قال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، مساء الأربعاء، إن وفاة الشابة الإيرانية مهسا أميني "أحزنتنا جميعاً"، وذلك في لقاء تلفزيوني، مضيفاً: "سننتظر التقرير القضائي النهائي عن سبب وفاتها".
وتابع: "لا أحد يجب أن يخاف من التعبير عن آرائه، وينبغي للسلطات أن تكون منفتحة على الآراء بشأن طرق تنفيذ القوانين".
إلا أنه استدرك بالقول إن "أعمال الشغب والعنف غير مقبولة، وقوات الأمن تضحي بحياتها لتأمين البلاد".
وتوفيت الفتاة البالغة من العمر 22 عاماً في 16 سبتمبر/أيلول الجاري داخل مستشفى في طهران بعد ثلاثة أيام من توقيفها على يد شرطة الأخلاق، ما أدى لخروج احتجاجات على مستوى البلاد إثر وفاتها.
وقال الرئيس الإيراني إن الطب العدلي الإيراني سيصدر تقريره النهائي بشأن سبب وفاة الشابة مهسا أميني خلال الأيام المقبلة.
وأوضح رئيسي أنه علم بوفاة مهسا أميني عندما كان في زيارة إلى العاصمة الأوزبكستانية سمرقند للمشاركة في قمة شنغهاي للتعاون، مشيرا إلى أنه كلّف حينها وزير الداخلية أحمد وحيدي بمتابعة الأمر.
وتابع الرئيس الإيراني، موضحاً أنه بعد العودة إلى إيران أجرى اتصالا مع عائلة مهسا أميني وطمأنها حول متابعة ملف وفاتها وأي قصور محتمل.
وفي إشارة غير مباشرة إلى الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها إيران منذ 17 الشهر الجاري على وفاة أميني بعد أيام من احتجازها من قبل شرطة الآداب بتهمة "الحجاب غير المناسب"، في ظل اتهامات للشرطة بضربها، دعا رئيسي إلى التفريق بين الاحتجاج وأعمال الشغب، مضيفا أن "حياة الناس وأموالهم خط أحمر ولن نسمح بالاعتداء عليها".
ودعا إلى تخصيص أماكن للحوار والنقد و"الاحتجاج على بعض المشكلات"، مؤكدا أنه "لا يمكن السماح لأشخاص بضرب أمن المجتمع وهدوئه من خلال الشغب".
وأضاف الرئيس الإيراني أن العدو يستهدف "تلاحم الشعب الإيراني"، فيحاول وضع فئات بالمجتمع في مواجهة فئات أخرى.
احتجاجات واعتقالات
رغم ما بدا من تراجع لزخم الاحتجاجات في إيران، نظم طلبة جامعتين في شيراز وأصفهان وسط إيران، الأربعاء، تجمعين احتجاجيين على وفاة مهسا أميني، وفق مقاطع مصورة متداولة على مواقع تواصل.
ورفع الطلاب المشاركون في التجمعين، هتافات ضد السلطات وشعارات "امرأة حياة وحرية" و"رجل ووطن وإعمار"، مطالبين بالإفراج عن الطلبة المعتقلين.
والاعتقالات، في ظل عدم الإعلان عن حصيلتها، ما زالت مستمرة، وتعلن كل محافظة بشكل منفرد عن أرقام المعتقلين فيها. والأربعاء، أعلنت العدلية في محافظة لرستان غربي إيران عن اعتقال 120 شخصاً بالاحتجاجات الأخيرة في المحافظة، واصفة إياهم بأنهم "مثيرو الشغب"، وفق وكالة "إرنا" الرسمية.
إلى ذلك، أوردت وكالة "مهر" الإيرانية، مساء الأربعاء، أن السلطات الإيرانية اعتقلت الأربعاء، المذيع السابق في منظمة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية محمود شهرياري، في إطار شكاوى المدعي العام ضد بعض المشاهير بتهمة الحث على الاحتجاج و"التماشي مع العدو".
كذلك، ذكر موقع "رجا نيوز" الإيراني أن قرارا قضائيا باعتقال الممثل الإيراني حامد بهداد قد صدر.
كذلك، وردت أنباء غير رسمية عن اقتحام عناصر أمنية بيت الممثلة الإيرانية الشهيرة كتايون رياحي، التي قامت بخلع حجابها ونشر مقطع مصور عنها احتجاجا على وفاة مهسا أميني.
والسمة البارزة للاحتجاجات الأخيرة في إيران، والتي تعد الأكبر منذ عام 2019 بعد الاحتجاجات على رفع أسعار البنزين، هي انخراط العديد من الفنانين والرياضيين والممثلين فيها عبر دعم المحتجين والدعوة للتظاهر وانتقاد السلطات، فعبرت ممثلات عن احتجاجهن من خلال خلع حجاب كل منهن أو قص شعرهن.
وأثار موقف هؤلاء الفنانين حفيظة السلطات، وعرّضهم لهجمات واسعة على وسائل إعلام رسمية ومحافظة، مع اتهامهم بقيادة الاحتجاجات والضلوع في أعمال تخريب وعنف خلال الاحتجاجات، والعلاقة مع "معارضي الثورة في الخارج وأعداء البلاد"، فضلا عن الوعيد بملاحقتهم ومحاكمتهم بتهمة "إثارة الشغب".
