الجزائر: مسودة قانون تمنع مساءلة الحكومة بشأن قضايا الدفاع والخارجية باعتبارها "أسرار دولة"

28 سبتمبر 2022
تعتبر مسودة القانون الجديد قضايا الدفاع والخارجية "أسرار دولة" ذات طابع حساس (الأناضول)
+ الخط -

يتوقع أن تثير مسودة قانون قدمته الحكومة الجزائرية إلى البرلمان، يمنع نواب البرلمان من استجواب الحكومة حول قضايا الدفاع والخارجية، جدلا سياسيا عندما بدء مناقشته.

وتضمنت مسودة قانون أحالته الحكومة إلى البرلمان حول تنظيم عمل البرلمان بغرفتيه، والعلاقات الوظيفية مع الحكومة، تعديل قانون 2016 بمادة تفيد بأنه "يمكن لأعضاء البرلمان استجواب الحكومة في أي مسألة ذات أهمية وطنية، وعن حال تطبيق القوانين، باستثناء المسائل المتعلقة بالدفاع الوطني وأسرار الدولة في العلاقات الخارجية"، للاعتبارات المتعلقة بحساسية هذه المسائل، وهو ما يعني أن مكتب البرلمان لن يحيل إلى الحكومة أي استجواب يخصّ هذه القطاعات الحيوية.

وبرر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، خلال الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء، هذه الخطوة بأنها ترتبط بالتحفظ على أسرار الدولة، وشدد على "أهمية العلاقة الوظيفية بين غرفتي البرلمان والحكومة، مع مراعاة مساءلة أعضاء الحكومة، في كل المجالات، باستثناء الدفاع الوطني، وأسرار الدولة في العلاقات الخارجية، كونها مجالات تحفظ".

ويستند هذا الموقف إلى صلاحية دستورية تجعل من قضايا الدفاع والخارجية صلاحية حصرية لرئيس الجمهورية.

"حركة مجتمع السلم": من حق البرلمان أن يتابع ويمارس عملية الرقابة

واستبقت بعض الكتل النيابية طرح مسودة هذا القانون بالتعبير عن القلق من أن يحدّ ذلك من صلاحية النواب في استجواب الحكومة في مجموع القضايا التي تهم تسيير الدولة والشأن العام والمال العمومي، إذ تعد موازنات الجيش والدفاع خارج إطار النقاش النيابي في الغالب.

وقال رئيس كتلة "حركة مجتمع السلم" (أكبر كتل المعارضة في البرلمان)، أحمد صادوق، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "من حق البرلمان أن يتابع ويمارس عملية الرقابة على المجالين الدفاعي والخارجي، ولو بشكل محدد، بالنظر إلى الحساسية، باعتبار أن البرلمان من اختصاصه تشريع وإصدار القوانين المتعلقة بهذين المجالين".

وأكد صادوق أنه "يحق للبرلمان متابعة ومراقبة صرف قطاعي الدفاع والخارجية للأموال التي يخصصها البرلمان لهما من موازنته، باعتبارها أموال الشعب"، وتابع "هذا دور أصيل من أدوار النواب والبرلمان لمتابعة كل السياسيات العمومية".

وأضاف رئيس كتلة "حركة مجتمع السلم": "هذه بدعة جزائرية أن تستثني السلطة قطاع الدفاع والخارجية، وهما قطاعان يهمان الرأي العام والتوجهات الكبرى للدولة، من النقاش ومن الرقابة، وكأننا معزولين عن العالم، بينما كل البرلمانات في العالم تناقش وتبدي رأيها في كل القطاعات التي تهمّ الشعب (...) لا أرى أي حرج أو مشكلة في أن تتم مناقشتهما، كما هو الشأن لباقي قطاعات الدولة، بل بالعكس هذا يشكل إضافة نوعية لهذه المؤسسات ولا يخل من عملها ورمزيتها".

وإضافة إلى منع نواب البرلمان من استجواب الحكومة في قضايا الخارجية والدفاع، فإن مسودة القانون الجديد تحظر على الحكومة ومؤسسات الدولة والإدارات مدّ نواب البرلمان بالوثائق والمعلومات المتعلقة بما تعتبره السلطات "قطاعات استراتيجية"، حيث تشير المادة 87 مكرر في نص القانون الجديد "تستثنى المعلومات والوثائق التي تكتسي طابعا سريا واستراتيجيا يتعلق بالدفاع الوطني وأمن الدولة الداخلي والخارجي، وبالمصالح الحيوية للاقتصاد الوطني، وتلك المتعلقة بوقائع تكون محل إجراء قضائي".

ويمكن تطبيق مفهوم (قطاعات استراتيجية) على كثير من القضايا، بما فيها القطاعات الاقتصادية، كالطاقة وغيرها، والتي يمكن للسلطات أن تصنفها داخل إطار "أسرار الدولة".

ومن اللافت أن يحظر القانون الجديد على النواب نشر أو كشف أي وثائق أو معلومات للرأي العام بعد حصولهم عليها من المؤسسات والإدارات، لغرض تأدية مهامهم الرقابية على الحكومة والقطاعات الوزارية والخدمية، ما يعني عدم إمكانية المحاججة بها في النقاشات النيابية أو الإعلامية.

ويفيد بند في المادة السابقة (87)، ويأتي في باب الإطلاع على المعلومات والوثائق الضرورية عند ممارسة المهام الرقابية للنواب، أن "تقدم الحكومة للبرلمان عند ممارسة مهامه الرقابية المعلومات والوثائق الضرورية التي يطلبها. ويلتزم عضو البرلمان بعدم نشر، في أي وسيلة إعلامية، المعلومات والوثائق التي يتحصل عليها، والتي من شأنها المساس بمصالح الدولة أو الإخلال بالنظام العام".

من جهته، اعتبر الباحث الأكاديمي في الشؤون الأمنية عمار سيغة أن "الخوف من تعريض مسائل الأمن القومي، بما فيها الموازانات الخاصة بالدفاع، للنقاش العام، وهي قضايا ذات وضع خاص وحساس، هو الدافع نحو منع التداول النيابي حولها".

وقال سيغة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "مسائل الدفاع والخارجية تدرج ضمن نطاق حساس، وهذا يفرض مستوى من التحفظ بشأنها، وبكل ما يتعلق بالمسائل السرية التي تندرج ضمن الأمن القومي والمصالح القومية الواجب التحفظ عليها، وخاصة أن مهام السياسة الخارجية والدفاع يستحوذ عليها الرئيس بموجب الدستور الجزائري".

وأضاف أن "الدافع نحو تحديد مهام النواب في ممارسة الرقابة المحدودة والحد من الخوض في قضايا الدفاع والمسائل الخارجية، مرتبط بالأهمية والحساسية المتعلقة بهذه القطاعات، ولعدم إثارة جدل يخص هذه المسائل داخل قبة البرلمان، وضمان عدم تسييسها أو وضعها كقضايا جدلية، قد تضر بالمصالح العليا للبلاد، وتعرضها للمخاطر"، بحسب قوله.

المساهمون