أصيب العشرات اليوم الخميس، بعدما أطلقت الشرطة السودانية الغاز المسيل للدموع لتفريق موكب في أم درمان، فيما أصيب صحافي خلال تغطيته فعاليات موكب 21 أكتوبر/تشرين الأول في الخرطوم.
وقال تجمع المهنيين السودانيين إن هجوم القوات الأمنية على الحشود السلمية أمام البرلمان في أم درمان، خطوة مقصدها الاستفزاز والدفع في اتجاه العنف.
وناشد التجمع في بيان "الحشود المليونية بأم درمان التمسك الكامل بالسلمية"، كما دعا لعدم تراجع الحشود عن مواقعها، مؤكدًا أن الهجوم على المواكب السلمية هو إعلان سافر من السلطة الحالية بكل مكوناتها عن عدائها للثورة والثوار وتطلعاتهم.
كما طالب بجعل "المواكب المليونية صافرة النهاية وسقوط شراكة الدم وسلطتها البغيضة".
وذكرت مصادر طبية في الخرطوم أن أكثر من ثلاثين شخصاً أصيبوا خلال إطلاق الشرطة السودانية للغاز المسيل للدموع في مدينة أم درمان غرب الخرطوم.
وقالت لجنة الأطباء المركزية في بيان لها اليوم إن إصابة واحدة من بين الإصابات غير مستقرة وسيجرى لها تدخل جراحي عاجل.
من جانب آخر، قالت الشرطة السودانية إن "مجموعة محدودة انحرفت وحادت عن السلمية وعملت إلى حصب القوات الشرطية المرتكزة أمام المجلس التشريعي، بوابل من الحجارة والغاز المسيل للدموع والقنابل الحارقة، مما حدا بالقوات استخدام القدر القانوني من أدوات فض الشغب رغم تمادي تلك المجموعات وقيامها بحرق عربة لنقل الجنود ونهب محتوياتها ونتج عن مجمل الأحداث إصابة عدد من رجال الشرطة بينهم اثنان مصابان بطلق ناري في البطن والرجل".
وأكدت الشرطة "حرصها على أداء واجبها القانوني مهما كلف ذلك من تضحيات دون الالتفات للمزايدات".
وتوافد آلاف السودانيين، اليوم الخميس، إلى نقاط تجمع موكب 21 أكتوبر في عدة مناطق بالخرطوم والولايات، للمطالبة بالحكم المدني، وإنهاء الشراكة مع العسكريين في السلطة، واستكمال الانتقال السلمي الديمقراطي، وسط انتشار أمني كثيف على الطرق، فيما تمركزت وحدات من الجيش بالقرب من محيط القيادة العامة.
وفي الخرطوم، تجمّع الآلاف من المشاركين في الموكب في شارع المطار، مرددين هتافات الثورة السودانية المعروفة "حرية سلام وعدالة"، و"الثورة خيار الشعب"، و"الجيش جيش السودان الجيش ما جيش برهان"، في إشارة إلى رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان.
ورددوا كذلك "تسقط شراكة الدم" و"ثوار أحرار حانكمل المشوار" وغيرها، وهو المشهد الذي تكرر بالقرب من البرلمان في أم درمان وتقاطع المؤسسة في الخرطوم بحري، إضافة لعدد من المدن خارج الخرطوم مثل الأبيض بشمال كردفان، وغبيش بغرب كردفان، والجنينة بغرب دارفور، ومدني والحصاحيصا بوسط السودان، حسب التقارير الأولية التي ترد من الولايات.
وأغلق الجيش السوداني، في وقت سابق اليوم الخميس، كل الطرق الرئيسية والفرعية المؤدية إلى مقر قيادته وسط العاصمة الخرطوم.
وأفادت وكالة "الأناضول" بأنّ رئيس الحكومة السوداني عبد الله حمدوك وعدداً من الوزراء يتقدمون التظاهرات المطالبة بحماية الثورة، مشيرة إلى أنّ عناصر من الجيش أغلقوا الشوارع بحواجز إسمنتية وأسلاك شائكة، لمنع أي دخول محتمل لمتظاهرين إلى محيط القيادة العامة. وانتشرت عربات عسكرية مدرعة مع عشرات الجنود المدججين بالأسلحة في الشوارع المؤدية إلى مقر قيادة الجيش.
ويأتي موكب 21 أكتوبر في ظل احتقان سياسي حاد بين المكون العسكري والمكون المدني داخل السلطة الانتقالية، وصل إلى حد وقف الاجتماعات المشتركة وتعليق جلسات المجلس السيادي. كذلك، يأتي الموكب بالتوازي مع اعتصام نظمته أحزاب سياسية قريبة من المكون العسكري بالقرب من القصر الرئاسي، يطالب العسكر بالتدخل وحل حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك.
وذكر بيان صادر عن لجان المقاومة أنّ مواكب اليوم "ضد الكل ولا تدعم فيها أياً من أطراف الأزمة الحالية"، بما في ذلك قوى "إعلان الحرية والتغيير" أو العسكر، وشددت اللجان على ضرورة فضّ الشراكة، التي أطلقت عليها "شراكة الدم"، وإقامة الدولة المدنية الوطنية الكاملة.
