تستمر المعارك في وسط الصومال ضد حركة "الشباب" المرتبطة بتنظيم "القاعدة"، خصوصاً في إقليم جلجدود، بعد تحرير إقليم هرشبيلي الفيدرالي المكون من إقليمين رئيسين كبيرين، وهما هيران وشبيلي الوسطى، وانسحاب مسلّحي الحركة باتجاه إقليم جلجدود الذي تسيطر فيه "الشباب" على مدن رئيسية وساحلية، مثل مدن حررطيري وعيل طير، وهما معقل وجود الحركة في الشريط الساحلي بالمحيط الهندي في وسط البلاد.
وبرزت، أمس الأربعاء، الضربة التي وجهتها حركة "الشباب"، عبر تفجير انتحاري مزدوج في مدينة محاس في إقليم هيران، أدّى إلى مقتل 35 وسقوط عشرات الجرحى، بحسب القائد في مجموعة مسلحة محلية في الإقليم محمد معلم آدم.
أبعاد مختلفة للحرب على "الشباب"
لكن الحرب على "الشباب" التي يشنّها الجيش الصومالي بمساندة مسلحين من العشائر، أخذت أبعاداً مختلفة، ولا تقتصر فقط على حشد الجنود ونقلهم إلى ساحات المواجهات، بل توظف الحكومة الفيدرالية الخطاب الديني في مواجهة "الشباب" بوصفها حركة تحمل سمات من إرث "الخوارج" في سفك واستباحة دماء الأبرياء ونهب الأموال. في المقابل، ترد قيادات الحركة على ذلك، مدعية أنها تخوض فقط حرباً ضد الغزاة (القوات الإثيوبية والأفريقية) والمرافقين لها (القوات الصومالية).
الحكومة الصومالية تأمل بأن تتسلم الملف الأمني من القوات الأفريقية الانتقالية بحلول نهاية عام 2024
ولجأت الحكومة الفيدرالية إلى وسائل الإعلام التابعة لها لبث تقارير وبرامج خاصة لإسقاط الشرعية الدينية عن الحرب التي تخوضها حركة "الشباب" ضد الحكومات الفيدرالية، عبر الاستعانة بشيوخ وعلماء من تيارات سلفية وصوفية، إلى جانب استهداف حسابات عناصر الحركة في مواقع التواصل الاجتماعي.
ووفق تصريح لنائب وزير الإعلام الصومالي عبد الرحمن يوسف العدالة، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، فقد أعلن إغلاق 600 حساب نشط لمؤيدي وعناصر الحركة في مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر)، بالإضافة إلى حجب موقع "صومال ميمو" المحسوب على الحركة.
وفي الوقت نفسه، وجهت وزارات عدة تحذيراً للتجار والمواطنين من عواقب التعاون مع "الشباب" أو الذهاب إلى محاكمها ودفع الإتاوات (الضرائب) لها. كما أغلقت أجهزة المخابرات الصومالية عشرات الحسابات المصرفية، وهو أمر من شأنه أن يضيّق الخناق على "الشباب"، التي قدرت أموالها بقرابة 120 مليون دولار أميركي.
وقال الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، الأحد الماضي، في كلمة موجهة إلى الشعب بمناسبة حلول عام 2023، إن بلاده تأمل بأن تتسلم الملف الأمني من القوات الأفريقية الانتقالية (أتمس) بحلول نهاية عام 2024، وتتمكن المؤسسة الأمنية (الجيش والشرطة) من تولي مهامها في حفظ الأمن والاستقرار.
وأكد أن الحكومة الصومالية ستواصل العمليات العسكرية ضد حركة الشباب بالتعاون مع العشائر المسلحة في العام الجديد من أجل تحرير البلاد من مسلحي "الشباب" بعد نحو 16 عاماً من الحرب.
الحملة الدينية بين النجاح والفشل
وفي هذا السياق، قال أستاذ علوم الاتصال الأكاديمي أحمد محمد جيسود، في حديث مع "العربي الجديد"، إن خطوة عسكرة الإعلام والخطاب الديني الموجّه ضد "الشباب"، لا تقل أهمية عن الجانب العسكري والحرب التي يخوضها الجيش الصومالي بالتعاون مع السكان المحليين، مع تجديد الرئيس الصومالي عزمه على تصفية عناصر "الشباب" عسكرياً وتجفيف منابعها الاقتصادية ومحاربتها فكرياً.
ولفت جيسود إلى أن هذه الحملة الإعلامية والدينية الجديدة ضد الحركة حققت نجاحاً، واستطاعت الحكومة من خلالها إظهار حقيقة الأفكار المتطرفة التي تحملها الحركة للرأي العام، وعرض جرائمها البشعة بحق الأبرياء.
وأشار جيسود إلى أن خطوة حجب مواقع وحسابات "الشباب" من قبل وزارة الإعلام الصومالية، هي جزء من خطة للقضاء على الدعاية المضادة التي يروجها أنصار الحركة في مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يمكن أن يحد من نشر دعايتها وأيديولوجيتها التي تبثها عبر محطاتها الإذاعية في المناطق التي تسيطر عليها خلال السنوات الماضية.
