السيسي يريد تفادي غضب بايدن: حراك للإفراج عن معتقلين سياسيين

18 يناير 2021
معظم الأسماء المرشحة للخروج من السجن سبق أن طُرحت في الربيع الماضي (فرانس برس)
+ الخط -

تصاعد الحديث في أروقة السياسة والإعلام في مصر خلال الساعات الأخيرة، عن قرب الإفراج عن عدد من المعتقلين السياسيين من النشطاء والصحافيين المحبوسين على ذمة قضايا مختلفة، بعضها يعود إلى عام 2018، والبعض الآخر من المحكوم عليهم المدانين في قضايا ذات طابع سياسي وتظاهر. ويرغب النظام في تحسين صورته أمام العواصم الغربية، التي ضغطت بصورة متصاعدة خلال الفترة الماضية للإفراج عن عدد من المعتقلين السياسيين، خصوصاً بعد إغلاق مصر قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، ووصول التعاون القضائي بين القاهرة وروما إلى طريق مسدود. ومن جهة أخرى يطمح النظام لتوجيه رسائل إيجابية للإدارة الأميركية الديمقراطية الجديدة برئاسة جو بايدن، بعد اتصالات مباشرة وغير مباشرة، أجرتها أجهزة النظام خلال الشهرين الماضيين مع دوائر ديمقراطية عدة التي أكدت له أن بايدن ونائبته كامالا هاريس، لن يقبلا باستمرار تعاطي مصر مع ملف حقوق الإنسان بالطريقة نفسها التي كان عليها في عهد دونالد ترامب.

خلافات بين أجهزة النظام حول جدوى عملية الإفراج عن المعتقلين

ووسط الحديث عن قرب تنفيذ وعود الإفراج قبل أو بعد الذكرى العاشرة لثورة 25 يناير/كانون الثاني الحالي، كشفت مصادر لـ"العربي الجديد" أن هناك خلافاً محدوداً بين شخصيات بالرئاسة، والمخابرات العامة، والأمن الوطني، حول موعد خروج الشخصيات المعنية. ورأى البعض أن التعجيل بذلك سيكون في صالح تحسين العلاقة بالبيت الأبيض، قبل تولي بايدن منصبه رسمياً بعد غد الأربعاء، لا سيما بعد أيام من العبارات الإيجابية التي غازل بها وزير الخارجية المصري سامح شكري واشنطن، ومفادها أن الدولة المصرية "تشاطر" الإدارة الأميركية الجديدة اهتمامها بالحقوق والحريات. في المقابل، يرى آخرون أن خروج النشطاء قبل ذكرى الثورة قد يؤدي إعلامياً وعلى وسائل التواصل الاجتماعي إلى تداعيات غير مرغوب بها، خصوصاً أن الدولة تعمل بصورة منسقة وموحدة ومتصاعدة، لمنع الحديث عن ذكرى الثورة إعلامياً. وتعمل السلطات أيضاً على تضخيم الاحتفال المنتظر بعيد الشرطة (في 25 يناير أيضاً)، وسكّ عملة جديدة تحمل شعار الشرطة، ونشر دوريات إعلامية حكومية عن "ثورة 30 يونيو/حزيران 2013"، باعتبارها الثورة الحقيقية للشعب المصري.

وسبق أن قال مصدر سياسي مطلع قريب من أجهزة النظام لـ"العربي الجديد" الشهر الماضي، إن المقترحات المتداولة حالياً داخل مكتب الرئيس عبد الفتاح السيسي والمخابرات العامة والأمن الوطني حول إمكانية العودة لإصدار قرارات عفو عن المعتقلين، لتحسين صورة النظام المتضررة بشدة من الأحداث الأخيرة، ما زالت قيد الدراسة. وعزا السبب إلى اختلاف وجهات النظر حول إصدار عفو بالتزامن مع تولي بايدن، إذ يرى بعض المقربين من السيسي أن هذه الخطوة ستكون إيجابية وموجهة للخارج، ويعتبر البعض الآخر أنها ستكون متاجرة مكشوفة وستسيء لصورة النظام في الداخل. وتتخلل هذه الآراء المختلفة في مؤسسة الحكم محاولات سياسية وإعلامية وحقوقية، لتحقيق اختراق ملموس لجهة الإفراج عن عدد من النشطاء، خصوصاً الصحافيين والمحامين ومعظم المتهمين في قضية "خلية الأمل". ومن هؤلاء الصحافيين، خالد داود، وهشام فؤاد، وحسام مؤنس. كما تتطرق محاولات الوساطة، التي ينخرط فيها قيادات في عدد من الأحزاب ونواب معينون بمجلس الشيوخ، وبعض الشخصيات النقابية البارزة، إلى ضمان الإفراج عن عدد أكبر من النشطاء. مع العلم أن التعسف الأمني مستمر بحقّ بعض الأسماء من ذوي الخلفيات الإسلامية "مع بعض الاستثناءات المحسوبة على المجال الإعلامي"، فضلاً عن الأسماء اليسارية الثورية وأقارب النشطاء المشهورين، في ظلّ تساهل نسبي مع الناصريين واليساريين التقليديين.

