهة العراقية" كانت بمثابة نهاية مرحلة الحرب الباردة بين القوى المتصارعة على لقب تمثيل المكون السني
ومع بدء جمع تواقيع لإقالة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، الأسبوع الماضي، عمد الأخير إلى فتح دفاتر الدورات البرلمانية السابقة، والتلويح بملفات فساد ضد خصومه من الكتل الأخرى. كما عقد الخصمان اجتماعات مع كتل وأحزاب من المكونين الشيعي والكردي للحصول على الدعم. وجراء هذه التطورات تكون ملفات المختطفين والمغيبين قسرياً وتعويض ضحايا الإرهاب والأخطاء العسكرية، والنازحين واللاجئين، وتأهيل المدارس والمستشفيات المدمرة، والمطالبات السابقة بإخراج الجماعات المسلحة من المدن وترك الملف الأمني للقوات النظامية، بحكم المؤجلة أو الخاضعة للمساومة السياسية. وقد زاد هذا الأمر من نقمة الشعب في مدن شمال وغربي العراق، فضلاً عن بغداد، على ممثليه في البرلمان.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تم الإعلان عن ولادة "الجبهة العراقية"، التي ضمّت نواباً عن خمس قوى، هي "المشروع العربي" بزعامة خميس الخنجر، و"جبهة الإنقاذ والتنمية" برئاسة أسامة النجيفي، و"الجماهير الوطنية" بزعامة أحمد عبد الله الجبوري، و"الحزب الإسلامي العراقي"، و"الكتلة العراقية المستقلة". وهذا الأمر كان بمثابة نهاية مرحلة الحرب الباردة بين القوى السياسية العربية السنية المتصارعة على النفوذ، والانتقال للمواجهة المباشرة مع الحلبوسي، الذي يتحالف معه نواب "تحالف القوى العراقية"، ويتألف من أحزاب وقوى مختلفة تمثل الأنبار ونينوى وبغداد وكركوك وديالى، ومناطق أخرى أبرزها "حزب الحل" بزعامة جمال الكربولي.
وتطالب اليوم القوى المنضوية في "الجبهة العراقية" بإقالة الحلبوسي. وحصلت وفقاً للتسريبات على تأييد عدة قوى شيعية، قسم منها مرتبط بإيران، مثل "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، في الوقت الذي يتحرك فيه الحلبوسي، لكسب قوى أخرى، أبرزها الكردية، لإجهاض المحاولة. واعتبر السياسي عن محافظة صلاح الدين ناجح الميزان أن "هذا الصراع تسبب بتعطيل ملفات ومستحقات ومطالب ينتظرها الناس في المناطق الشمالية والغربية". وأضاف، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن أي خلاف سياسي داخل أي مكون يؤثر بشكل مباشر على المناطق التي تتحكم فيها تلك القوى. واتهم القوى السياسية في هذه المناطق بأنها "تعمل حالياً على تقديم تنازلات في مختلف القضايا والاستحقاقات للقوى السياسية الأخرى المتنفذة في البرلمان، حتى تقنعها بإقالة الحلبوسي، فيما تعمل القوى الداعمة له على منع الإقالة، عبر تقديم تنازلات للقوى نفسها. هذا الصراع ضيع حقوق الناس وتنفيذ ما يريده الناس في المدن المحررة". وبيّن أن "استمرار هذا الصراع سيضيع كل المكاسب السياسية، التي حققها المكون العربي السني، طيلة الفترة الماضية، رغم أنها أقل بكثير من استحقاقه، وهذا بسبب ما يتم تقديمه من تنازلات وغيرها للقوى الأخرى، من أجل تحقيق مكاسب سياسية وانتخابية".
اعتبر أثيل النجيفي أن تغيير الحلبوسي هو إحدى القضايا المهمة لتحقيق مطالب المجتمع السني
وتحدث الخبير بالشأن السياسي العراقي أحمد الشريفي عن "تقديم الكتل المتصارعة تنازلات في عدة قضايا، للقوى السياسية الشيعية والكردية، لكسب التأييد والدعم. فهناك جهة تريد إقالة رئيس البرلمان وأخرى تريد بقاءه. وكل جهة تسعى إلى تحقيق ما تريده عبر القوى السياسية الأخرى، وهذا يعتمد على حجم التنازلات والإغراءات، التي ستقدمها القوى السياسية العربية السنية المختلفة في ما بينها". وأضاف أن "الصراع السياسي، خصوصاً داخل قوى المكون الواحد في العراق، يؤثر بشكل مباشر على المواطنين".
لكن القيادي في "الجبهة العراقية" أثيل النجيفي، رد بالقول إنه "ليس المهم المطالبة اليومية بالمستحقات التي يريدها الناس، بل تحقيق تلك المطالب على أرض الواقع، خصوصاً أن هذه المطالب تم تجاهلها طيلة الفترة الماضية". وأضاف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "أبرز الأسباب التي دعت للتحرك نحو إقالة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي هو أنه ضحى بهذه المطالب مقابل المناصب، ولهذا يجب أن تكون هناك قوى فاعلة على الأرض، تستطيع تحقيق المطالب". واعتبر أن "تغيير الحلبوسي هو إحدى القضايا المهمة لتحقيق مطالب المجتمع السني. لن نقدم أي تنازلات عن هذه المطالب لأي طرف سياسي، مقابل دعمه لإقالة الحلبوسي، خصوصاً أن هناك أطرافاً شيعية بارزة داعمة لهذا الحراك".
لكن القيادي في تحالف "القوى العراقية"، علي العيساوي، الداعم لرئيس البرلمان، قال، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا تنازل عن مستحقات الناس، لكن الحكومة لغاية اللحظة لم تلتزم بما وعدت به، وهذا أدى إلى خيبة أمل من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي". وأضاف: "تحالف القوى العراقية يؤكد، في كل اجتماع ولقاء، تحقيق مطالب سكان المدن المدمرة، والضغط على الحكومة للوصول إلى هذا الأمر". واعتبر أن الخلاف الحالي "عبارة عن وجهات نظر مختلفة وهذا أمر صحي. وهي موجودة في كل المكونات. إن الجهود مستمرة لتصفير الخلاف وتوحيد المواقف".