حذّر نواب في الجزائر من مسودة تعديلات لقانون العقوبات الجديد، تتضمن موادّ وُصفت بأنها يمكن أن تشكّل "خطراً" على الحريات، خصوصاً حرية التعبير، بذريعة "الإضرار بالمصلحة الوطنية". فيما قلل وزير العدل الجزائري من هذه المخاوف، وطالب بعدم التشكيك في استقلالية المؤسسة العدلية.
وتواصل لجنة الحريات والشؤون القانونية في البرلمان الجزائري مناقشة تعديلات قدّمها نواب في البرلمان، قبل إعادة إحالة المسودة إلى الجلسة العامة للمصادقة على التعديلات، بينها تعديل طالب بإلغاء المادة 96 التي تقترحها وزارة العدل، والمتعلقة بعقوبات "الإضرار بالمصلحة الوطنية"، من دون تحديد المعنى القانوي الدقيق للمصلحة الوطنية، وإبقائه قيد تقدير المحاكم والقضاة.
وتنص المادة 96 على أنه يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة مالية "كل من يوزع أو يضع للبيع أو يعرض لأنظار الجمهور أو يحوز بقصد التوزيع أو البيع أو العرض بغرض الدعاية، منشورات أو نشرات أو أوراقاً أو فيديوهات أو تسجيلات صوتية من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية"، كما تنص على أنه "إذا كانت المنشورات أو النشرات أو الأوراق أو الفيديوهات أو التسجيلات الصوتية من مصدر أو وحي أجنبي، تُضاعف العقوبة". ويجوز للجهة القضائية، علاوة على ذلك، أن تقضي بعقوبة الحرمان من الحقوق وبالمنع من الإقامة.
وأكد النائب عبد الوهاب يعقوبي، الذي يطالب بإلغاء هذه المادة، أنه يتعين "تحديد معنى المصلحة الوطنية لضمان الحريات الفردية والجماعية الأساسية، لأنه من القواعد المعروفة أنه يجب أن يتسم النص الجنائي بالدقة ويبتعد عن الغموض ولا يخضع للتأويل، لذلك يجب تحديد مصطلح المصلحة الوطنية بتعريف دقيق ومضبوط، وألا يتسم بالغموض، خاصة في الحكومات غير الديمقراطية، حيث تتداول كثيراً في المزايدات السياسية بين السلطة والقوى التي تعارضها".
واعتبر يعقوبي، في التعديل الذي يقترحه، أنّ مصطلح "المصلحة الوطنية غامض وفضفاض، ويمكن أن يستخدم هذا الغموض في الضغط على القوى المعارضة باتهامها بأنّها تهدّد هذه المصلحة، كلما رفعت تلك القوى المعارضة سقف معارضتها للسياسات الرسمية الخاطئة، لأنه أحياناً تكون تلك الحكومات نفسها هي من تهدد المصلحة الوطنية بسياساتها، وكغطاء لخدمة المصالح الشخصية والفئوية للبعض على حساب مصلحة الوطن".
وبرأي النائب، أنّ المعنى القانوني للمصلحة الوطنية في الجزائر، يجب أن يكون واضحاً للجميع ومضبوطاً ومحدداً ومتفقاً عليه، وقال في تصريحات لـ"العربي الجديد"، "طلبت إلغاء هذه المادة حفظاً للحقوق وضماناً للحريات الفردية والجماعية، لأنّ إبقاءها بصيغتها الحالية، سيؤدي تكييفها إلى تعسفات خطيرة تجاه حقوق المواطنين الأساسية. وبعد رفض لجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات تعديلها، سأتمسك بموقفي وأطالب أغلبية النواب بالتصويت في الجلسة العامة لصالح إلغاء هذه المادة، من أجل حماية حريات وحقوق المواطنين في الجزائر".
وخلال مناقشات البرلمان لمسودة التعديلات المقترحة في قانون العقوبات، كان نواب قد عبّروا عن مخاوف من استخدام وتكييف القوانين من قبل القضاء، بصورة قد تتسبب في أضرار بالغة في الحقوق والحريات، على غرار المشكلات الواسعة التي نتجت عن تطبيق قانون المضاربة.
ووجّه النائب بدوي تميم، من كتلة حركة البناء الوطني (من الحزام الحكومي)، انتقادات حادة إلى القضاة والمؤسسة العدلية، بهذا الشأن، وبصورة أثارت غضب واستياء وزير العدل الذي رد بحدة على تصريحات النائب الإسلامي.
"استقلالية القضاء" في الجزائر
وقلل وزير العدل الجزائري رشيد طبي، خلال رده على مداخلات النواب، من هذه المخاوف، ودعاهم إلى عدم التشكيك في المؤسسات القضائية، وأكد أن الغاية من تعديل قانون العقوبات هو "تعزيز الجهود الرامية إلى محاربة كل أشكال الإجرام الخطير، لا سيما الجريمة المنظمة والإرهاب".
وشدد على أنّ المؤسسة القضائية في الجزائر "تتمتع بالاستقلالية الكاملة، ما يجعلها خارج أي ضغوط، وتقوم بجهد كبير من أجل مواكبة تطورات الجريمة والتجاوزات مهما كان نوعها، وحماية الدولة والمجتمع".
وتلافياً لأي تداعيات سياسية لتصريحات النائب البرلماني، سارعت رئاسة حزبه؛ حركة البناء الوطني، إلى إصدار بيان لمّحت فيه إلى استيائها من تصريحات نائبها، ووصفته بأنه "تجاوز في حق مؤسسات الدولة".
وأكد البيان أنه "في سياق التزام مؤسسات الحركة بخطها الأصيل وخطابها المتوازن والمسؤول وقناعتها الراسخة بالتحلي بثقافة الدولة وتعزيز مؤسساتها التي لا يمكنها أن تكون محل طعن في أدوارها المنوطة بها أو مساس تشكيك في نزاهة منتسبيها الذين يظلون مستأمنين على رسالة هذه المؤسسات ومهامها الدستورية".
وشددت الحركة على أنه "لا يمكننا الطعن في مؤسسات الدولة، لأن تنزيهها هو الضمان لاستمرارية الدولة، وإذا كانت هناك نقائص ثابتة أو اختلالات مؤكدة فإنّ لدى الحركة القنوات الكافية للتدخل قصد تصويب أي اختلالات". ورأت في ذلك، رسالة إلى مجموع نواب الحركة في البرلمان للانضباط في المداخلات النيابية، وإلى مجموع قياداتها المركزية والمحلية للبقاء ضمن سياق خطابها المهادن للسلطة والمؤسسات.