يُحيي فلسطينيو الداخل الذكرى 47 لـ"يوم الأرض"، مؤكدين تمسكهم بهويتهم وأرضهم التي تبقى محور نضال الفلسطينيين وجوهر الصراع مع الاحتلال. وتحل الذكرى هذا العام فيما تتغوّل السلطات الإسرائيلية في ممارسة سياسات مصادرة وهدم المنازل والتهجير، بزعم البناء غير المرخص أو عدم اعتراف بملكية الفلسطينيين على الأرض التي ورثوها وامتلكوها من قبل النكبة في عام 1948.
وأكثر من أي وقت مضى، يطبق مبدأ "أرض أكثر وعرب أقل" في الفكر الصهيوني بشكل علني، خصوصاً مع ما تشهده منطقة النقب والضفة الغربية المحتلة في الآونة الأخيرة.
ويبدو مشهد اليوم امتداداً لما حدث في عام 1976 عندما سقط ستة شهداء في 30 مارس/ آذار من ذلك العام في سخنين وعرابة ودير حنا وكفر كنا والطيبة، بعد مصادرة حكومة الاحتلال الإسرائيلي عشرات آلاف الدونمات من الأراضي العربية. وخرجت احتجاجات رافضة للقرار الإسرائيلي الهادف إلى تهويد الجليل، وإقامة مستوطنات جديدة، وتفريغه من العرب.
مهند مصطفى: يعمل اليمين الإسرائيلي على تهويد الجليل والنقب
ووفق شهود عيان من بلدات مثلث "يوم الأرض" سخنين وعرابة ودير حنا، فقد حوّل الجيش الإسرائيلي يومها الأحياء السكنية إلى ساحة حرب ضد شعب أعزل. وفي 29 مارس 1976، ليلة "يوم الأرض"، حاولت سلطات الاحتلال أن تصادر 29 دونماً من منطقة تسعة من أرض المَل، وهي أراض تابعة لسخنين وعرابة ودير حنا، وتمثل اليوم أراضي واسعة مليئة بأشجار الزيتون.
أما الشهداء يوم الأرض الستة فهم، خير ياسين (23 سنة) من عرابة البطوف، ورجا أبو ريا (23 سنة) من سخنين، وخضر خلايلة (27 سنة) من سخنين، وخديجة شواهنة (23 سنة) من سخنين، ومحسن طه (15 سنة) من كفركنا، ورأفت علي زهيري (19 سنة) من مخيم نور شمس.
تحديات "يوم الأرض"
وعن الدلالات السياسية لـ"يوم الأرض" في الذكرى الـ47 على فلسطينيي الداخل، فيقول الأستاذ في العلوم السياسية، مدير "مدى الكرمل" مهند مصطفى، إن "يوم الأرض يأتي هذا العام في ظل تحديات كبيرة يواجهها الفلسطينيون في إسرائيل، وفي مقدمتها خطط اليمين الإسرائيلي الحالي لتعزيز تهويد الجليل والنقب، إذ إن هذا اليمين يرى في تعميق الاستيطان في النقب والجليل بنفس مستوى الاستيطان في الضفة الغربية".
ويضيف في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن "اليمين يطلق على هذه العملية فرض السيادة من جديد على هذه المناطق، وهذا يتطلب بناء تجمعات يهودية جديدة خصوصاً في النقب، وتقليص حيز الفلسطينيين في هذه المناطق. ويضاف إلى ذلك تعزيز الاستيطان والتهويد في المدن الساحلية الفلسطينية التي تسمى المدن المختلطة مثل اللد والرملة وعكا، وذلك من خلال تشجيع المستوطنين المتطرفين على السكن في هذه المدن تحت مشروع البؤر التوراتية".
كما يلفت مصطفى إلى أن "يوم الأرض" يأتي أيضاً: "في ظل تحدي تنظيم المجتمع الفلسطيني في إسرائيل، فقد عبّر يوم الأرض عن أهمية وجود تنظيم جماعي ومشروع جماعي وقدرة على العمل السياسي الجماعي، والذي يغيب عن المشهد الحالي في ظل خطاب غير خجول يشدّد على الاندماج والتخلي عن مشروع وطني".
ويشير إلى أن "ظروف اليوم تتطلب إعادة إنتاج ثقافة يوم الأرض من الناحية السياسية والتنظيمية والفكرية، وهو تحد كبير في ظل الظروف الحالية من تشظي العمل السياسي والتنظيم الجماعي".
وعن صراع الفلسطينيين مع الحركة الصهيونية ومحوره الأرض ما قبل النكبة حتى يومنا هذا، يقول المؤرخ جوني منصور إن: "الصراع حول الأرض لم يتوقف. إن صراع الفلسطينيين مع إسرائيل والحركة الصهيونية عبر التاريخ متمحور حول الأرض في أساسه".
