الجزراوي أو التونسي لخلافة البغدادي... واحتمال عودة "القاعدة"

29 أكتوبر 2019
تركة ثقيلة من القتل والدمار خلّفها "داعش"(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
في وقت تتعدد فيه القراءات والتوقعات لمصير تنظيم "داعش" بعد مقتل زعيمه أبو بكر البغدادي، وتأثيرات ذلك على العراق وسورية تحديداً، فإن بغداد تنتظر خلال الأيام القليلة المقبلة معلومات من واشنطن "غاية في الأهمية حصلت عليها القوات الأميركية التي نفذت عملية قتل البغدادي"، وفقاً لمسؤول عراقي رفيع في بغداد تحدث لـ"العربي الجديد"، موضحاً أن المعلومات هي عن أسماء وتفاصيل شخصيات متعاونة مع التنظيم وشبكات تمويل، إضافة إلى أرقام هواتف وصور ووثائق أخرى، لافتاً إلى أن "العراق يأمل من خلال تلك المعلومات تفكيك الصفحة الأكثر قتامة داخل هيكل التنظيم". في غضون ذلك، يطرح مراقبون ومختصون بشؤون الجماعات الإرهابية في العراق، سيناريوهات كثيرة لواقع بلاد الرافدين بعد مقتل البغدادي، آخر قيادات الصف الأول في التنظيمات الإرهابية التي ولدت أو تشكلت في العراق بعد عام 2003. وتتراوح السيناريوهات بين تفتت التنظيم وولادة جماعات أخرى، أو عودة تنظيم "القاعدة" الذي ساهم البغدادي في سحقه بالعراق عبر إجبار عناصره على مبايعته أو تكفيرهم، فيما تتحدث سيناريوهات عن إمكان انقسام "داعش" وأن يدعي كل طرف أنه الأصل في التنظيم. كما تُطرح تساؤلات عن مدى إمكانية استفادة تنظيم أبو محمد الجولاني في سورية (جبهة النصرة) من الحدث، على اعتبار أن البغدادي كان عقدة الخلاف الأولى بين التنظيمين، عدا عن تأثيرات ذلك على الداخل العراقي، وعلى وجه التحديد في مدن شمال وغرب العراق التي دخلها التنظيم عامرة وخرج منها وهي خراب تلفها رائحة الموت والدخان.

وباستثناء الجدل الحالي حول من سيكون خليفة التنظيم، وأبرز الأسماء المرشحة بين تونسي وسعودي وآخر عراقي ورابع مصري، فإن أدبيات التنظيمات الأصولية تقضي عدم جواز أن تبيت الجماعة سبعة أيام بلا أمير، في حال قتل أو وفاة أو عزل الأمير السابق، وهو ما قد يضاعف فرص الاختلاف الداخلي، مع حديث مسؤولين عراقيين عن انعدام أو ضعف التواصل بين خلايا "داعش" وقياداته المتبقية والتي تناثرت في مناطق عدة من العراق وسورية، وقد يكون قسم منها نجح في التسلل إلى الخارج. 

وحتى الآن لا يظهر بشكل مؤكد من سيكون خليفة البغدادي، إلا أن غالبية التوقعات تتجه إلى أنه تونسي أو جزراوي (الجزيرة العربية حسب تسمية التنظيمات الجهادية ويقصدون بها السعودية)، كما يجري طرح أسماء أخرى غيرها بينها عراقية ومصرية. وقال الخبير الأمني المقرب من أجهزة الاستخبارات العراقية، فاضل أبو رغيف، لـ"العربي الجديد"، إن "زعيم تنظيم داعش الجديد، لن يكون عراقياً"، مضيفاً: الأقرب لزعامة التنظيم هم أبو عبد الله الجزراوي وأبو محمد التونسي. وتوقّع أبو رغيف أن "يمرض تنظيم داعش بعد مقتل البغدادي لمدة ستة أشهر، كما ستكون هناك خلافات عميقة داخل التنظيم، لكنه لن ينتهي بمقتل البغدادي، فهو لا يعتمد على الأشخاص، بل على المجموعة، باعتبار أن حكمه شورى، ولهذا فإن التنظيم يمرض ولا يموت".

