استمع إلى الملخص
- الحملة الإعلامية تأتي ردًا على العدوان الإسرائيلي وتعزيزًا لموقف المقاومة، مع أسر جنود إسرائيليين في عملية "طوفان الأقصى" واستخدامهم كورقة ضغط، مما أثار تفاعل عائلات الأسرى وتظاهرات داخل إسرائيل.
- الحملة تهدف لتحريك المجتمع الإسرائيلي للضغط على حكومتهم للتوصل إلى صفقة تبادل، مع تأثيرها على الروح المعنوية للجندي الإسرائيلي ورفع معنويات الشعب الفلسطيني، وتظهر استطلاعات تفضيل الإسرائيليين لحل ملف الأسرى مما يزيد الضغط للتفاوض.
منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تستخدم كتائب الشهيد عزّ الدين القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية، نهج الدعاية الإعلامية لتحريك الشارع الإسرائيلي تجاه ملف المحتجزين الإسرائيليين في غزة. وخلال ثمانية أشهر من عمر الحرب على غزة، نشرت كتائب القسّام عشرات المقاطع الخاصة بالمحتجزين والمحتجزات، سواء على شكل مقاطع فيديو أو رسائل صوتية، بالإضافة إلى بعض الصور، في رسائل تبدو موجهة للجبهة الداخلية الإسرائيلية.
"الوقت ينفد" في ملف المحتجزين الإسرائيليين
وكثيراً ما عنونت "القسّام" هذه الرسائل بـ"حكومتكم تكذب" و"الوقت ينفد"، في إشارة إلى كذب الرواية الإسرائيلية بشأن ملف المحتجزين الإسرائيليين في غزة، الذين تمكنت المقاومة من أسرهم في أول أيام عملية "طوفان الأقصى" ردّاَ على العدوان الإسرائيلي على القدس المحتلة والمسجد الأقصى والاعتداءات في الضفة وحصار غزة. وجاءت عملية الأسر الأخيرة التي أعلن عنها المتحدث العسكري باسم كتائب القسّام أبو عبيدة، ليل السبت – الأحد، لتعزّز رواية المقاومة في ما يتعلق بالحرب الدعائية التي تخوضها لتحريك الشارع الإسرائيلي.
محمد الأخرس: هناك تحول في التفكير الإسرائيلي مقارنة بما كان عليه مع بدء الحرب
وقبل أيام، فاجأت "القسّام" الجميع بإعلانها أن قائد اللواء الجنوبي في جيش الاحتلال أساف حمامي أسير لديها بعد إصابته في السابع من أكتوبر الماضي، وهو الذي كان الاحتلال قد أعلن أنه قتل في أول أيام الحرب ونظّم جنازة رمزية له. واكتفت كتائب القسّام في مقطع الفيديو الذي نشرته لحمامي بالإشارة إلى أن جيش الاحتلال يترك جنوده وقادته محتجزين دون توضيح مصيرهم، وأشارت إلى إصابته وأسره على يد المقاومين قرب مستوطنة ريعيم بغلاف غزة.
في الوقت ذاته، فإن الكثير من الإصدارات المصورة التي تنشرها كتائب القسام أو سرايا القدس (الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي)، تحظى بتفاعل من قبل عائلات المحتجزين الإسرائيليين، وهو ما يؤكده أيضاً استمرار التظاهرات في مدن عدة بالداخل المحتل عام 1948، منذ بداية الحرب. ودفع ذلك بعض هذه العائلات لأن تنشر هي الأخرى في الآونة الأخيرة مقاطع لعمليات أسر جرت لذويها بعيداً عن الموافقة الحكومية الإسرائيلية، كما جرى في المقطع الخاص بأسر المجندات العاملات في وحدة مراقبة الحدود أخيراً.
ورفضت شخصيات في حركة حماس تواصلت معها "العربي الجديد"، الحديث عن أهداف ما تنشره القسام والمقاومة من مقاطع فيديو مسجلة ورسائل للمحتجزين الإسرائيليين لديها، فيما اكتفى أحد القياديين بالقول: "هذا الملف متروك للقسّام التي تديره وفقاً لرؤيتها".
ولا تعتبر هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها كتائب القسّام الأسلوب الدعائي في ما يتعلق بملف المحتجزين الإسرائيليين لديها، إذ اتبعت هذا الأسلوب على مدار تاريخها، لا سيما في ملف الجندي جلعاد شاليط (أسر في 2006 وأفرج عنه بصفقة تبادل في 2011)، وبشكل أكبر بعد أسرها أربعة جنود إسرائيليين في عام 2014.
