"الحلم الجورجي" بمواجهة المعارضة الموالية للغرب بالانتخابات التشريعية

26 أكتوبر 2024
أنصار المعارضة خلال تجمع بتبليسي، 20 أكتوبر 2024 (رويترز)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الانتخابات التشريعية في جورجيا تشهد تنافسًا بين حزب "الحلم الجورجي" الحاكم وأربعة ائتلافات معارضة تسعى لتقريب البلاد من الاتحاد الأوروبي، وسط انقسام مجتمعي بين مؤيدي التكامل الأوروبي وأنصار الحزب الموالي لروسيا.

- حزب "الحلم الجورجي" يستثمر القضايا الإقليمية لتعزيز سلطته، مثل الحرب في أوسيتيا الجنوبية والقضية الأوكرانية، بينما تحاول المعارضة استعادة زخم "ثورة الورود" عبر احتجاجات تدعو للتكامل الأوروبي.

- تواجه جورجيا تحديات سياسية واقتصادية، منها محاولات عزل الرئيسة والتوترات مع الغرب، وتسعى لتعزيز علاقاتها مع تركيا وروسيا وتطوير مشاريع استراتيجية بالتعاون مع الصين.

يتوجه الناخبون في جورجيا، اليوم السبت، إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات التشريعية، التي قد تكون مصيرية لبلد محوري في منطقة جنوب القوقاز يعيش حالة من الانقسام بين أنصار التكامل مع أوروبا وآخرين من أنصار حزب "الحلم الجورجي" الموالين لروسيا التي لم يتم تطبيع العلاقات معها على نحو كامل منذ "حرب الأيام الخمسة" في إقليم أوسيتيا الجنوبية الانفصالي المدعوم من موسكو في العام 2008. ويعتزم حزب "الحلم الجورجي" الحاكم استثمار الانتخابات لتعزيز سلطته، بينما تراهن المعارضة على إثارة الأمزجة المجتمعية، وربما إسقاط السلطة عن طريق احتجاجات على غرار تجربة "ثورة الورود" بزعامة الرئيس الأسبق الموالي للغرب، ميخائيل ساكاشفيلي، في العام 2003.


"الحلم الجورجي" بمواجهة المعارضة

نظمت المعارضة تظاهرة بميدان الحرية تحت شعار "جورجيا تختار الاتحاد الأوروبي"

ويواجه حزب "الحلم الجورجي" الحاكم أربعة ائتلافات معارضة، هي "الوحدة" التابع لساكاشفيلي، و"جورجيا القوية"، و"الائتلاف من أجل التغيير" و"من أجل جورجيا"، والتي اتفقت على أول أعمالها في حال انتصارها، عبر إعطاء الأولوية لتشكيل حكومة ائتلافية تتولى الإصلاحات كما تطالب بروكسل بها، بغية تقريب جورجيا من عضوية الاتحاد الأوروبي، واعدة بإجراء انتخابات برلمانية جديدة في العام 2025.

وينقسم المجتمع الجورجي، شأنه في ذلك شأن غيره من مجتمعات الجمهوريات السوفييتية السابقة، إلى معسكرين، أحدهما موالٍ للغرب من أنصار ساكاشفيلي، والثاني هو الأغلبية المحافظة غير المستعدة لإفساد العلاقات مع روسيا بشكل نهائي من أجل آفاق غامضة للتكامل الأوروبي.
ويبدو الانقسام المجتمعي جلياً خلال حملة الانتخابات إلى حد أن "الحلم الجورجي" حتى لم يسع لمغازلة الناخبين المعارضين والمتأرجحين، بل اختار الرهان على الشق المحافظ من السكان. وعلى الرغم من احتجاج الغرب وتهديده بالعقوبات إلا أنه تم تبني قانون "العملاء للخارج" المستنسخ من مثيله الروسي، وحظر الترويج للمثلية الجنسية، ما أدى إلى تعليق مفاوضات عضوية جورجيا في الاتحاد الأوروبي.

استثمار السلطة للقضية الأوكرانية

ووصل الأمر إلى حد تقديم مؤسس "الحلم الجورجي" بيدزينا إيفانيشفيلي، وعداً، في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، بأن تبليسي ستعتذر في حال فوز الحزب بالانتخابات البرلمانية عن الحرب في إقليم أوسيتيا الجنوبية، وبمحاكمة المتسببين فيها. كما تستثمر السلطة في حملتها الانتخابية القضية الأوكرانية بنشاط، عن طريق وضع المجتمع أمام خيارين، إما الحرب والدمار كما هو الحال في أوكرانيا، وإما الازدهار، كما تزعم. وبذلك تحشد السلطة ناخبيها من الأغلبية السلبية بمواجهة الأقلية النشطة للغاية من أنصار المعارضة.