غير أن آخرين يتحدثون عن أسماء أخرى بينها عراقية وسورية، منها إياد العبيدي، وعياد الجميلي، وحامد سبع السامرائي، وعبد الله قرداش، وسامي العجوز (سوري)، والمصري أيوب المهاجر، وكلهم ضمن مجلس الشورى الذي يتألف من قيادات عدة في التنظيم، إلا أن بعضهم غير محسوم وجوده أو استمراره في دائرة الفعالية المؤثرة داخل داعش" حتى الآن، بسبب انقطاع أخباره وتوقف هؤلاء عن إصدار منشورات أو وعظ وخطَب كما في السابق، وهو ما قد يتضح جلياً مطلع الشهر المقبل، موعد صدور الإصدار الرقمي من مجلة الخلافة المتحدثة باسم التنظيم والتي تصدرها وكالة "أعماق" التابعة له.
على مستوى التنظيم أيضاً، فإن نهاية البغدادي سيكون لها أثر كبير على مستوى خلاياه المبعثرة في العراق وسورية، وحتى في ليبيا واليمن ودول أفريقية دشّن "داعش" فروعه فيها أخيراً، وكان البغدادي هو من يمسك بخيوط التواصل الرئيسة معها. إضافة إلى رمزية البغدادي وإصراره على عدم إبراز قائد منافس أو قريب له طيلة السنوات الماضية، ما يجعل من أي خليفة آخر له غير محسوم الولاء، وهو ما قد يأتي بنتائج جديدة لجهة عودة "القاعدة" مجدداً إلى الواجهة، خصوصاً مع وجود مؤيدين لأيمن الظواهري من الأساس في تنظيم "داعش" منذ سنوات وكانوا على خلاف شرعي مع البغدادي والذي عُرف منذ العام 2015 بأنه الخلاف المؤجل على استعداء أهل التوحيد والسبق في الجهاد، في إشارة إلى الخلاف بين الظواهري و"النصرة" من جهة، والبغدادي من جهة أخرى.

وقال الباحث في شؤون الجماعات المسلحة حسن الدليمي، لـ"العربي الجديد"، إن عودة "القاعدة" أو إعادة لملمتها ممكنة، لكن بالعودة إلى بيئة "القاعدة" السابقة فأهل شمال وغرب العراق وبغداد وأي منطقة في العراق لم تعد لديهم قابلية لسماع أو تذكّر حقب التنظيمات الجهادية، وقد تواجه أي دعوات من قبيل طروحات "القاعدة" وغيرها رفضاً غير مسبوق في هذه المناطق. وأضاف: "يبقى الأهم قيام الحكومة بتعزيز المصالحة ووقف الاستهداف والتهميش، والتعامل مع العراقيين على أساس المواطنة والقانون لا على أساس الطائفة، لأن ذلك يعتبر مدخلاً لأي جهة متطرفة تريد العودة إلى العراق مجدداً بفعالية".

ولفت الدليمي إلى أن "مقتل البغدادي سيكون له أثر إيجابي في الوقت الحالي وسريع على المدن المحررة، كما أنه سيسحب البساط من تحت الفصائل المسلحة التي دأبت على تكرار أن تواجدها في مدن شمال وغرب العراق هو للبحث عن زعيم داعش ومنعه من إعادة تجميع عناصر صفوفه".

لكن الفاتورة الأكبر من حقبة البغدادي وتنظيمه دفعها السكان من أهالي المناطق التي زعم البغدادي أنه جاء للدفاع عنهم في العراق، إذ تشير التقارير إلى مقتل وإصابة ما لا يقل عن ربع مليون عراقي من سكان الأنبار ونينوى وبغداد وديالى وبابل وصلاح الدين وكركوك ومناطق أخرى من البلاد، عدا عن فقدان أثر الآلاف وتهجير أكثر من 6 ملايين عراقي وتدمير قرابة 50 مدينة وبلدة عراقية مهمة، أبرزها الموصل والفلوجة وتكريت والرمادي، كما انتهت الصورة بتغوّل واسع للمليشيات المرتبطة بإيران على تلك المناطق التي مارست فيها عمليات تغيير ديمغرافية بدوافع طائفية.

وقال محمد عوض، الذي فَقَد عائلته في الموصل والمؤلفة من زوجته وأمه وجميع أطفاله الستة، لـ"العربي الجديد"، إن "البغدادي كان ريح الموت والخراب للمدينة"، مضيفاً "تحت غطاء الإرهاب وداعش نُفذ كثير من المشاريع في العراق وسورية وأجهز على أحلام وأرواح، واستُخدم كشماعة لإيران والأسد وللمالكي ولأطراف أخرى"، وختم بالقول "نأمل بمحكمة السماء فلا عدالة لأهلنا الذين قتلوا إلا من خلالها".
المساهمون