الجمعة، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن سفير بلاده في نيامي "يحتجزه" العسكريون الممسكون بالسلطة، وأنه لا يتناول سوى "حصص غذائية عسكرية".
وترفض باريس الاعتراف بالسلطات النيجرية الجديدة، كما ترفض مغادرة سفيرها سيلفان إيتيه، تلبية لطلب الانقلابيين الذين أطاحوا بالرئيس محمد بازوم المحتجز في قصره.
ولدى سؤاله عن احتمال عودة السفير إلى باريس، قال ماكرون: "سأفعل ما سنتفق عليه مع الرئيس بازوم، لأنه هو صاحب السلطة الشرعية"، موضحاً أنه يتحدث "كل يوم" إلى الرئيس النيجري المنتخب ديمقراطياً في 2021 والذي تجمعه بماكرون علاقة شخصية وثيقة، بحسب مصادر عدة قريبة من الرئاسة.
وقال بكاري سامبي، مدير معهد تمبكتو في دكار، إن "العناد غير الواقعي لماكرون مع خطاب يعزز الانطباع باتباع سياسة الوصاية أصابا الدبلوماسية الفرنسية بالضياع في هذا الملف".
وأضاف أن "الخوف من رؤية الوضع في النيجر ينسحب على المنطقة برمتها أرخى بثقله على العناد الفرنسي. المؤسف أن فرنسا تجد نفسها داخل حلقة مفرغة".
بعد عشرة أعوام من عمليات مكافحة المتشددين، دفع العسكريون والدبلوماسيون الفرنسيون إلى خارج مالي، ثم إلى خارج بوركينا فاسو العام الفائت. ومذاك، استعان المجلس العسكري في باماكو بخدمات مجموعة فاغنر الروسية. ولم يبق لباريس سوى حليف واحد في المنطقة هو نيامي.
"مصيدة الساحل"
وفي رأي أنطوان غلاسر الذي شارك في تأليف كتاب "فخ ماكرون الأفريقي"، فإن "أسلوب التعبير لدى ماكرون والذي بات يفتقر أكثر فأكثر إلى الدبلوماسية يكشف انزعاجاً شديداً. نلاحظ فعلاً أنه بات في الزاوية وأن فرنسا وقعت الآن في مصيدة الساحل".
وسبق أن توعدت الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بالتدخل عسكرياً في النيجر لإعادة الانتظام الدستوري. وفي هذا السياق قال غلاسر "مع كل يوم يمر، يتضاءل إمكان تدخل "إيكواس"، حتى لو كان ذلك لا يعني أنها لن تقوم" بهذه الخطوة.
وبرأيه فإن تصريحات ماكرون تهدف "على الأرجح" إلى إحياء دعم إيكواس، وكذلك الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
لكن حلفاء فرنسا الغربيين لم يصل بهم الأمر إلى إظهار هذا الحزم حيال نيامي، واكتفوا بالدعوة إلى حل دبلوماسي للأزمة، فيما استأنفت واشنطن طلعاتها الاستطلاعية فوق النيجر.
وعلى العكس "لم تسجل أي طلعة جوية فرنسية" منذ انقلاب 26 يوليو/ تموز، وفق المتحدث باسم هيئة الأركان الفرنسية.
أما الجنود الفرنسيون الـ1500 الذين ينتشرون في النيجر دعماً للقوات المحلية في مواجهة المتشددين، فلم يحركوا أياً من مسيراتهم أو مروحياتهم أو مقاتلاتهم.
وقالت هيئة الأركان الفرنسية إن عملية إمداد القواعد الفرنسية تجري "في ظروف معقدة إلى حد ما"، مع تأكيدها أن "جنودنا مستعدون للتعويل على أنفسهم في هذه المعسكرات".
لكن مايكل شوركين مدير البرامج لدى مؤسسة "14 نورث استراتيجيز" الأميركية المتخصصة بالشؤون الأفريقية أكد أن "القوات الفرنسية لا تستطيع الصمود إلى ما لا نهاية"، لافتاً إلى إن "فرنسا تخوض سباقاً مع الوقت".
وفي مؤشر على تصاعد التوتر، أمرت بوركينا فاسو الجمعة بمغادرة الملحق العسكري الفرنسي الذي لا يزال موجوداً في واغادوغو، متهمة إياه بممارسة أنشطة "تخريبية".
وفي نهاية الأسبوع، اضطرت باريس إلى احتواء جدل نشأ من تدبير إداري يطلب وقف أي تعاون ثقافي مع النيجر وبوركينا ومالي، حيث خدماتها القنصلية مغلقة. وأكدت الحكومة الفرنسية الجمعة أن البلاد ستواصل استقبال فنانين من منطقة الساحل.
وتأتي هذه المواجهة الدبلوماسية على وقع استمرار التدهور الأمني في المنطقة. فمنذ 26 يوليو/ تموز، أسفرت هجمات عدة لمتشددين في النيجر عن سقوط أكثر من مئة قتيل نصفهم مدنيون.
(فرانس برس)