وأفادت مصادر دبلوماسية وسياسية مطلعة، بأن الوساطات المحلية التي تبذل منذ خروج معتقلي المبادرة المصرية الشهر الماضي، لم تكن لتحقق أي أثر إيجابي بلا ثلاثة عوامل رئيسية. أول تلك العوامل، تأكد السيسي من أن الأوضاع الحقوقية والأوضاع المتردية للسجناء والمعتقلين، سيصبح أولوية لبايدن، لأن مساعديه المحسوبين على الرئيس الأسبق باراك أوباما والسياسي الديمقراطي بيرني ساندرز، يتمسكون بضرورة تحقيق تقدم كبير فيها قبل المضي قدماً في علاقة شراكة مع مصر. مع العلم أن هؤلاء مرتبطون بعلاقات وطيدة مع شخصيات حقوقية وسياسية مصرية معارضة في الداخل والخارج، باتت تستطيع التأثير على البيت الأبيض أكثر من أي وقت مضى.

أما العامل الثاني فهو الطريقة التي طُرحت بها قضايا حقوق الإنسان خلال زيارة السيسي الأخيرة إلى باريس، وتسليمه ثلاث قوائم تضم أسماء 40 معتقلاً مطلوب الإفراج عنهم. فعلى الرغم من أن نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون وضع الاقتصاد والتعاون العسكري في مقدمة أجندة العلاقات الثنائية، إلا أن السيسي شعر بأن الإقدام على خطوة الإفراج عن بعض المعتقلين أمر يكفي، لتخفيف الضغوط الأوروبية في هذا الملف بشكل عام، لا سيما مع تحوّل قضية ريجيني إلى وصمة عار حقيقية للنظام. وخلال تلك الزيارة كانت المشكلة الأبرز هي قضية "خلية الأمل"، التي تضم الناشط ضد الصهيونية رامي شعث، المتزوج من مواطنة فرنسية ونجل السياسي الفلسطيني الكبير نبيل شعث. وقد حرص السيسي ووزير خارجيته سامح شكري على عدم إعطاء أي تعهدات بقرب إطلاق سراحه، رغم الإلحاح الفرنسي. وذكرت مصادر لـ"العربي الجديد"، أن اعتبارات عدة حكمت وضع شعث في حينه، منها صعوبة الإفراج عنه وحده من دون باقي معتقلي قضية "خلية الأمل"، الذين كانوا يخططون للمشاركة في انتخابات مجلس النواب الأخيرة. كما أن نشاط شعث في مناهضة الصهيونية والتطبيع مزعج للأجهزة المصرية، وفي إطار التقارب بين السيسي وحكومة دولة الاحتلال فربما سيكون الإفراج عنه رسالة سلبية غير مناسبة. أما الآن فتبدو المناسبة مواتية لخروج رامي شعث، لا سيما بعد تأكد خروج عدد من المتهمين معه في القضية ذاتها، لكن برأي بعض المصادر، فإن "الأمن الوطني متحفظ على خروج جميع المتهمين في هذه القضية"، نظراً للضجة التي أثيرت حولها عند اصطناعها. مع العلم أن جميع المتهمين بها مدرجون على قائمة الإرهابيين، أي ممنوع سفرهم وتصرفهم في أموالهم.

أما العامل الثالث لتحريك الأمور فهو رصد مصر تحركات يسارية في البرلمان الأوروبي لانتزاع قرار من المجلس الأوروبي، وهو أعلى سلطة في الاتحاد، بتطبيق عقوبات عسكرية عامة على مصر بحظر التوريد والتعاون. وعُقد في هذا الإطار جلسات عدة منذ أسبوعين للوقوف على مستجدات القضية، بعد بيان النيابة المصرية بشأن قضية ريجيني. ولهذا السبب رجّحت المصادر الدبلوماسية والسياسية أن يشمل الحراك المرتقب، في صورة عفو أو إخلاء سبيل من النيابة، الأسماء المذكورة في بيان البرلمان الأوروبي، ومن بينها كمال البلشي شقيق الصحافي اليساري خالد البلشي.

لا يقوم هذا الحراك على المساواة بين جميع المعتقلين السياسيين المتساوين أو المتقاربين في المراكز القانونية

وأياً كان شكل الحراك الذي يواكب الذكرى العاشرة للثورة، فإن به من السمات المعتادة لقرارات العفو السابقة وقرارات النيابة بشأن إخلاء سبيل المتهمين في القضايا السياسية، ما يؤكد أنه هش. مع العلم أن النظام يضع نصب أعينه أهدافاً محدودة وضئيلة، تتمثل في تخفيف الضغوط الخارجية وإحداث شعور بحدوث انفراجة سياسية في أوساط نخبة محدودة من الإعلاميين والحقوقيين، من دون تمدد ذلك إلى جموع المواطنين.

وكعادة قرارات العفو السابقة، لا يقوم هذا الحراك على المساواة بين جميع المعتقلين السياسيين المتساوين أو المتقاربين في المراكز القانونية، في انتقاء وتصنيف على أساس العلاقات بالداخل والخارج والخطورة الأمنية. ويتعمّد التمييز بين مكونات المعارضة والمجموعات المكونة لتيار ثورة 25 يناير لضمان استمرار التفريق والشقاق بينها. وبحسب مصادر أمنية، فقد كان معظم المعتقلين القريبين حالياً من مغادرة السجن، مدرجين على قائمة سبق عرضها في ربيع العام الماضي، وتم تعطيلها من الأمن الوطني من دون مبررات. وتضمن العفو في حينه أسماء مجرمين جنائيين، من بينهم محسن السكري قاتل الفنانة اللبنانية سوزان تميم، لصالح رجل الأعمال شريك النظام حالياً هشام طلعت مصطفى.

المساهمون