ومن اللافت أن الانتخابات التشريعية في جورجيا تجرى بعد أقل من أسبوع على الانتخابات الرئاسية في مولدوفا، والتي كشفت هي الأخرى عن حالة من الانقسام العميق في مجتمعات الجمهوريات السوفييتية السابقة، إذ لم تتمكن الرئيسة مايا ساندو من الفوز من الجولة الأولى، بينما تم إقرار إدراج التكامل الأوروبي في دستور البلاد بأغلبية طفيفة من الأصوات، وبفارق لم يتخط بضعة أعشار من 1% مقارنة مع من صوتوا بـ"لا".

وفي وقت اتسمت فيه حملة الانتخابات الرئاسية في مولدوفا بتضييق الخناق على المعارضة الموالية لروسيا، وحشد أنصار الناخبين الموالين للغرب، لم تغب آخر التطورات في مولدوفا عن المشهد السياسي الداخلي في جورجيا، إذ اعتبر رئيس الوزراء إراكلي كوباخيدزه أن كيشيناو "لم تجتز أي اختبار في الديمقراطية"، لكنها على عكس تبليسي تكاد لا تواجه انتقادات غربية.

في المقابل، استعرضت المعارضة الجورجية عضلاتها يوم الأحد الماضي بتنظيم تظاهرة حاشدة بميدان الحرية وسط تبليسي تحت شعار "جورجيا تختار الاتحاد الأوروبي". وخلال المسيرة صوب الميدان، حمل المتظاهرون أعلام جورجيا والاتحاد الأوروبي، فيما هتف أنصار التكامل الأوروبي بهتافات مرحبة بهم من شرفات منازلهم. وميدان الحرية له دلالة رمزية في السياسة الجورجية، حيث انطلقت منه "ثورة الورود" في نوفمبر/تشرين الثاني 2003 التي أطاحت بحكم إدوارد شيفاردنادزه الرئيس الجورجي آنذاك، وآخر وزير خارجية في الاتحاد السوفييتي، وأسفرت عن صعود ساكاشفيلي إلى سدة الحكم.

محاولة تكرار سيناريو 2003

نيكيتا ميندكوفيتش: فوز "الحلم الجورجي" قد يؤدي إلى استعادة العلاقات بين موسكو وتبليسي

وفي موسكو، لا يستبعد رئيس النادي الأوراسي للتحليل، نيكيتا ميندكوفيتش، احتمال إقدام المعارضة الجورجية على محاولة تكرار سيناريو عام 2003، معتبراً، في الوقت ذاته، أن فوز "الحلم الجورجي" قد يؤدي إلى استعادة العلاقات بين موسكو وتبليسي إلى مستوى ما قبل عام 2008. ويقول ميندكوفيتش، لـ"العربي الجديد": "يبدو الحلم الجورجي أقرب للفوز بالانتخابات التشريعية، لكنه يطمح في الحصول على الأغلبية الكاسحة بالتشكيلة الجديدة للبرلمان للانفراد بالحكم. في المقابل، قد تواجه المعارضة ذلك بمحاولة تنظيم احتجاجات وتكرار سيناريو عام 2003". ويجزم بأن فوز "الحلم الجورجي" سيصب في مصلحة موسكو، مضيفاً: "صحيح أن موسكو وتبليسي لم تستعيدا العلاقات الدبلوماسية تحت حكم الحلم الجورجي لكن روسيا تشاطره نهج التعايش السلمي وحسن الجوار، وقد تم استئناف حركة الطيران بين البلدين، لتصبح جورجيا واحدة من محطات الترانزيت عند سفر الروس إلى أوروبا لا سيما للقاطنين في جنوب روسيا".

وعشية الانتخابات، حاول "الحلم الجورجي" عزل الرئيسة سالومي زورابيشفيلي، رغم أن الرئيس لا يؤدي دوراً مهماً في جورجيا نتيجة لانتقال البلاد إلى نظام الحكم البرلماني. إلا أن المواجهة المفتوحة بين الرئيسة والحكومة والبرلمان، كما هو عليه الحال حالياً، يزيد من زعزعة استقرار المجتمع مع استمرار مخاطر وقوع انقلاب. وعشية الانتخابات، أعربت زورابيشفيلي عن مخاوفها من إتمام إجراءات عزلها وحتى اعتقالها في حال فوز "الحلم الجورجي" بالانتخابات.

لكن على صعيد السياسة الخارجية والعلاقات الاقتصادية، تسعى السلطات الجورجية الحالية للتعامل مع الوضع ببراغماتية والمناورة مع مختلف الأطراف الدولية. ورغم أنها تشهر حرصها على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أنها تسهم في زيادة نفوذ أقرب جارتيها، تركيا وروسيا، اللتين تؤديان الدور الرئيسي في التجارة الخارجية والاستثمارات وحركة السياحة. وعلى الرغم من استياء واشنطن، إلا أن تبليسي تطور العلاقات مع بكين أيضاً، إذ فازت شركة " China Communication Construction LTD" بمناقصة بناء ميناء أناكليا الذي من المنتظر أن يصبح جزءا من ممر النقل الحيوي "الشمال – الجنوب".

المساهمون