السلطات الجزائرية تترصد مصوري الاحتجاجات والمواقف المنتقدة للمسؤولين

03 ديسمبر 2022
السلطات تعتبر أن فيديوهات كهذه تحرض على الاحتجاج في الشارع (العربي الجديد)
+ الخط -

تترصد السلطات الجزائرية في الفترة الأخيرة الناشطين والشباب الذين يستخدمون الهواتف لتصوير ممارسات أو مواقف غير سليمة، وبثها على مواقع التواصل الاجتماعي، تخوفاً من أن يمثل ذلك استعادة للاحتجاج ضد السلطة ولمناخات الحراك الشعبي، فيما يلقى تعامل السلطات هذا تنديداً سياسياً ومدنياً مستمراً، ويوصف بأنه تخويف وتضييق على الحريات.

وقبل يومين، اعتقلت مصالح الأمن الجزائرية ناشطاً يدير صفحة إخبارية على مواقع التواصل الاجتماعي، تعنى بأخبار ولاية ميلة شرقي الجزائر، بسبب تصويره وبثه لفيديوهات عن احتجاجات شعبية ومواجهات بين السكان وقوات الشرطة في أحد أحياء المدينة، بسبب عزم السلطات هدم بنايات فيه.

وحكمت المحكمة سريعاً على الشاب بالسجن لمدة عام، ويكشف ذلك عن انزعاج لافت للسلطات من بث صور وفيديوهات عن هذا الاحتكاك الأول من نوعه بين الشارع الجزائري والشرطة منذ الحراك الشعبي، خصوصاً بعدما تم تداول هذه الفيديوهات على نطاق واسع، واستغلتها قنوات معارضة تبث من الخارج.

وقبل أسبوعين، عمدت السلطات إلى توقيف الشاب حسين سليمان، في مدينة وهران غربي الجزائر، بعد تصويره ونشره شريط فيديو لبائع على الرصيف، كان تعرض لمعاملة غير لائقة من قبل حاكم ولاية وهران، ردّ فيه البائع على ما قاله الحاكم من عبارات كانت محل استهجان بالغ من قبل الجزائريين. واعتبرت المحكمة أن بث الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، تشهير وإهانة لموظف عمومي وهيئة نظامية، وأصدرت بموجب هذه التهم حكماً بالسجن ضده بعامين حبس.

وفي 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أوقفت السلطات الجزائرية مجموعة من الشباب كانوا قد صوروا فيديو تم نشره على مواقع التواصل الاجتماعي قبل وقت قصير، يظهر طريقة تعامل الشرطة مع المناصرين لدى دخولهم الملاعب، حيث وجه لهم القضاء تهم تصوير وعرض ونشر عبر إحدى منصات التواصل الاجتماعي، فيديوهات تمس بالمصلحة الوطنية، وإهانة هيئة نظامية والتشهير.

وكان الشباب قد قاموا بتصوير فيديو تمثيلي، لمشهد يعرض تعاملاً عنيفاً للشرطة مع المناصرين لدى دخولهم الملاعب، وتقمص بعضهم دور رجال الشرطة الذين يقومون بضرب المناصرين. ويظهر الفيديو المحاباة لصالح بعض الأفراد الذين يسمح لهم بدخول الملاعب دونما احترام للطابور.

ويأتي ترصد السلطات الجزائرية هذا، في سياق تشدد لافت تبديه ضد كلّ من يصور أو يبث مادة تتعلق بمسؤولين، أو تندد بتجاوزات الأجهزة الأمنية والرسمية. وتعتقد السلطات أن مثل هذه الفيديوهات هي جزء من عملية تحريض للشارع ضد السلطة، وتتعامل معها على أساس ذلك.

وقال المحلل السياسي فيصل أزغدان لـ"العربي الجديد"، إن "سلوك السلطة يأتي تحت عنوان كبير، وهو ضبط الشارع وفرض هيبة الدولة، لكنه يجري تنفيذ ذلك بشكل متشدد، وهذا يؤكد أولاً رفضها الكشف عن الاختلالات المستمرة، والذي يأتي معاكساً للخطاب الرسمي الذي يتحدث عن تحقيق منجزات اجتماعية واقتصادية، ومن جهة ثانية يؤشر على أن الحراك الشعبي توقف في الشارع، لكنه مستمر في عقل السلطة، لأنها تعتبر أن مثل هذه الفيديوهات وغيرها من هوامش التعبير، هي جزء من التعبئات التي خلقت الحراك الشعبي"، في فبراير/شباط 2019 .

ودان رئيس كتلة "حركة مجتمع السلم" المعارضة في البرلمان أحمد صادوق، خلال مناقشة قانون الموازنة الجديدة قبل أيام في البرلمان، التضييق وترصد السلطات للشباب الذين يصورون فيديوهات تكشف الفساد أو ممارسات غير منضبطة للمسؤولين أو ممثلي الدولة.

واعتبر أن "توقيف الشاب الذي صوّر التصريحات غير المقبولة لحاكم ولاية وهران، وتصرفه مع الباعة في الشارع، هو تضييق غير مبرر"، قائلاً: "الشاب أخذته النخوة لاستنكار سلوك الوالي، بينما كان يتوجب تكريم هذا الشاب الذي لديه مروءة وشهامة لتضامنه مع جاره الذي أهانه الوالي"، وطالب صادوق الرئيس عبد المجيد تبون بالتدخل لوقف ما وصفه " بالاستعراض غير مبرر".

وإضافة إلى التنديد المستمر من قبل الهيئات الحقوقية والمدنية في الجزائر، إزاء ما تعتبره تضييقاً وترصداً للناشطين والمدونين، دعا الناشط الحقوقي والعضو السابق في هيئة الانتخابات حفناوي غول، الرئيس تبون إلى وقف هذا التضييق، ونشر نداءً موجهاً إلى الرئيس، جاء فيه: "بعد تشديد العقوبات على النشطاء، واللجوء إلى الاستدعاء المباشر والمثول الفوري، واستعماله المفرط من طرف القضاة، نرى اليوم أن هناك حملة اعتقالات تمسّ كل من يريد أن ينقل انشغالاً أو يصور تجاوزاً أو يبلغ عن الفساد، أو ينهي عن منكر أو يفضح التسيير الأعرج الذي يقوم به الكثير من المسؤولين".

وتساءل غول "كيف نستطيع ان نبلغك عن التجاوزات واستشراء الفساء وما يقع بالإدارات البيروقراطية، وما يجري بمناطق الذل والظل؟ فقد أصبح الجميع يخاف أن يقع تحت طائلة العقاب، والأمثلة كثيرة، بدءاً بالمواطن الذي نقل ما تلفظ به والي وهران وإهانته لبائع البيض، ومن صوّر احتجاجات ميلة وغيرهما الكثير".

المساهمون