تقترب "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) من فرض سيطرة كاملة على سجن الصناعة (غويران) في مدينة الحسكة، أقصى الشمال الشرقي من سورية، والذي يضم آلاف العناصر من "داعش" ويشهد اشتباكات منذ الجمعة الماضي، عقب هجوم واسع النطاق شنه التنظيم لإطلاق سراح مسلحيه المحتجزين منذ سنوات.
وأكدت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أمس الأحد، أن اشتباكات متقطعة لا تزال تدور في محيط السجن، المعروف بسجن الصناعة في حي غويران، بين عناصر التنظيم من المهاجمين والفارين، وبين "قوات سورية الديمقراطية".
وبينت أن "قسد" تتقدم من جهة الصوامع وتضيّق الخناق على عناصر "داعش". وأشارت إلى أن هذه القوات دعت، عبر مكبرات الصوت، عناصر "داعش" المحاصرين في أجزاء من سجن الصناعة لتسليم أنفسهم.
زجت أميركا بمروحيات وعربات لمساندة "قسد" ضد "داعش"
من جهته، قال المركز الإعلامي لـ"قوّات سورية الديمقراطية"، أمس الأحد، إن هذه القوات "تتعامل مع خلايا إرهابية (لم يتم التأكد من هويتها) حاولت مؤازرة إرهابيي داعش المحاصرين في القسم الشمالي من سجن الصناعة، انطلاقاً من حي غويران، جنوب المدينة".
تضييق الطوق الأمني حول سجن الصناعة
وأضاف أن "قواتنا ضيقت طوقها الأمني حول السور الشمالي لسجن الصناعة، ونفذت، صباح أمس الأحد، عمليات عسكرية دقيقة، تمكنت خلالها من قتل 13 مرتزقاً من المهاجمين وإلقاء القبض على اثنين آخرين".
وأكد المركز مقتل 13 من عناصر تنظيم "داعش" ممن هاجموا سجن الصناعة في الحسكة. وأشار إلى أنهم قُتلوا خلال عمليات دقيقة نفذها مقاتلو "قسد" صباح أمس. وأوضح أن عدد قتلى التنظيم ارتفع بذلك إلى 35 عنصراً. وشدد على أن "قسد تقاتل بدقة عالية لمنع المهاجمين من الإفلات من العقاب".
وفي السياق، أكد القائد العام لـ"قوات سورية الديمقراطية" مظلوم عبدي أن قواته "نجحت بمساعدة التحالف بصد الهجوم، وتم تطويق محيط السجن بالكامل واعتقال جميع الهاربين". ونقلت وسائل إعلام تابعة لـ"قسد" عن عبدي قوله إن "قتالنا ضد داعش مستمر، ولن نتوقف حتى يتم وضع جميع العناصر الإجرامية خلف القضبان".
وكان تنظيم "داعش" شنّ، ليل الخميس-الجمعة، هجوماً هو الأكبر منذ إعلان القضاء عليه في منطقة شرق نهر الفرات مطلع العام 2019، حيث استهدف، بسيارتين مفخختين، بوابات "سجن غويران".
أميركا تزج بمروحيات وعربات لمساندة "قسد" ضد "داعش"
وأعقب ذلك شنّ العشرات من العناصر هجوماً لفتح هذه البوابات وإخراج السجناء منه. وقد اضطرت أميركا، التي تقود تحالفاً ضد الإرهاب، للزج بمروحيات وعربات عسكرية ثقيلة لمساندة "قسد" في القضاء على عناصر التنظيم، سواء الذين هاجموا السجن أو الفارين منه.
ورأى الباحث السياسي سعد الشارع، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الهجوم الذي شنه "داعش" على سجن الحسكة "يندرج في سياق استراتيجية معلومة يتبعها التنظيم". ولفت إلى أن لدى "داعش" تجارب سابقة في هذا الإطار، عندما هاجم في العام 2013 سجني التاجي وأبو غريب في العراق، وتمكن من إطلاق المئات من عناصره وقيادييه.
وبرأيه، فإن عملية الحسكة هدفها زيادة ترابط وتماسك التنظيم داخلياً، وهي تبعث برسالة واضحة لعناصره بأن "داعش" لا ينسى أسراه، وأنه مستعد لشن هجوم واسع النطاق، يقتل فيه عناصر في سبيل تحرير الأسرى.
