مع تواصل الاشتباكات في الشمال السوري بين قوات النظام السوري وفصائل المعارضة، من الملاحظ أن قوات النظام باتت تعتمد بشكل مكثف على الطائرات المسيّرة، خصوصاً الانتحارية منها، ليس في استهداف مواقع وعناصر فصائل المعارضة فحسب، بل المدنيين أيضاً، وتحديداً المزارعين الذين يعملون في أراضيهم قرب خطوط التماس.
وصباح أمس الجمعة، ذكر مراسل "العربي الجديد" في ريف إدلب الشمالي الشرقي، أن قوات النظام استهدفت بمسيّرة انتحارية محور معارة النعسان في المنطقة، ما أدى لمقتل شخصين وإصابة آخرين، وذلك بالتزامن مع قصف مدفعي من جانب قوات النظام استهدف قرى وبلدات الفطيرة ومعارة النعسان بريف إدلب، ومحيط مدينة دارة عزة وبلدة كفرنوران غربي حلب.
ويوم السبت الماضي قُتل مدني، إثر استهدافه من قبل قوات النظام بطائرة مسيّرة انتحارية، في محيط بلدة تديل بريف حلب الغربي.
تقرير له قبل أيام، ذكر الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، أن قوات النظام باتت تتبع نهجاً جديداً باستهداف المدنيين في شمال غربي سورية، يتمثل في استخدام الطائرات المذخّرة مستهدفة المزارعين بالدرجة الأولى.
وأوضح أن هدف النظام من استهداف المدنيين وتعريض حياتهم للخطر هو الحد من قدرتهم على الوصول إلى الأراضي الزراعية، وهو ما قد يزيد من تقويض مقومات الأمن الغذائي في مناطق شمال غربي سورية.
وعادة تحمل الطائرات المسيّرة متفجرات، فيما يمكن للمشغّل، بواسطة نظام تحكم عن بُعد، توجيهها والتحكم في حركتها وقصف الأهداف المحددة.
في غضون ذلك، بثّت وكالة "سانا" السورية الرسمية، يوم الثلاثاء الماضي، نقلاً عن وزارة الدفاع في حكومة النظام، تسجيلات مصورة تظهر استخدام الطائرات المسيّرة الصغيرة المتفجرة، ضمن ما سمته "عمليات نوعية مركزة" تستهدف مقار ومستودعات في ريف إدلب. وأظهرت التسجيلات اعتماد قوات النظام على المسيّرات لاستهداف مواقع في الشمال السوري، بالتعاون مع الطائرات الحربية الروسية.
كما أعلنت وزارة الدفاع لدى النظام، في اليوم نفسه، إسقاط 8 طائرات مسيّرة في ريفَي حلب وإدلب، ليكون مجموع المسيّرات المعلن إسقاطها 15 مسيّرة في 24 ساعة حينها.
دوافع النظام السوري
وعزا الباحث السوري في "مركز جسور للدراسات"، رشيد حوراني، استخدام النظام المكثف للطائرات المسيّرة إلى عدة أسباب، أهمها عدم امتلاكه وقواته الكوادر البشرية القادرة على إنجاز المهام القتالية، مضيفاً أن "هذا النقص عكسته القوانين التحفيزية التي صدرت أخيراً وتدعو لإبرام العقود مع الجيش".
حوراني: قوات النظام لا تمتلك جاهزية قتالية بوجه فصائل المعارضة
ولفت في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن قوات النظام "لا تمتلك جاهزية قتالية تمكّنها من تحقيق توازن مع فصائل المعارضة، بدليل تنفيذ تلك الفصائل العديد من العمليات ضد قوات النظام على محاور التماس في إدلب (الملاجة) وريف حلب الغربي وشمال اللاذقية، وعدم قدرة تلك القوات على إنجاز محاولة تسلل تحقق فيها تقدماً باتجاه مناطق المعارضة".
كما رأى حوراني أن "التفاهمات الروسية التركية تمنع النظام من القيام بعمليات برية، وهو ما يدفعه للاعتماد على الطائرات المسيّرة لتحقيق بعض أهدافه سواء بحق الفصائل أم المدنيين".
من جهته، لفت القيادي في فصائل المعارضة، العقيد مصطفى بكور، إلى أن القوات الروسية والمليشيات الإيرانية تستخدم منذ سنوات المسيّرات الانتحارية "في استهداف المنشآت الحيوية في المناطق المحررة بما فيها المستشفيات".
وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هذا الأمر حصل "في ريف حماة الشمالي قبل احتلاله من قبل قوات النظام وداعميه حيث تم استهداف بعض المشافي والمقرات العسكرية بهذه الطائرات".
واعتبر أن تكثيف استخدام هذه الطائرات في الآونة الأخيرة من جانب قوات النظام يعود "إلى سيطرة المليشيات الإيرانية على القرار العسكري، والتي تعتمد على هذه الأنواع من الطائرات كونها تصنيعاً إيرانياً".
ومن الملاحظ بحسب بكور أن "الأهداف التي تقصفها تلك الطائرات مدنية، ولن يحدث استخدامها فارقاً كبيراً من الناحية العسكرية بالنسبة لفصائل المعارضة".
