قال دبلوماسي مصري سابق، إن مصر "تنظر بقلق إلى محاولات التمدد الصيني في منطقة القرن الأفريقي، والتي كان آخرها الجولة التي بدأها وزير الخارجية الصيني وانغ يي، الأربعاء الماضي، إلى المنطقة"، معلناً خلالها عن عزم بلاده تعيين مبعوث خاص للقرن الأفريقي. ويتمحور القلق المصري خصوصاً حول أزمة سد النهضة والموقف الصيني الذي بدا في أكثر من مناسبة داعماً لإثيوبيا.
تراجع الدور الأميركي في منطقة القرن الأفريقي
ويتعزز القلق المصري، وفق المصدر الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، "في ظل تراجع الدور الأميركي الملحوظ في المنطقة، والذي تجسد أخيراً في استقالة المبعوث الأميركي لمنطقة القرن الأفريقي جيفري فيلتمان، الأربعاء الماضي، بعد فشل السياسة الأميركية في التعامل مع أزمة الحرب الأهلية الإثيوبية، بين جبهة تحرير تيغراي والحكومة الفيدرالية، وفشلها أيضاً في التعامل مع أزمة انقلاب السودان".
وأضاف المصدر أن "استقالة فيلتمان ستشكل عائقاً جديداً في المسيرة الماراثونية من المفاوضات حول أزمة سد النهضة، والتي تدور في حلقات مفرغة منذ عام 2011، بالإضافة إلى العائق الرئيسي، وهو تعليق عضوية السودان في منظمة الاتحاد الأفريقي".
مع العلم أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أعلن يوم الخميس الماضي، عن تعيين سفير واشنطن لدى تركيا المنتهية ولايته، ديفيد ساترفيلد، مبعوثاً جديداً للقرن الأفريقي بعد تنحي فيلتمان.
يتعزز القلق المصري في ظل تراجع الدور الأميركي الملحوظ في القرن الأفريقي
مصر لا تثق بموقف الصين بشأن سد النهضة
وأوضح المصدر أن مصر "تعوّل كثيراً على أن يكون الموقف الأميركي في ما يتعلق بأزمة سد النهضة، داعماً لها، بينما لا تثق في الموقف الصيني الذي ترى أنه يميل ناحية إثيوبيا، وذلك على الرغم من محاولات القاهرة السابقة للتقرب من بكين".
وكانت آخر محاولات التقرب هذه، الخطاب المتلفز الذي وجهه الرئيس عبد الفتاح السيسي، لنظيره الصيني شي جين بينغ، لمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني في يوليو/تموز الماضي.
وأكد السيسي خلال خطابه على أنه تعهد هو والرئيس الصيني خلال لقاءاتهما المتكررة، على دفع العلاقات بين البلدين "الصديقين"، وقال إنه يسعى "للارتقاء بالعلاقة الاستراتيجية الشاملة نحو آفاق أرحب".
وقال المصدر إن "الدبلوماسية المصرية فشلت على مدار سنوات في بناء رأي عام دولي داعم لها بشأن قضية سد النهضة وتأثيره الخطير على مصر والسودان".
وأوضح أن "الصين تأتي على رأس الدول الفاعلة في إثيوبيا، تليها الإمارات، وتركيا، الولايات المتحدة الأميركية"، مشيراً إلى أنه "باستثناء أميركا، فإن مصر لم تحصل على موقف داعم لها في قضية سد النهضة من الدول الأخرى ذات التأثير في إثيوبيا".
وأكد الدبلوماسي المصري أن "الحليفين الاستراتيجيين الكبيرين لإثيوبيا، هما الصين والإمارات"، لافتاً في السياق إلى "اعتراض الصين وروسيا على إصدار بيان لمجلس الأمن بشأن أزمة تيغراي، في مارس/ آذار الماضي، واعتبارهما ما يجري هناك شأناً داخلياً، وذلك على الرغم من أن البيان كان ضعيفاً للغاية".
وأشار المصدر إلى "التحركات المصرية في القرن الأفريقي، والزيارة التي قام بها السيسي إلى جيبوتي في مايو/أيار الماضي قبل الملء الثاني لسد النهضة، وجولات التدريب العسكري المشترك بين مصر والسودان، وزيارة رئيس أركان الجيش المصري السابق، الفريق محمد فريد، إلى روندا وكينيا".
لكنه أضاف "للأسف كانت هذه التحركات بلا فائدة حقيقية للموقف المصري، ولم ينتج عنها أي تعاون ثنائي، ولا عسكري، ولا اقتصادي، والدور المصري في هذه المنطقة ضعيف للغاية".
لا تثق مصر في الموقف الصيني بشأن سد النهضة الذي ترى أنه يميل ناحية إثيوبيا
تعزيز الدبلوماسية الصينية بمواجهة أميركا بالقرن الأفريقي
وقال المصدر إن "الزيارة الرسمية لوزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى إريتريا، الأربعاء الماضي (والتي جاءت ضمن جولة بالقرن الأفريقي شملت أيضاً كينيا وجزر القمر)، بحث خلالها الوزير تعزيز الدبلوماسية الصينية في مواجهة الولايات المتحدة في القرن الأفريقي".