وبيّن الشارع أن التنظيم "أدخل مجموعات إلى المنطقة المحيطة بالسجن". ولفت إلى أنه بعد إطلاق عناصره من السجن، وحصولهم على أسلحة من داخله، كبُرت هذه المجموعات، وهو ما يفسر صعوبة القضاء عليها.
وأشار إلى أن عدداً غير معروف من أسرى التنظيم باتوا أحراراً، و"هنا تكمن الخطورة في الأمر". ولفت إلى أن موضوع الأرقام غامض، حيث لم يُعرف حتى اللحظة عدد الفارين وعدد القتلى من التنظيم أو "قسد".
موقع سجن الصناعة سهّل على "داعش" مهاجمته
وأعرب الشارع عن اعتقاده أن التنظيم "اشترى حواجز أمنية للوصول إلى قلب مدينة الحسكة". وقال: "يوجد تواطؤ لدى قوات سورية الديمقراطية"، إذ إن مبنى السجن "مفتوح على بادية الهول المحاذية للحدود السورية العراقية، ومفتوح على بادية الحضر في العراق، التي تعادل مرتين مساحة محافظة الحسكة وينشط فيها التنظيم".
واعتبر أن وجود سجن الصناعة في هذا الموقع سهّل على التنظيم مهاجمته، وكانت هناك مؤشرات على أن "داعش" يتجهز لشن الهجوم، ولم تتخذ "قسد" أي إجراءات احترازية.
سعد الشارع: عملية الحسكة هدفها زيادة ترابط وتماسك تنظيم "داعش" داخلياً
وأشار الشارع إلى أن "قوات سورية الديمقراطية تتعمد اتهام المكون العربي في الحسكة بمساعدة داعش، رغم أن العرب هم أكثر من ذاقوا الويلات على يد التنظيم". ولفت إلى أن "داعش قتل في وادي الفرات، في غربه وشرقه، من العرب أكثر من أي مكون آخر من المكونات السورية".
وبيّن أن "قسد" التي تسيطر على جل منطقة شرق الفرات "تملك كل الإمكانيات لبناء معتقل محصّن لأسرى التنظيم، لكنها لم تفعل ذلك، على الرغم من أن موارد النفط كلها بيد هذه القوات". وبرأيه، فإن مآلات ما جرى في مدينة الحسكة خطيرة على المنطقة برمتها.
ومن المتوقع أن تكون لما حصل في مدينة الحسكة تبعات كثيرة على منطقة شرق نهر الفرات التي تسيطر عليها "قسد"، التي وجدت نفسها في دائرة الاتهام بالإهمال والتقصير، رغم الدعم الكبير من التحالف الدولي، الذي يعتبر هذه القوات ذراعه البرية في مواجهة تنظيم "داعش".
وتمتلك هذه القوات، التي تشكلت أواخر العام 2015، كل الإمكانيات التي تخوّلها مواجهة كل التهديد المحتمل للتنظيم في منطقة شرق الفرات، لكنها وجدت عناصر "داعش" على أبواب سجن الصناعة في قلب الحسكة، التي من المفترض أن تكون الأكثر تحصيناً.
وقال الباحث السياسي في مركز "جسور" للدراسات أنس الشواخ، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه لا يمكننا الآن الحديث بدقة عن آثار هذا الحدث على المنطقة و"قوات سورية الديمقراطية"، لكونه لا يزال مستمراً، ويقبل عدة سيناريوهات.
ولفت إلى أن ما جرى يستدعي من قوات التحالف والمجتمع الدولي بشكل عام إعادة تقييم قدرات "قسد" الأمنية والعسكرية، وإعادة تقييم لفاعلية وجدوى دورها كشريك محلي وحيد للتحالف الدولي لمحاربة "داعش".
وأشار الشواخ إلى أن "قسد"، خلال الشهرين الماضيين، "كانت قد أعلنت عدة مرات عن تفكيكها خلايا تابعة لداعش، كانت تخطط للهجوم على هذا السجن بالتحديد، وبنفس السيناريو الجاري حالياً". ولفت إلى أن هناك أخطاء كبيرة ارتكبتها "قوات سورية الديمقراطية" خلال وقبل الاختراق الأمني الكبير من قبل التنظيم في الحسكة.