مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الإيطالية بعد غد الإثنين يبدو أن القوى السياسية لا تزال غير مستقرة على مرشح توافقي، يأتي ذلك في ظل توقيت حاسم بعد موافقة الاتحاد الأوروبي على منح ما يقرب من 200 مليار يورو للحكومة الإيطالية في شكل مِنَح مشروطة وقروض من صندوق الاتحاد الأوروبي بقيمة 750 مليار يورو، على أن تنفذ إيطاليا برنامجاً إصلاحياً طموحاً من 2022 وحتى 2026.
ويعلق الإيطاليون آمالاً كبيرة على اختيار رئيس قوي في ظل صراعات سياسية شرسة، بالرغم من أن التصويت على اختيار رئيس إيطاليا ليس شعبياً، وإنما من خلال التصويت السري لأعضاء مجلس الشيوخ، والنواب، وممثلي المناطق.
ويعتقد كثيرون أن الرئيس الإيطالي يؤدي دوراً مراسمياً فقط نظراً لأن نظام الحكم في إيطاليا برلماني، وربما يكون هذا صحيحا إلى حد ما، ولكن الوضع يكون مختلفا في حال وجود اضطراب سياسي، ولا يستطيع حزب أو تحالف تأمين أغلبية قوية تمكنه من تشكيل حكومة لمدة خمس سنوات ببرنامج واضح، وهذا بالفعل ما تعيشه إيطاليا منذ عشر سنوات وحتى الآن، ما جعل دور الرئيس خلال السنوات الماضية منقذاً وحاسماً في اللحظات الصعبة. حيث جاء في عهد الرئيس المنتهية ولايته سيرچو ماتاريلا خمس حكومات ولم تكمل حكومة واحدة أكثر من عام ونصف العام بسبب الصراعات السياسية.
انسحاب برلسكوني من السباق
جرت العادة أن الرئيس الإيطالي يأتي بتوافق معظم القوى السياسية. ولكن هذه المرة أعلن تحالف اليمين عن ترشح سيلفيو برلسكوني لمنصب رئيس الجمهورية، ما يعتبره البعض فواتير مستحقة من زعيم حزب الرابطة ماتيو سالفيني وزعيمة حزب إخوان إيطاليا جورجيا ميلوني ومَن وراءهم لصالح برلسكوني زعيم اليمين السخي.
غير أن رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق أعلن أنه لن يترشّح لرئاسة بلاده، واضعا حدا لترشّحه غير المحتمل للمنصب قبل يومين من بدء التصويت في البرلمان.
وجاء في بيان أصدره إثر لقاء عقده عبر الفيديو مع زعماء اليمين المتطرف أنه قادر حسابيا على تحقيق الفوز لكنّه وبروحية "المسؤولية الوطنية" طلب ممّن زكّوه سحب اسمه من السباق الرئاسي.
وقال برلسكوني: "إيطاليا بحاجة اليوم إلى الوحدة" في إشارة إلى جائحة كوفيد-19، وتابع: "سأواصل خدمة بلادي بوسائل أخرى".
ويمر تحالف اليمين بأزمات ليست هينة منذ الانتخابات المحلية عام 2016 وزادت حدتها بعد الانتخابات البرلمانية عام 2018 بعد التحالف الذي لم يدم طويلاً لسالفيني زعيم حزب الرابطة مع حركة الخمس نجوم، ما أدى إلى تراجع غير مسبوق لزعيم الرابطة في مقابل تقدم جورجيا ميلوني زعيمة حزب إخوان إيطاليا، وريث الحركة الفاشية الجديدة.
في الوقت نفسه يدرك سالفيني أن فرص برلسكوني شبه مستحيلة، ما يجعله أكثر تحفظاً من ميلوني في دعم الرابطة له بشكل صريح.
خيارات اليسار بين دراغي وماتاريلا
على الجانب الآخر الأمر أكثر تعقيداً، حيث يرى تحالف اليسار (شبه المنهار) أن ماريو دراغي رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق، وصاحب الوجه المعروف دولياً يمكن أن يكون الخيار الأكثر توافقاً لرئاسة الجمهورية، ولكن استدعاء الرئيس سيرجيو ماتاريلا له لرئاسة الحكومة بداية العام الماضي بعد انهيار ائتلاف حكومة جوزيبي كونتي الثانية وفي ظل التداعيات المدمرة لجائحة كورونا، جعل فرص دراغي أقل، خصوصاً أن معظم القوى السياسة رغم صراعاتها صرحت أكثر من مره برضاها وتأييدها لأداء ماريو دراغي كرئيس للحكومة.
يروج أيضا تحالف اليسار بقيادة الحزب الديمقراطي وحزب "إيطاليا حية" لفكرة إعادة انتخاب ماتاريلا لدورة ثانية، وهو ما تعارضه الأحزاب اليمينية ولا يتطلع له ماتاريلا نفسه.
يعلم سالفيني زعيم حزب الرابطة اليميني المتطرف أن كل الخيارات المطروحة على الساحة السياسية ليست في مصلحة حزبه وبالتالي يحاول الاشتباك معها ضارباً عصفورين بحجر، إذ يعلن تأييده لاستمرار ماريو دراغي رئيساً للحكومة حتى الانتخابات البرلمانية المقبلة 2023، ليقطع الطريق على اليسار المؤيد لانتقال دراغي من رئاسة الحكومة إلى رئاسة الجمهورية.
أما حركة الخمس نجوم التي تحالفت مع اليمين مرة واليسار مرة فتحاول التوصل لاتفاق مع الحزب الديمقراطي على اسم مرشح آخر من الشخصيات العامة التي تلاقي قبولاً في الشارع الإيطالي.