الجيش السوداني... دسّ المحافير

13 سبتمبر 2022
قوّى النظام السابق مليشيات موازية كالدعم السريع (ياسويوشي شيبا/فرانس برس)
+ الخط -

لم يكن الجيش السوداني بمنأى عن نهج التخريب واختطاف المؤسسات الذي مارسه نظام الرئيس المعزول عمر البشير خلال ثلاثة عقود من حكمه. ومثالاً ليس حصراً، فقد اخترق النظام السابق الجيش وسيّسه لصالح حزب المؤتمر الوطني، الحزب الحاكم، وفصل الآلاف من ضبّاطه لصالح تمكين أهل الولاء على حساب أهل الكفاءة.

كذلك سعى النظام نفسه لبناء جيوش موازية، حصلت على ميزات تفوق في بعض الأحيان ميزات الجيش النظامي. ففي تسعينيات القرن الماضي، كوّن قوات الدفاع الشعبي من المدنيين الموالين للنظام، ونسب إليها الفضل في كثير من الانتصارات ضد المتمردين في جنوب شرقي البلاد. كما أنه قوّى من قدرات جهاز الأمن والمخابرات، بما فيها القدرات القتالية، فتحول إلى إمبراطورية أمنية وسياسية واقتصادية، وكل ذلك اقتطاعاً من قدرات الجيش.

بمرور السنوات، وإمعاناً في تفكيك الجيش وتجريده مما بقي عنده من أسنان ومخالب وصورة ذهنية لا بأس بها عند السودانيين، شرع نظام البشير في تكوين المليشيات القبلية. ووصل الهوان قمّته بالشرعنة القانونية لتلك المليشيات، كما حدث مع قوات الدعم السريع. فقد جعلها النظام السابق قوات موازية أو شبه موازية للجيش، وبهيكل يُحاكي هياكل كل الجيوش المنظمة، وملّكها كثيراً من القدرات والسلطات، بما في ذلك حق التفاوض مع الخارج لتطوير قدرتها القتالية والتسليحية وخلافه.

وفي سنواته الأخيرة، صارت تلك المليشيات جزءاً من صناعة القرار السياسي في البلاد، كما تمدد قائدها محمد حمدان دقلو أفقياً ورأسياً، وحصل في غفلة من الزمن على أعلى رتبة عسكرية. وفي نهاية المطاف، بات الرجل الثاني في الدولة، إن لم نبالغ وقلنا الأول فيها.
غير ذلك، ظهرت جيوش أخرى خاصة بالحركات المتمردة والتي دخلت في الآونة الأخيرة في اتفاق سلام مع الحكومة، أبقي ولو وقتياً على جيوشها.

مع كل تلك المعطيات وذهاب نظام البشير، من الطبيعي علو الأصوات بأهمية وضرورة إصلاح المؤسسة العسكرية، ومنها الجيش، لإعادته إلى مكانه الطبيعي ولهيبته وفردوسه المفقود. ويأتي ذلك من خلال دمج كل الجيوش داخله، وبناء عقيدة عسكرية واحدة، وتطهيره من العناصر المسيّسة والمؤدلجة، وحصر مهامه في حماية الحدود والدستور بعيداً عن الصراع السياسي الذي أخذ الكثير من صورة الجيش وحيدته المفترضة.

من غير الطبيعي أن تقف قيادة الجيش ضد تلك الرؤى، وسعيها الدؤوب لتخوين أصوات الإصلاح الأمني والعسكري كما حدث في الأيام الماضية لمجرد حديث في ندوة سياسية صدح بتحليل واقع المؤسسة العسكرية ونادى بالجدية في إصلاحها قبل فوات الأوان. وبهذا الموقف، تنطبق على قادة الجيش حكمة مثل سوداني شهير يقول "جو يساعدو في دفن أبوه قام دس المحافير (أدوات الحفر)". فكل سوداني يهمه دفن ماضي تدمير جيش بلاده وتهيئته للمستقبل، لكن القادة، ومع سبق الإصرار والترصد، يخفون معاول الإصلاح، رغم أن أي إصلاح للجيش يكون المستفيد الوحيد منه هو الجيش لا غيره.

المساهمون