أثارت الطريقة الاستعراضية التي قتل خلالها الأميركيون زعيم تنظيم "داعش" عبد الله قرداش (أبو إبراهيم القرشي)، وتوقيت تلك العملية، الكثير من الأسئلة حول جدية الإدارات الأميركية في القضاء على الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
تم الوصول إلى زعيم "داعش" في زمن قياسي رداً على الخرق الأمني الكبير الذي تعرضت له مناطق نفوذ الولايات المتحدة شرقي سورية، ووصول التنظيم إلى المربعات الأمنية لها وللقوى التي تدعمها.
ويشير ذلك إلى أنّ قرداش كان مرصوداً ومعروف المكان من قبل الولايات المتحدة، ومسكوتاً عنه. ويبدو أنّ التعامل معه كان مؤجلاً لتوقيت مناسب يحسب فيه مقتله إنجازاً لزعيم الولايات المتحدة.
وبالفعل، جاء استهداف زعيم "داعش" في ذروة الخوف العالمي من تعاظم خطر التنظيم، وتحديداً بعد عملية سجن الحسكة التي أثارت الرعب من عودته. فجاء الحل سريعاً من المنقذ جو بايدن الذي وصل بزمن قياسي إلى رأس التنظيم وقتله.
ويتشابه سيناريو المنقذ جو بايدن مع ما اتبعه الرؤساء الذين سبقوه. لجأ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وبتوقيت مناسب أيضاً، لقتل زعيم "داعش" السابق أبو بكر البغدادي. كما تكرر المشهد مع الرئيس الأسبق باراك أوباما عند قتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.
توقيت قرارات الرؤساء الأميركيين بتصفية زعماء التنظيمات المتشددة دائماً يأتي وسط تناقض لا يمكن فهمه إلا في سياق توظيف رؤساء الولايات المتحدة هذه لتنظيمات لخدمة أهدافهم السياسية، أكثر منه توظيفاً لإمكانيات بلدهم في محاربة الإرهاب بشكل جدي.
من غير المقبول منطقياً أن يكون زعيم "داعش" مرصوداً ومتاحاً بهذه السهولة والسرعة للولايات المتحدة، في الوقت الذي لم تتمكن فيه الأخيرة من رصد شاحنة مليئة بالمتفجرات وأخرى مليئة بالأسلحة وعشرات المقاتلين من التنظيم وهم يدخلون إلى مربعاتها الأمنية.
وهو تناقض تكرر مع الرؤساء السابقين الذين كانوا يقومون بعمليات استعراضية ضد التنظيمات في الوقت الذي كانت فيه تلك المجموعات تصول وتجول في المنطقة. ويحدث ذلك من دون تدخل من الدول التي تقودها واشنطن في محاربة الإرهاب.
وكان أبرز تلك التناقضات الاستعراض العسكري الكبير الذي قام به تنظيم "داعش" بمئات الآليات والعناصر، عام 2014، من الحدود العراقية إلى مدينة الرقة، من دون أن يتم استهدافه من تحالف يضم أكثر من خمسين دولة لمحاربته ولو بطلقة واحدة.
ولعلّ أبرز التناقضات حالياً هو تخصيص واشنطن جوائز قيمة لمن يرشد عن مكان وجود أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً)، في الوقت الذي يجول فيه الرجل في محافظة إدلب بشكل شبه علني، ويظهر بين الحين والآخر على وسائل الإعلام.