في صورة مشابهة لما آلت إليه أزمات العراق السياسية منذ عام 2010 عقب كل انتخابات تشريعية في البلاد، تبرز مجدداً عقدة "الكتلة الكبرى"، التي يصفها الدستور العراقي بـ"الكتلة الأكثر عدداً"، ويمنحها حق تشكيل الحكومة الجديدة.
ويضع تحالف "الإطار التنسيقي"، الذي يضم أبرز القوى الحليفة لإيران، شرطاً جديداً على الحوارات مع التيار الصدري، يقضي بقبول زعيم التيار مقتدى الصدر الدخول مع "الإطار" بكتلة واحدة داخل البرلمان ومن خلالها يتم تشكيل الحكومة.
ويرفض الصدر هذا الشرط ويعتبره مناورة من "الإطار التنسيقي"، لسحب حقه في تشكيل الحكومة، وفقاً لما أفرزته الانتخابات، إضافة إلى أن ذلك يعني تفكيك تحالفه مع تحالف "السيادة" بزعامة خميس الخنجر، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني.
يشترط "الإطار التنسيقي" على الصدر الدخول معه في كتلة برلمانية واحدة تمثل الأحزاب الشيعية فقط
وعلى مدى الدورات البرلمانية السابقة، سبّب تفسير البند الدستوري المتعلق بأحقية الكتلة الكبرى في البرلمان في تشكيل الحكومة، خلافات واسعة أدت إلى تأخير تشكيل الحكومات لأشهر طويلة، بسبب اختلاف تأويلات النص الدستوري، والتفسير الذي قدمته المحكمة الاتحادية بشأن ذلك، وهو أن الكتلة الكبرى ليست الفائزة بأعلى أصوات في الانتخابات، بل هي الكتلة التي تتشكل داخل البرلمان بأكثر عدد مقاعد.
كما تنص المادة 76 من الدستور العراقي على أن يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً، تشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية.
الصدر يرفض الدخول بكتلة واحدة مع "الإطار التنسيقي"
قوى "الإطار التنسيقي"، التي اتجهت عبر أعضاء فيها ووسائل إعلام محلية تابعة لأحزاب وقوى سياسية فيها، إلى اعتماد عبارة "الإطار الشيعي"، في خطوة اعتبرت موجهة للصدر بالدرجة الأولى، وكمحاولة لاختزال التمثيل السياسي للعرب الشيعة في العراق بهذه القوى من دون التيار الصدري، وضعت شرط الذهاب إلى حل توافقي لحل الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد من نحو 5 أشهر.
ويقضي هذا الشرط بقبول الصدر الدخول معها في كتلة برلمانية واحدة تمثل الأحزاب الشيعية فقط، حتى يبقى حق تشكيل الحكومة حصراً بالأغلبية السياسية الشيعية، وهو شرط كل من زعيم ائتلاف "دولة القانون" نوري المالكي، ورئيس تحالف "الفتح" هادي العامري، وهما من أبرز قيادات هذا التحالف المدعوم من طهران.
في المقابل، يرفض الصدر هذا الشرط، معتبراً أن دخوله في هذه الكتلة يعني عدم تمكنه من تقديم مرشحه للحكومة، وسلب حقه الذي اكتسبه عبر الانتخابات التي تصدر فيها بفارق كبير عن أبرز منافسيه من القوى الشيعية الأخرى بأكثر من الضعف.
"الكتلة الكبرى" تعقّد حوارات القوى السياسية العراقية
من جهتها، تحدثت مصادر سياسية من كتل مختلفة في بغداد، لـ"العربي الجديد"، عن أن الحراك السياسي الجديد يواجه تعقيدات جدية بسبب شرط "الكتلة الكبرى".
وأبلغ قيادي في التيار الصدري، طلب عدم ذكر اسمه، "العربي الجديد"، أن الاجتماع الذي جرى الأسبوع الماضي في مدينة النجف بمنزل الصدر مع وفد من "الإطار التنسيقي" ضم العامري ورئيس هيئة "الحشد الشعبي" فالح الفياض والنائب عن "الإطار التنسيقي" أحمد الأسدي، شهد مطالبة للصدر بتشكيل الكتلة الكبرى من خلال القوى الشيعية حصراً داخل البرلمان، على أن تُكلف هي بمهام اختيار رئيس الوزراء الجديد.
وأوضح المسؤول نفسه أن "الصدر رفض ذلك، وأكد بقاء التيار الصدري كجزء رئيسي من التحالف الثلاثي (التيار الصدري، تحالف السيادة، الحزب الديمقراطي الكردستاني) وعدم التفريط بهذا التحالف، وإكمال التفاوض مع الإطار التنسيقي كتحالف سياسي مقابل التحالف الثلاثي، مع أحقية التيار الصدري بتسمية واختيار رئيس الوزراء الجديد، وإعطاء حق للإطار التنسيقي بالمشاركة في الحكومة وفقاً لاستحقاقه الانتخابي".
يعتبر الصدر أن دخوله بكتلة واحدة مع "الإطار التنسيقي" يعني عدم تمكنه من تقديم مرشحه للحكومة
وأضاف أن "قادة الإطار التنسيقي رفضوا ذلك، وأكدوا أن تشكيل الحكومة واختيار رئيس الوزراء يجب أن يتم عبر الكتلة الكبرى التي يجب أن تبقى حقاً حصرياً للقوى السياسية الشيعية، من دون مشاركة أي أطراف سياسية أخرى بهذه الكتلة، وبهذا الأمر عادت الخلافات مجدداً بين الطرفين وأدت إلى توقف الحوارات بسبب من يكون الكتلة الكبرى داخل البرلمان".