ويلفت في حديثٍ مع "العربي الجديد" إلى أن "الحركة الصهيونية عملت على مدى فترة طويلة من أجل السيطرة على أكبر مساحة من الأرض، للقيام بتنفيذ مشروعها الاستعماري في فلسطين، ألا وهو إقامة دولة يهودية".
ويوضح منصور أنه "تنفيذاً لهذه الفكرة، سعت الحركة الصهيونية إلى تأسيس الصندوق القومي لإسرائيل، الذي كان هدفه شراء الأراضي وتحويلها إلى مستوطنات سواء في مناطق الساحل أو مرج بني عامر أو سهل الحولة. كما أن لبريطانيا ضلعا كبيرا في مسألة تسريب الأراضي إلى الصندوق القومي بطرق مختلفة لتنفيذ تصريح (وعد وزير الخارجية البريطاني آرثر) بلفور"، بإقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 1917.
ويضيف منصور: "وقعت النكبة الكبرى في عام 1948 حين نفذت العصابات العسكرية الصهيونية أكبر عملية تطهير عرقي عرفتها المنطقة، وتم تشريد قرابة 800 ألف فلسطيني، والاستيلاء على أراضيهم من خلال استخدام إسرائيل لمجموعة من القوانين التي تساعدها على تحقيق ذلك. وهكذا ضمت دولة إسرائيل مساحات شاسعة من الأراضي التي كانت تابعة للدولة، سواء الانتداب (البريطاني) أو الدولة العثمانية، باعتبار ذاتها وريثة لها، وأيضاً من الأراضي الخاصة، أي بملكية الفلسطينيين الذين تم طردهم من وطنهم".
جوني منصور: صراع الفلسطينيين مع إسرائيل والحركة الصهيونية متمحور حول الأرض
ويشير منصور إلى أن "حكومة إسرائيل لم تكتفِ بذلك، بل استمرت في مصادرة أراضي الفلسطينيين الباقين في وطنهم، بذرائع التطوير والمنفعة العامة. ولكن، كان من الواضح أن هذه الحكومات تسعى إلى التضييق على الوجود الفلسطيني الباقي في وطنه. وتبنت أدوات القمع مثل فرض الحكم العسكري، والاعتقالات والتضييقات، وإهمال كل ما له علاقة بتطوير وتحسين ظروف حياة الفلسطينيين في إسرائيل، باعتبار كونهم مواطنين في إسرائيل وفقاً لتعريفاتها. وهذا يعني تحقيق المزيد من الاستيلاء على الأراضي وتضييق الخناق على حياة الفلسطينيين، وتحويل قراهم وبلداتهم إلى ما يشبه مخيمات لاجئين ذات كثافة سكانية هائلة، وبالتالي خلق واقع من مشاهد العنف والجريمة". ويشدّد منصور على أن "يوم الأرض يبقى رمزاً لتمسك الفلسطينيين في الوطن وخارجه بحقهم في الأرض، والعيش عليها ومن أجلها".
رمزية "يوم الأرض"
وعن رمزية "يوم الأرض" ومعانيه ودوره في تعزيز الهوية لدى فلسطينيي الداخل، يقول الأستاذ المتقاعد في علم الاجتماع من جامعة بيرزيت من سخنين، محمود ميعاري إن "يوم الأرض يمثل تنامي تعزيز الهوية الفلسطينية بين العرب الفلسطينيين داخل إسرائيل".
ويلفت في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أنه "خلال هذا اليوم (العام 1976) شارك مئات الفلسطينيين العرب في الجليل في تظاهرات واحتجاجات ضد الحكم العسكري وضد قرار مصادرة الأرضي في الجليل". ويشدّد على أن في "ذكرى يوم الأرض يبرز موضوع مهم لدينا هو موضوع الهوية وموضوع الانتماء".
ويضيف: "في ضوء تراجع الهوية الفلسطينية في العقد الأخير، أعتقد بضرورة العمل على تعزيز الهوية العربية الفلسطينية بين الفلسطينيين داخل إسرائيل، من خلال تعزيز الرواية التاريخية والذاكرة الجماعية بمحطات مهمة في تاريخ الفلسطيني مثل النكبة ويوم الأرض ومحطات أخرى". ويوضح ميعاري أن "يوم الأرض هو علامة مؤثرة لتعزيز الهوية الفلسطينية في ضوء تراجعها في العقد الأخير في الداخل الفلسطيني".
ويشير إلى وجود "عدد من استطلاعات الرأي أثبتت أن الهوية الفلسطينية في العقد الأخير بدأت تتراجع وبدأت تتنامى موجة جديدة من الأسرلة". ويتابع: "بناء على ذلك هناك ضرورة للعمل على تعزيز الهوية والذاكرة الجماعية والرواية الفلسطينية. القيادات العربية في الداخل منقسمة، ولكن هذا موضوع مهم ويجب أن يحظى باهتمام أكثر من قبل القيادات العربية بالداخل وبعض منظمات المجتمع المدني أيضاً".