بالطريقة ذاتها التي تتّبعها الأنظمة الشمولية في تنويم الشعوب وإلهائها عن حقوقها الأساسية، من خلال تبني شعارات كبيرة ورنانة، غير قابلة للتحقق، تسير كل سلطات الأمر الواقع في سورية على طريق الحل السياسي للقضية السورية، من دون أن تحقق خطوة واحدة في هذا المسار الذي من شأنه، إذا تحقق بالطريقة التي رسمها له قرار مجلس الأمن 2254، أن يؤسس لدولة ديمقراطية تقوم على المساواة بين جميع مواطنيها تحت سقف دستور موحد يضمن حقوق الجميع.
ولكن على الرغم من عدم توفر إرادة دولية للسير بمسار حل سياسي حقيقي، واكتفاء الدول المتدخلة بالقضية السورية بإطلاق التصريحات الداعية لتفعيل العملية السياسية وإلى تطبيق القرار الأممي الخاص بالحل السياسي، من دون القيام بأي خطوة جدية بهذا الاتجاه، إلا أن الأطراف السورية التي تتصدر المشهد كممثلة للسوريين في مناطق النفوذ المختلفة تحاول تخدير من تدعي تمثيلهم بخطاب مماثل لخطاب تلك الدول، ورمي تهم التعطيل على الأطراف الأخرى، الأمر الذي يُظهر أن كل طرف من هذه الأطراف يدرك أنه سلطة طارئة ستزول بمجرد التطبيق الفعلي لحل سياسي حقيقي.
نظام بشار الأسد، الذي ينادي إعلامياً بتطبيق القرارات الدولية والحفاظ على وحدة الأراضي السورية، لا يزال يعمل على تمييع قرار مجلس الأمن وتعطيله، ولم يسمح حتى الآن بإحراز أي تقدّم فيه، مكتفياً بتنفيذ شكلي لبعض مطالب الدول المستعدة للتطبيع معه، مع إبقاء الوضع في سورية على ما هو عليه.
أما المعارضة السورية المستفيدة أيضاً من الجمود الحاصل، فهي تكتفي بتقديم التنازلات للدول التي تحتضنها شرط الاحتفاظ بموقعها جهةً تمثيليةً شكليةً لجزء من السوريين، فجزء منها (هيئة التفاوض والائتلاف الوطني السوري) لا يزال يتبنى أهداف الثورة السورية إعلامياً، من دون القيام بأي دور من شأنه تحقيق تلك الأهداف، حتى على مستوى دعم الحراك في السويداء أو استغلاله لصالح الثورة السورية. أما الحكومة المؤقتة فتعمل على الحفاظ على وجودها الشكلي في مناطق تسودها الفوضى من دون تقديم أي شيء يصب في مصلحة جمهور الثورة والمعارضة.
أما "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) فكلاهما غير منخرط أساساً بالعملية السياسية، وجل ما يسعيان إليه هو الحفاظ على الوضع الراهن لضمان استمرارهما بعيداً عن أي حل سياسي. "هيئة تحرير الشام" أقامت حكومة خاصة بها تسعى من خلالها للحفاظ على كيان منفصل في شمال غرب سورية، فيما أنشأت "قسد" و"الإدارة الذاتية" كياناً آخر في شمال شرق سورية، عززت انفصاله بعقد اجتماعي وضعته بديلاً لأي حل سياسي بهدف تمكين نفسها كسلطة أمر واقع في مناطق نفوذها.
كل ذلك من شأنه إعطاء ذريعة قوية للمجتمع الدولي لتجميد الحل السياسي في سورية، وإبقائه مؤجلاً، ما لم يتوسع الحراك الشعبي في الداخل السوري وينتج قيادات قادرة على قراءة مصالح السوريين وتصديرها للمجتمع الدولي.