وكشف المسؤول أن "التحالف الثلاثي يعتزم تقديم طلب رسمي بعد انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، بكونه الكتلة الكبرى، مزوداً بتواقيع النواب، حتى تسجل الكتلة بشكل رسمي، ويقوم رئيس الجمهورية بتكليفها بترشيح رئيس الوزراء الجديد".
وجرى العرف السياسي المعمول به في العراق منذ أول انتخابات جرت بعد الغزو الأميركي، عام 2005، على منح القوى العربية السنية حق ترشيح رئيس البرلمان، فيما تطرح القوى السياسية الكردية مرشحها لرئاسة الجمهورية بعد ذلك، ثم تقوم القوى الشيعية، الممثلة اليوم بالتيار الصدري و"الإطار التنسيقي"، بتقديم مرشحها لرئاسة الحكومة الجديدة.
خلافات "الإطار التنسيقي" و"التيار الصدري" مستمرة
إلا أن الخلاف بين "الإطار التنسيقي" و"التيار الصدري" عقّد المشهد، في ظل عدم توصلهما إلى أي تفاهمات أو اتفاق للتحالف من أجل تشكيل الكتلة الكبرى.
وعن ذلك، قال القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، النائب ماجد شنكالي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "قبول الصدر بمشاركة قوى الإطار التنسيقي في الحكومة الجديدة، لا يعني دخوله في كتلة واحدة معهم، كما يريدون، وهو سيبقى (الصدر) جزءاً رئيسياً ومهماً من التحالف الثلاثي".
وأوضح شنكالي أن "الإطار التنسيقي طالب الصدر بشكل رسمي بأن تكون الكتلة الكبرى داخل البرلمان العراقي من كتل شيعية، وهذا ما رفضه الصدر، وأكد بقاء التحالف الثلاثي كونه الكتلة الكبرى، وله الحق في ترشيح رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وهذا التحالف هو من سيكلف بمهام تشكيل الحكومة الجديدة".
وأشار شنكالي إلى أن "البرنامج الخاص بالحكومة الجديدة الذي يريده التحالف الثلاثي، فيه ملفات كثيرة، على رأسها محاربة الفساد وحصر السلاح بيد الدولة، وغيرها من القضايا المهمة التي هي بالأساس مطالب الشارع العراقي".
أما القيادي في "الإطار التنسيقي"، النائب أحمد الموسوي، فقال في حديث مع "العربي الجديد"، إن "اختيار رئيس الوزراء الجديد، يجب أن يكون عبر الكتلة الكبرى المشكّلة من البيت السياسي الشيعي، وأن لا يختصر الأمر على جهة معينة من هذا البيت، وهو ما أكده وشدد عليه الإطار خلال اجتماعاته الأخيرة مع زعيم التيار الصدري في الأيام الماضية".
وأوضح الموسوي أن "عقدة الخلاف حالياً بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري، هي حول تشكيل الكتلة الكبرى من بين القوى السياسية الشيعية كافة، فالتيار الصدري يصر على بقائه مع التحالف الثلاثي".
التحالف الثلاثي يعتزم تقديم طلب رسمي بعد انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، لكونه الكتلة الكبرى
واعتبر المتحدث نفسه أن "منصب رئيس الوزراء من حصة المكوّن الشيعي، وهذا الأمر لا يمكن حصره بجهة سياسية واحدة من هذا المكوّن، ولهذا اختيار رئيس الوزراء يجب أن يكون عليه اتفاق".
وتابع: "نحن أكدنا خلال الاجتماع الأخير مع الصدر أن الحوار على شخص رئيس الوزراء الجديد، يكون بعد تشكيل الكتلة الكبرى، مع إعطاء موافقة من حيث المبدأ على اسم (سفير العراق لدى بريطانيا) جعفر الصدر لهذا المنصب، لكن نحن أيضاً لدينا مرشحون لرئاسة الحكومة".
وأكد أن "الحوارات حالياً متوقفة مع التيار الصدري، بسبب رفض التيار الدخول في الكتلة الكبرى مع الإطار، وإصرار الأخير على تشكيل هذه الكتلة لمنع ضياع حصة المكوّن الشيعي".
وشهد العراق خلال الأيام الماضية، حراكاً سياسياً متسارعاً لمحاولة إنهاء الانسداد وحل الأزمة السياسية التي لا تزال تضرب البلاد منذ الانتخابات التشريعية التي جرت في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وسارع الحراك بعد اتصال الصدر برئيس ائتلاف "دولة القانون" نوري المالكي، يوم الخميس الماضي، ليحرّك عجلة الحوارات من جديد.
وشهدت البلاد جموداً في الحوارات بسبب إصرار التحالف الثلاثي الذي يقوده الصدر (الذي تصدرت كتلته نتائج الانتخابات البرلمانية) على تشكيل حكومة أغلبية وطنية. لكن هذا التحالف لم يتمكن من ذلك، لأن تشكيل الحكومة يجب أن يكون مسبوقاً بالتصويت على رئيس الجمهورية، وهو ما لم يتم إلى الآن بسبب إخفاق التحالف الثلاثي في تحقيق نصاب أغلبية الثلثين الذي يشترطه الدستور في الجلسة الأولى للبرلمان.