وأشار إلى أن ذلك يأتي "في ظل دور بكين في دعم حكومة أبي أحمد في الحرب الأهلية الإثيوبية، ودعمها لإريتريا، التي وقعت تحت طائلة حزمة عقوبات أميركية جديدة بسبب دورها في أزمة إقليم تيغراي، وذلك بالإضافة لانضمام أسمرة لمبادرة الحزام والطريق الصينية".
وأضاف المصدر أن الصين "أصبح لديها نفوذ يتضخم في الدول الثلاث الأهم في منطقة القرن الأفريقي وهي جيبوتي وإثيوبيا وإريتريا، وحتى كينيا".
وقال إنه "بينما تتخبط السياسة الأميركية في منطقة القرن الأفريقي، وفي ظل استقالة فيلتمان، تعرض الصين خدماتها على دول القرن الأفريقي، والتي تشمل خدمات اقتصادية تتمثل في استثمارات ضخمة، ومساعدات مالية وصحية لمواجهة جائحة كورونا، فضلاً عن خدمات سياسية تتمثل في عرض الوساطة والتدخل في أزمات بعينها مثل أزمة تيغراي".
بينما تتخبط السياسة الأميركية في القرن الأفريقي، تعرض الصين خدماتها على دول المنطقة
استثمارات صينية في إثيوبيا وسد النهضة
وأشار المصدر نفسه إلى أن "الصين لديها استثمارات ضخمة في إثيوبيا وسد النهضة منذ عام 2011، أبرزها ما يتعلّق بمشروعات زراعية لاستصلاح مليوني فدان من الأراضي، وإقامة مصانع عملاقة سيتم تشغيلها بالطاقة الكهربائية المستولدة من السد، وكذلك مشروع القطار الكهربائي من أديس أبابا إلى جيبوتي".
وأضاف أن "استثمارات الصين في السد، ووجود شركاتها التي تعمل في بنائه، يجعل من مصلحتها حمايته".
وأشار إلى أن بكين "قدمت تمويلاً قيمته 1.2 مليار دولار في 2012 لبناء شبكة خطوط لنقل الكهرباء من السد إلى المدن الإثيوبية، هذا إلى جانب اتفاق مع رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد خلال زيارته إلى بكين في 2019 على قرض بقيمة 1.8 مليار دولار، وعمل شركتين صينيتين في بناء السد من الباطن".
وقال المصدر إن "الصين تفضل عدم الانخراط في أزمة سد النهضة، لأسباب عدة؛ أولها دعمها للحكومة الإثيوبية، وعلمها بأنها لن تقبل بأي وساطات لأن السد بالنسبة لها عامل حاسم لشرعيتها".
وتابع أن "الصين تخشى أيضاً من أن تُستَغل وساطتها لصالح مصر في نهر النيل، لإضعاف موقفها كدولة منبع للعديد من الأنهار الدولية، خاصة نهر الميكونغ الذي تحرّض الولايات المتحدة دول مصبه لمواجهة الصين".
ولفت المصدر إلى أن "الصين أعلنت عزمها إقامة أكبر سد لإنتاج الطاقة في العالم في منطقة التيبت على نهر برهمباترا، وهو ما قد يسبب لها مشاكل مع دولتي المصب؛ الهند وبنغلادش".
الصين تأتي على رأس الدول الفاعلة في إثيوبيا
وقال وزير الخارجية الصيني وانغ يي، من كينيا، الخميس الماضي، إن بلاده مستعدة لاقتراح "مبادرة التنمية السلمية في القرن الأفريقي" بهدف دعم الدول الإقليمية في مواجهة تحديات الأمن والتنمية والحوكمة.
وشرح وانغ وجهات نظر الصين حول الوضع الحالي في القرن الأفريقي خلال لقائه مع الصحافيين بعد عقد محادثات مع وزيرة خارجية كينيا، ريتشيل أومامو. ولفت إلى أن الصين مستعدة لاقتراح المبادرة، لدعم المنطقة في تحقيق استقرار وسلام ورخاء على المدى الطويل.
وأضاف أنه من المقترح عقد مؤتمر سلام بين الدول الإقليمية لإجراء مناقشات عميقة، والتوصل إلى توافق سياسي، وتنسيق أعمال مشتركة في هذه المسألة.
وتابع وانغ قائلاً إن "الصين مستعدة لتعيين مبعوث خاص لشؤون القرن الأفريقي بوزارة الخارجية الصينية، لتقديم الدعم اللازم لهذه العملية".
وتعد الصين أكبر شريك تجاري للقارة السمراء، وقد بلغت قيمة التجارة المباشرة بين الطرفين في عام 2019 أكثر من 200 مليار دولار.