أما العقيد القيادي في فصائل المعارضة، هيثم العفيسي، فقد أرجع هذا الاعتماد المتزايد من جانب قوات النظام على الطائرات المسيّرة إلى عدة أسباب، منها قدرتها على إصابة الأهداف بدقة أكبر، ورخص تكلفتها، مشيراً إلى أن أغلبها إيرانية الصنع.
العفيسي: النظام يستخدم المسيّرات ضد المدنيين العزّل بالدرجة الأولى
وقال في حديث لـ"العربي الجديد"، إن النظام "يستفيد أيضاً من هذا الاستخدام سياسياً، لأنه يمكنه التهرب من نتائج قصفها، وزعم عدم مسؤوليته، ما يعفيه من الإحراج مع الجهات الضامنة لوقف إطلاق النار، أو في حال حدوث مجازر". وأشار إلى أن "النظام يستخدمها ضد المدنيين العزّل بالدرجة الأولى، وليس ضد الفصائل".
سورية مختبر للطائرات المسيّرة
وكان تقرير لمنظمة "باكس" (PAX) الهولندية ذكر نهاية العام الماضي، أن سورية تحوّلت خلال سنوات النزاع إلى "مختبر للطائرات المسيّرة" لدول ومجموعات مسلحة متنوعة.
وأضاف التقرير أن الولايات المتحدة وروسيا وإيران وإسرائيل وتركيا، فضلاً عن قوات النظام السوري، استخدمت 39 نوعاً مختلفاً من المسيّرات خلال النزاع المستمر منذ عام 2011، حيث شكلت سورية "مختبراً سمح للدول والمجموعات المسلحة غير الحكومية باختبار أنواع جديدة من المسيّرات".
وأشار إلى أن "هذه الأطراف درست كيف يمكن لاستخدامها أن يحسن من التكتيكات والاستراتيجيات العسكرية"، لافتاً إلى أنه "بعد سورية، تستخدم الطائرات المسيّرة المتفجرة الإيرانية والروسية والأميركية على نطاق واسع في الحرب على أوكرانيا".
من جهته، أضاء المتحدث باسم "تجمع أحرار حوران" أيمن أبو محمود، على الاستخدام المتزايد من جانب قوات النظام والمليشيات المدعومة من إيران للطائرات المسيّرة في محافظة درعا جنوبي سورية، سواء لاستهداف المعارضين أو لتهريب المخدرات باتجاه الأردن.
وقال في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "النظام السوري يستخدم بشكل أساسي نوعين من الطائرات المسيّرة في الجنوب للمراقبة والقصف، ويجري التعديل على هذه المسيّرات في الفرقة الخامسة التابعة لقوات النظام من قبل مهندسين سوريين ولبنانيين".
وأضاف أن هذه الأنواع من الطائرات استخدمت "في استهداف منازل مطلوبين في طفس والمنطقة الغربية، إضافة إلى عمليات تهريب وتجارة المخدرات"، مشيراً إلى أن قوات النظام "تدرّب عناصرها على استخدام الطيران المسيّر في معسكرات خاصة بالتدريب في مدينة ازرع بريف درعا".
إشراف حزب الله والحرس الثوري
وفي السياق، أفادت منصة "بوليتكال كيز" الإخبارية، في 17 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، بأن قوات النظام السوري بدأت في تدريب مجموعة من عناصرها على استخدام الطائرات المسيّرة، في دورة عسكرية مغلقة من المقرر أن تستمر 65 يوماً، وذلك داخل مدرسة المكننة وسط مدينة تلبيسة بريف حمص الشمالي، والتي تتخذها قوات النظام السوري ثكنة عسكرية لها منذ سنوات عديدة.
ونشرت المنصة صوراً للمدرسة المذكورة، مشيرة إلى أن المخابرات الجوية وفرع الأمن العسكري التابعين للنظام السوري جهزا ساحة المدرسة، لتدريب العناصر على استخدام وتطوير وبرمجة الطائرات المسيّرة المتطورة إيرانية الصنع.
ولفتت إلى أن الدورة تضم قرابة 100 عنصر، سيتدربون "على التحكم بالطائرات المسيّرة، ويدرسون برامجها وكيفية تطويرها وصيانتها، إضافة لتعليمهم على أجهزة الرادار التي ترصد الطائرات المسيّرة عن بعد".
ووفق المنصة، فإن الطائرات التي سيتم تدريب العناصر عليها هي من طراز "أبابيل-3"، القادرة على حمل قنابل موجهة، ويحمل برنامجها نظام تشفير عالي الدقة، وطراز "قاصف-1"، وكلا النوعين هجومي مطور على عدة مراحل على أيدي خبراء من "الحرس الثوري" الإيراني.
يأتي ذلك إضافة إلى طائرات مسيّرة أخرى إيرانية الصنع، تدريبية قصيرة المدى، وتستطيع التحليق على علو محدد. وسيكون التدريب تحت إشراف خبراء عسكريين من "حزب الله" اللبناني وضباط بالمخابرات الجوية وفرع الأمن العسكري التابعين للنظام السوري، وتحت إشراف "الحرس الثوري".