وأوردت وكالة "تسنيم" المحافظة، الأربعاء، أن الكوميديان الإيراني، ومقدم برامج بالتلفزيون الإيراني، مهران مديري قد خرج من البلاد على الرغم من وجود قرار بمنعه من السفر من النيابة العامة، ولم تذكر الوكالة طريقة خروجه ووجهته. وكان مديري قد عبر عن احتجاجه في مقطع مصور قبل أيام، مقاطعا التلفزيون الإيراني، ومطالبا السلطات بوقف تعنيف المتظاهرين، والتلفزيون بعدم بث برنامج مجتمعي أعده في عدة حلقات. عرّض هذا الموقف مديري لهجوم إعلامي قاس من وسائل إعلام رسمية وشبه رسمية ومحافظة، مع اتهامه بـ"خيانة" التلفزيون بعد اشتهاره من خلال برنامجه، حسب هذه الوكالات.
الإعلام الرسمي ينفي صحّة رسالة متداولة
وتداولت حسابات على مواقع تواصل اجتماعي في إيران، الليلة الماضية، رسالة على نطاق واسع، نشرتها مجموعة "عدالة العلي" السيبرانية على قناتها بمنصة "تيليغرام".
وقالت المجموعة إنها عبر "أحد الأصدقاء بالسلطة القضائية" الإيرانية حصلت على "هذه الوثيقة" التي تشير حسب ما نشر إلى "تحقيقات أولية" لعدلية الثورة بطهران في الناحية الـ38، حول حادثة مهسا أميني، حتى 14 الشهر الجاري. وورد في الرسالة نقلا عن شهود عيان أن مهسا أميني خلال نقلها إلى سيارة الشرطة "قاومت، وبسبب العراك الحاصل اصطدم رأسها بحائل بجانب الطريق".
إلا أن وكالات أنباء إيرانية، قالت تعليقا على هذه الرسالة المنسوبة إلى السلطة القضائية الإيرانية، إنها "مزورة"، فذكرت وكالة "فارس" الإيرانية أن الرسالة ليس لها أي تاريخ ورقم، وأنها من دون ورقة مروسة خاصة بالسلطة القضائية.
كما قالت إن الرسالة "تحمل تناقضات"، مشيرة إلى أنه في مطلعها تتحدث عن وجود مهسا أميني في المستشفى في حالة "الموت السريري"، لكنها في نهاية الرسالة تذكرها "كمتوفاة". كما شكك مغردون أيضا في صحة الرسالة، من هذا المنطلق.
وكان المدير العام لمنظمة الطب العدلي في محافظة طهران مهدي فروزش قد نشر، الأربعاء الماضي، تقريرا أوليا عن وفاة مهسا أميني، في مقابلة تلفزيونية، قائلا إن نتائج معاينات الطب العدلي الأولية تظهر "عدم وجود آثار الضرب على رأس ووجه وأطراف العيون وانكسار في الجمجمة" على جسد الفتاة مهسا أميني، وأضاف أن تشريح جثمانها أيضا "أظهر عدم وجود نزيف داخلي في البطن أو تمزق في الأعضاء الداخلية"، قائلا إن مهسا أميني خضعت لعملية جراحية في الدماغ عام 2007.
لكن أمجد أميني، والد الفتاة الإيرانية، نفى في مقابلة صحافية صحة تقرير الطب العدلي، قائلا إن ابنته لم تكن تعاني من "أي أمراض سابقة"، فضلا عن نفيه إجراءها عملية جراحية في الدماغ، ومتحدثا عن مشاهدة كدمات على رجلها بعد وفاتها.
يشار إلى أن الشابة مهسا أميني كانت آتية من مدينة سقز بمحافظة كردستان، غربي إيران، إلى طهران برفقة أهلها لزيارة الأقارب والسياحة، قبل أن تعتقلها الشرطة في الثالث عشر من الشهر الجاري، وتقتادها إلى أحد مراكزها، لكنها بعد ساعتين نقلت إلى المستشفى بعدما دخلت في حالة غيبوبة، قبل أن تتوفى في السادس عشر من الشهر الجاري.
وأعلنت الشرطة الإيرانية أنّ الغيبوبة نتجت عن إصابة أميني بـ"نوبة قلبية مفاجئة" خلال "جلسة إرشاد"، ناشرة مقطعا مصورا يصور لحظة وقوف سيارة الشرطة أمام المقر ونزول الفتاة منها ودخولها المقر إلى أن سقطت أرضا داخل قاعة بحضور أناس آخرين وتم نقلها بعد ذلك إلى المستشفى، حسب رواية الشرطة.
وأطلقت حادثة وفاة مهسا أميني احتجاجات واسعة في إيران، ما زالت مستمرة على الرغم من تراجعها الكبير خلال الأيام الأخيرة. ويشكك المحتجون برواية الشرطة، متهمين إياها بضرب الشابة مهسا أميني وسط نفي مستمر من الشرطة الإيرانية. وخلفت الاحتجاجات، حسب التلفزيون الإيراني، حتى الآن 41 قتيلا ومئات المصابين، فضلا عن تقارير إيرانية عن اعتقال قرابة ألفي شخص.