تتجه الجزائر إلى إجراء مراجعة شاملة لمجموعة من القوانين الناظمة للعمل السياسي والمجتمع المدني ومؤسسات الحكم المحلي والقضاء ومكافحة الفساد، لتكييفها مع الدستور الجديد الذي يتضمن بنودا جديدة تخص هذه المجالات، وفي سياق خطة إصلاح سياسي شامل يعتزم الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، تنفيذها مباشرة بعد الاستفتاء على تعديل الدستور في الفاتح من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
وقال كمال فنيش، رئيس المجلس الدستوري (أعلى هيئة دستورية في الجزائر)، في حوار نشرته اليوم الثلاثاء وكالة الأنباء الرسمية، إن التعديل الدستوري المقبل يفرض إعادة النظر في العديد من القوانين العضوية حتى تتماشى مع الدستور الجديد، مشيراً إلى أنها تخص قانون الانتخابات وقانون الأحزاب وقانون الجمعيات، وقانون الإعلام وقانون المجلس الأعلى للقضاء وقانون محاربة الفساد وقانون البلديات والولايات.
واعتبر المحلل السياسي لخضر حرز الله، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "تعديل القوانين بنفس الطريقة التي تمت عام 2012، وتمريرها على البرلمان الحالي، سيضع هذه التعديلات محل جدل، في الوقت الذي يفترض أن تكون الإصلاحات السياسية قضية تشاركية بين السلطة ومختلف القوى المعبرة عن الطيف السياسي في البلاد"، مشددا على أنه "يتعين على السلطة أن تأخذ بعين الاعتبار الفشل الذي لحق بالإصلاحات السابقة".
وكانت جميع هذه القوانين قد تمت إعادة مراجعتها عام 2012، عقب "الإصلاحات السياسية" التي أقرها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة عقب أحداث 2011 وموجة الربيع العربي، لكنها لم تحدث أي تطور في مجالاتها، بسبب تغيير النصوص من دون وجود إرادة سياسية حقيقة للتغيير والإصلاح السياسي.
وما زالت بعض بنود قانون الإعلام المتعلقة بفتح المجال السمعي البصري معلقة من دون تطبيق حتى الآن بعد ثماني سنوات من إقرار الانفتاح الإعلامي، كما لا تزال مؤسسات الحكم المحلي والمجالس المحلية تحت سلطة الإدارة وحكام الولايات المعينين. وما زال قانون الأحزاب يتيح لوزارة الداخلية إمكانية اعتماد الأحزاب أو رفضها، وترفض حتى الآن اعتماد عدد من الأحزاب التي ولدت من رحم الحراك الشعبي.
وكان الرئيس تبون قد استبق تعديل الدستور، وقام السبت الماضي بتنصيب لجنة لتعديل مبكر لقانون الانتخابات، تمهيدا لحل البرلمان والدعوة لانتخابات نيابية قبل نهاية السنة، حسب ما أعلن عنه الأحد الماضي في حوار تلفزيوني، وقال إنه سيعرض على البرلمان مباشرة بعد الاستفتاء.
واعتبر فنيش أن إقرار الدستور الجديد لإنشاء محكمة دستورية تحل محل المجلس الدستوري سيسهم "في ضمان توازن السلطات الثلاث، خاصة أن من صلاحياتها فض النزاعات بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، بشكل يقي البلاد من الأزمات السياسية التي قد تحدث أو تؤدي إلى شلل إحدى السلطات أو المؤسسات الدستورية أو تعطلها".
وأضاف أن من مهامها "المحافظة على استقرار البلاد وتجنيبها الأزمات المنجرة عن أي لبس أو سوء، وضمان عدم اعتداء أي سلطة عن قصد أو عن غير قصد على صلاحيات الأخرى، وضمان الرقابة على دستورية القوانين"، وكذلك ضمان "مطابقة العمل التشريعي والتنظيمي مع الدستور، وحماية حقوق وحريات المتقاضين في إطار الرقابة البعدية خلال أي محاكمة سواء إدارية أو جزائية".
وأضيفت مادة جديدة إلى الدستور المطروح للاستفتاء تحت رقم 182، تنص على إنشاء محكمة دستورية كمؤسسة مستقلة مكلفة بضمان احترام الدستور وسير المؤسسات، وتتشكل من 12 عضوا، أربعة منهم يعينهم رئيس الجمهورية، وستة من أساتذة القانون الدستوري يتم انتخابهم وعضوان يمثلان المحكمة العليا ومجلس الدولة.
وبخلاف التحفظات المعلنة من قبل القوى السياسية والنخب والفعاليات المدنية بشأن استقلالية بعض الهيئات الرقابية على الممتلكات والأموال العمومية، كمجلس المحاسبة والسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، فإن رئيس المجلس الدستوري يعتبر أن إدراج هذه الهيئات في الدستور، إضافة إلى السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد، هي إضافات مهمة يمكنها إحداث القطيعة مع ممارسات العهد السابق.