السبت الماضي، حدث ما كان متوقعاً من اشتباكات مسلحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وكل المؤشرات تؤكد أنها ماضية نحو حرب طويلة. كل ذلك للأسف الشديد حدث بسبب طموح قائدين، الجنرال عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش، والجنرال محمد حمدان دقلو "حميدتي" قائد قوات الدعم السريع، وهما من جمعتهما ظروف القتال في الميدان لصالح نظام الرئيس المعزول عمر البشير قبل سنوات قريبة، وجمعتهما كذلك حرب اليمن والإطاحة بنظام البشير 2019.
وظهر تحالف الرجلين أكثر، وهما يقرران وينفذان الإطاحة بحكومة عبد الله حمدوك في أكتوبر/تشرين الأول 2021، ليتسيّدا المشهد والقرار والسلطة والنفوذ، فظهرت المطامع وشهوة السلطة في كرسيها الأول.
وبدأت الحرب الباردة بين الرجلين بعد أسابيع قليلة من الانقلاب، وتطورت إلى حرب كلامية، ووصلت السبت الماضي إلى نقطة اللاعودة، فدخلا في مواجهات عسكرية مفتوحة على كل الاحتمالات، ومفتوحة في رقعتها الجغرافية، حيث شملت حتى الآن أكثر من سبع مدن بدرجات متفاوتة من حيث العنف والمحدودية.
وطوال الأيام الثلاثة الماضية، استخدم الطرفان كافة فنون الحرب النفسية، مع إعلان الآليات الإعلامية لكل طرف عن انتصارات متوالية وقرب حسم المعركة. لكن الواقع يكذّب كل شيء، معارك تدور في محيط القيادة العامة للجيش ومحيط القصر الرئاسي لا يمكن القول إنها محسومة لأي طرف. ويبدو أننا أمام حرب أطول مما يتصوره الطامحون للسلطة، الحالمون بها ولو على جثث وأشلاء أبناء وبنات الشعب السوداني.
المحسوم هي الخسارة الكبيرة التي مُني بها الشعب السوداني في تلك الحرب، فالمدنيون الذين لا ذنب لهم يسقطون بالعشرات نتيجة القصف العشوائي من الطرفين، والأوضاع الإنسانية في بعض الأحياء تنذر بخطر جسيم، فهناك مناطق انقطعت عنها خدمة الإمداد المائي، وأخرى انفلت فيها عقد الأمن وظهرت عصابات النهب التي تستغل مثل هذه الأوضاع، والمستشفيات تعاني من عدم توفر أبسط متطلبات تشغيلها وتواجه نقصاً حاداً في المعدات الطبية وتسقط عليها القاذفات والراجمات.
كما أن المئات من الطلاب محتجزون في جامعة الخرطوم من دون غذاء منذ ثلاثة أيام، والآلاف يحاولون الخروج من العاصمة للنجاة فيما الطرق غير آمنة. ومع كل ذلك لا بارقة أمل تلوح في الأفق لوقف إطلاق النار، أما الحلول السلمية فأضحت جزءاً من الماضي.