وأضاف أستاذ علوم الاتصال الأكاديمي أن الهدف من عسكرة الإعلام بالنسبة للدولة يأتي في سياق تعزيز الحملة العسكرية الحكومية لضرب نفوذ الحركة. أما الخطاب الدعوي الموجه حالياً للمواطنين، فهو "في صميم خلق وتكوين درجة من الوعي بين صنّاع القرار والمواطنين للمشاركة في الحملة العسكرية الراهنة والوقوف إلى جانب الحكومة ضد الحركة"، بحسب شرحه.
ووفق متابعين، فإن استخدام الخطاب الديني في مقارعة "الشباب" قد حقّق بعض الشيء نجاحاً في دفع القوات الصومالية ومسلحي العشائر نحو القتال ضد الحركة، وهو خطاب يرى كثيرون أنه جريء وتزامن مع ذروة القتال ضد "الشباب".
وفي هذا السياق، قال رئيس هيئة علماء الصومال الشيخ بشير صلاد أحمد، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الخطاب الديني الموجه حالياً ضد "الشباب" لم يبدأ في المرحلة الراهنة، بل كان للعلماء دور ومساهمات في كشف زيف وادعاءات الحركة تجاه الدين سابقاً، وهناك من شبّه أفعالها وجرائمها بـ"الخوارج" قبل بدء هذه المعركة الدعوية والعسكرية والإعلامية ضدها.
وحول الخطوة التي اتخذتها الحكومة حالياً في توجيه الخطاب الدعوي لتفكيك أيديولوجية "الشباب"، رأى صلاد أحمد أن هذه الخطوة جريئة، آملاً أن تحقق أهدافها، لكنه شدّد على ضرورة "اتخاذ كافة الإجراءات المناسبة لكي تؤتي أكلها، ومن ضمنها أن يكون الخطاب واضحاً لا لبس فيه ولا غموض، وتمكين العلماء من كشف ودحض وتبين أفكار حركة الشباب ومبادئها الفاسدة في إراقة دماء الأبرياء".
وحذّر رئيس هيئة علماء الصومال من استخدام هذا الخطاب في النيل من طائفة معينة أو تصفية حسابات داخلية لاستهداف تيار ديني معين، مؤكداً أن هناك حالياً إجماعاً بين التيارات الدينية في الصومال (السلفية، الصوفية، الإخوان) في مواجهة "الشباب" فكرياً ووصفها بـ"الخوارج"، ولا بد من توسيع هذه الحملة الدعوية لفضح معتقدات قيادات هذه الحركة، وفق قوله.
وحول ما إذا كان التيار السلفي قد تأثر بمنهج "الشباب" والتي انسلخت عنها قيادات من التيار السلفي سابقاً، أشار صلاد أحمد إلى أن "الشباب" هي حركة لها قياداتها وأهدافها الخاصة، وعلى الرغم من كونها تحمل فكر "القاعدة" في نشر الدين تحت تهديد السلاح، لكن هذا لا علاقة له بمنهجنا، فعسكرة الدعوة ونشر الدين بالسلاح هو نهج "القاعدة" وحركة الشباب.
استخدام الخطاب الديني في مقارعة "الشباب" حقّق بعض النجاح في دفع القوات الصومالية ومسلحي العشائر للقتال ضد الحركة
وأوضح صلاد أحمد أن المسائل الخلافية بين التيارات الدينية في الصومال كانت وستظل موجودة حتى بعد القضاء على نفوذ "الشباب"، وهي مسائل كانت تحل سابقاً بالمناظرات والحلقات العلمية، وسيبقى الخلاف في المسائل الفقهية محتدماً بين تلك التيارات.
في المقابل، رأى الباحث السياسي محمد فاتولي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن القضاء على حركة "الشباب" من خلال تبني استراتيجية فكرية تقوم على الأيديولوجيا صعب جداً، فهي استراتيجية غير قابلة للتبني في هذه المرحلة بسبب أمور عدة.
وأضاف أن إعلان الحكومة الصومالية حرباً ضد الحركة لم يأت من خلال استراتيجية عسكرية للقضاء على الإرهاب وإنما تزامن مع انطلاق ثورة بعض العشائر لمحاربة واستعادة أراضيها من قبضة "الشباب"، إذ استغلت الحكومة الموقف لتحقيق أهداف سياسية وإعلامية بالدرجة الأولى.
وأشار فاتولي إلى أنه من الصعب الحديث عن اعتماد خطاب ديني موحد بين التيارات السلفية والصوفية في الصومال، لمحاربة أيديولوجية الحركة، على الرغم من أن وزارة الأوقاف الصومالية قادت بعض المحاولات بتنظيم اجتماعات شاركت فيها بعض المؤسسات الدينية، إلا أن العديد من العلماء لا يقدرون على مواجهة الحركة مخافة استهدافهم.
وأضاف فاتولي أن الحكومة الفيدرالية حققت نجاحاً في استخدام الإعلام الرسمي كأداة فعّالة في حربها ضد الحركة، وأن حظر بعض وسائل الإعلام التابعة لـ"الشباب" وحسابات كثيرة في مواقع التواصل الاجتماعي كانت استراتيجية ناجعة تصب في صالح الخطاب الإعلامي الرسمي لكسر شوكة الحركة، وهو ما يمكن أن يساعد في خلق جو استثنائي يحفز معنويات الجيش وأيضاً المليشيات العشائرية التي تواصل حربها ضد الحركة منذ شهر يوليو/ تموز الماضي.