وحثت لجان المقاومة المشاركين في المواكب على "التزام السلمية التامة، ومحاصرة كل من يسعى للعنف داخل المواكب"، مشيرة إلى أنه "في حال استخدام الشرطة العنف، فعلى الثائرات والثوار الصمود في الساحات وعدم التراجع".
وأمس الأربعاء، دعا "تجمّع المهنيين السودانيين" جميع القوى والقطاعات إلى المشاركة في تظاهرات اليوم الخميس، وحدّد 13 مطلباً لإنجاز مهام الثورة، التي أطاحت في 11 إبريل/ نيسان 2019 الرئيس عمر البشير (1989 ـ 2019).
وعلى رأس هذه المطالب "إسقاط الشراكة مع العسكريين، ووضع السلطة بيد قوى الثورة، ورفض الانقلابات، وتصفية النظام البائد (البشير)، وتحقيق السلام الشامل، وتكوين المجلس التشريعي (الانتقالي) من قوى الثورة، وتسليم المطلوبين إلى المحكمة الجنائية الدولية، وإجازة قانون موحد للنقابات.
حمدوك: للتمسّك بالسلمية والديمقراطية
إلى ذلك، شدّد رئيس الوزراء السوداني، في منشور عبر صفحته في "فيسبوك" اليوم الخميس، على التمسك بالسلمية، والديمقراطية، والحرية، والسلام، والعدالة.
وقال حمدوك: "عاشت ذكرى أكتوبر المجيدة ملهمة للأجيال، ومذكرة لهم جيلاً بعد جيل، بما خرج من أجله الشهداء ورفاقهم الثوار، في كل ثورة في بلادنا"، مضيفاً: "كل أكتوبر ونحن أكثر تمسكاً بالسلمية والديمقراطية والحرية والسلام والعدالة".
"الميثاق الوطني" يواصل اعتصامه ويمدده إلى البرلمان للمطالبة بحل حكومة حمدوك
في المقابل، أعلن تيار "الميثاق الوطني"، أحد مكونات قوى "إعلان الحرية والتغيير" في السودان، الخميس، أنّ أنصاره شرعوا في الاعتصام أمام مقر البرلمان غربي العاصمة الخرطوم، للمطالبة بحل الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك.
وحكومة حمدوك هي أول حكومة منذ أن بدأت، في 21 أغسطس/ آب 2019، فترة انتقالية تستمر 53 شهراً وتنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية ("إعلان الحرية والتغيير") وحركات مسلحة وقعت مع الحكومة اتفاق سلام في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2020.
وقالت صفحة "اعتصام استرداد الثورة" (تابعة للتيار) على "فيسبوك" إنه "تم تمديد اعتصام القصر الرئاسي ليشمل المجلس التشريعي (البرلمان) بنجاح".
وتتهم قوى سياسية "الميثاق الوطني" بأنه مدعوم من المكون العسكري في السلطة الانتقالية لإضعاف المكون المدني، في حين يقول التيار إنه منحاز لـ"الوثيقة الدستورية" الخاصة بإدارة الفترة الانتقالية بعد إطاحة الرئيس عمر البشير (1989 ـ 2019).
ومنذ أسبوع، ينفذ أنصار التيار اعتصاماً أمام القصر الرئاسي، للمطالبة باسترداد الثورة وحل الحكومة وتوسيع المشاركة السياسية في السلطة الانتقالية.
ودعت الولايات المتحدة السودانيين إلى التعبير عن آرائهم، وشجعتهم على "السلمية".
وقالت السفارة الأميركية في الخرطوم، في تغريدة عبر "تويتر" أمس الأربعاء، إنها "على علم بالدعوات الموجهة إلى السودانيين للتظاهر يوم الخميس للتعبير عن آرائهم بشأن الوضع الحالي في البلاد. ونشجع المتظاهرين على السلمية وتذكيرهم بالدعم الأميركي القوي للانتقال الديمقراطي في السودان".
إن السفارة الأمريكية علي علم بالدعوات الموجهة للسودانيين للتظاهر يوم الخميس للتعبير عن آرائهم بشأن الوضع الحالي في البلاد. ونشجع المتظاهرين على السلمية وتذكيرهم بالدعم الأمريكي القوي للانتقال الديمقراطي في السودان.
— US Embassy Khartoum (@USEmbassyKRT) October 20, 2021
خطة أمنية لحماية التظاهرات في السودان
وعقدت قيادات الشرطة، الأربعاء، اجتماعاً طارئاً ناقشت فيه خطة تفصيلية لحماية تظاهرات الخميس. وقالت الشرطة، في بيان، إن "هدف الخطة تأمين المواقع السيادية والاستراتيجية والخدمية الحيوية والمنشآت والمرافق والبعثات الدبلوماسية والأسواق ومراكز المال وسجون ولاية الخرطوم".
وأفادت بـ"وضع قوات الشرطة بمختلف إداراتها في حالة الاستعداد القصوى".
ومنذ شهر، تتصاعد توترات بين المكونين العسكري والمدني في السلطة الانتقالية، بسبب اتهام قيادات عسكرية القوى السياسية بأنها تبحث عن مصالحها الشخصية فقط، وبأنها مسؤولة عن الانقلابات في البلاد، وذلك على خلفية إحباط محاولة انقلاب عسكري في 21 سبتمبر/ أيلول الماضي.