من جهته، رأى الباحث والمختص في الشأن السياسي محمد الأخرس أن استراتيجية الحرب الدعائية التي تقودها المقاومة تقوم على رؤية تحدّدها هي لجهة ما يصلح عرضه على الجمهور الإسرائيلي في بداية الحرب نظراً لحالة الفشل الإسرائيلي والانسداد في أدوات الضغط العسكري التي وصلت إليها المؤسسة العسكرية. وأضاف الأخرس في حديث لـ"العربي الجديد"، أن ازدياد عدد الجثث التي يصل إليها الجيش الإسرائيلي يُعين المقاومة على الضغط على الشارع الإسرائيلي في ملف المحتجزين الإسرائيليين في ظلّ حالة التعافي في الوعي الإسرائيلي أخيراً، وهو ما أحدث نجاحاً ملحوظاً في الحرب الدعائية.
حسام الدجني: في اللحظة التي ترتفع فيها وتيرة التظاهرات، فإن ذلك سيزيد الضغط على نتنياهو من أجل إبرام صفقة تبادل
ووفقاً للباحث، فإن هذه المضامين الدعائية لا تستهدف بشكلٍ أساسي صانع القرار الإسرائيلي أو المستوى الرسمي السياسي الإسرائيلي، إنما تستهدف المجتمع الإسرائيلي والوعي الجمعي للاحتلال، وعلى ضوء ذلك يمكن أن يزيد الضغط على رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو. واستند الأخرس في حديثه إلى نتائج الاستطلاعات الإسرائيلية الأخيرة التي تفضل الإفراج عن المحتجزين على حساب هزيمة حماس، كما أظهر استطلاع لقناة 12 الإسرائيلية (أعلنت نتائجه في 25 مايو/ أيار الحالي)، التي وثّقت أن 64 في المائة من الإسرائيليين يفضلّون حلّ ملف المحتجزين الإسرائيليين والإفراج عنهم، بينما 30 في المائة فقط هم الذين يؤمنون بهزيمة حماس، وهو مؤشر، بحسب الأخرس، على التحول في التفكير الإسرائيلي، ولا سيما أن 67 في المائة من المستطلعة آراؤهم يرون أن الحكومة لم تكن ناجحة في ملف المحتجزين الإسرائيليين لدى المقاومة، وفق قوله.
وباعتقاد الأخرس، فإن حوادث عدة تثبت أن هناك نجاحاً للحرب الدعائية التي تقودها المقاومة الفلسطينية للشهر الثامن على التوالي على صعيد الوصول إلى اتفاق يوقف الحرب ويبرم صفقة تبادل مشرفة. وبرأيه، فإن هذه الحوادث من شأنها تعزيز الأزمة الداخلية للاحتلال في حال انسحاب الوزيرين في حكومة الطوارئ بني غانتس وغادي أيزنكوت، وبما يمنح زخماً أكبر للتظاهرات في الشارع الإسرائيلي ويعزّز الضغوط على نتنياهو.
ولم تعلن المقاومة بما خصّ ملف المحتجزين الإسرائيليين عن عدد الموجودين منهم لديها أو طبيعة حالاتهم الصحية، باستثناء بعض القتلى الذين أعلنت عنهم خلال الفترة الماضية، وهو ما يخلق حالة من الغموض في ما يتعلق بالمحتجزين الإسرائيليين.
أهداف ودلالات
وفي السياق ذاته، رأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة حسام الدجني أن أسلوب الحرب الدعائية الذي تخوضه المقاومة له أهداف عدة، من أبرزها تحريك المجتمع الإسرائيلي بما خصّ ملف المحتجزين الإسرائيليين للضغط على نتنياهو لإبرام صفقة تبادل وضرب الروح المعنوية للجندي الإسرائيلي. وقال الدجني في حديثه لـ"العربي الجديد"، إنه من ضمن الأهداف أيضاً رفع الروح المعنوية للشعب الفلسطيني والحاضنة الشعبية للمقاومة وعكس صورة نصر مع قدرتها على صنع رسائل دعائية موجهة للجبهة الإسرائيلية الداخلية. وشدّد على أن هذا الأسلوب ناجع ومن شأنه أن يعزّز التظاهرات الداخلية ضد نتنياهو وحكومته من أجل القبول بإبرام صفقة تبادل جديدة تؤدي إلى وقف الحرب المتواصلة للشهر الثامن على التوالي.
كما أعرب أستاذ العلوم السياسية عن اعتقاده بأنه في اللحظة التي ترتفع فيها وتيرة التظاهرات إلى مرحلة يصل فيها عدد المتظاهرين إلى ما بين نصف مليون ومليون في تل أبيب، فإن ذلك سيزيد الضغط على نتنياهو من أجل إبرام صفقة تبادل. ونبّه الدجني أخيراً إلى أن عزم الوزير في مجلس الحرب بني غانتس على الانسحاب من الحكومة هو فقط لخدمة حساباته الانتخابية، "فهؤلاء غير معنيين بصفقة تبادل تؤدي إلى وقف الحرب وتساهم في إنجاز الصفقة التي تريدها المقاومة وعائلات المحتجزين"، وفق رأيه.