استمع إلى الملخص
- شهدت الجلسة الانتخابية مشادات بين النواب، مع رفض بعضهم لتعيين قائد الجيش كرئيس، معتبرين ذلك انتهاكاً للدستور وتدخلاً خارجياً، ودعوا إلى العودة للدستور ورفض الوصاية الخارجية.
- انسحب مرشحون بارزون لدعم قائد الجيش وسط ضغوط دولية، مع استمرار الجدل حول التعديلات الدستورية، مما يجعل التنبؤ بنتائج الجلسات المقبلة صعباً.
فشل البرلمان اللبناني اليوم الخميس، في الدورة الانتخابية الأولى في انتخاب رئيس للجمهورية مع عدم قدرة أي من المرشحين على حيازة النصاب القانوني، ما دفع رئيس البرلمان نبيه بري إلى رفع الجلسة لمدة ساعتين حتى الثانية بعد الظهر بالتوقيت المحلي، وذلك لفتح الباب للمشاورات. وحصل قائد الجيش العماد جوزاف عون على 71 صوتاً ولم يتخطّ بذلك النصاب المطلوب رغم أنه صاحب الحظ الأكبر، خاصة بعد إعلان قوى المعارضة دعم ترشيحه. وبدأ البرلمان اللبناني جلسته لانتخاب رئيس للجمهورية بحضور جميع النواب الـ128 خلفاً للرئيس ميشال عون بعد شغور استمرّ منذ 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، وذلك على وقع حراك سعودي أميركي فرنسي مكثف لخروج الدخان الأبيض من قبّة البرلمان.
وتوافد النواب إلى البرلمان اللبناني لانتخاب رئيس الجمهورية وسط حضور عدد من السفراء والدبلوماسيين، ووصل الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى المجلس برفقة رئيس الحكومة اللبناني نجيب ميقاتي. ومع بداية الجلسة، نشبت مشادات كلامية بين النائبة بولا يعقوبيان والنائب سليم عون ما دفع رئيس البرلمان نبيه بري إلى شطب عبارات يعقوبيان من المحضر.
بدوره، قال النائب جبران باسيل في كلمة له، أما البرلمان اللبناني: "نحن أمام عملية تعيين يمارسها المجلس فهل يرتضي بالتنازل عن ممارسة السيادة ويقبل بوصاية خارجية عليه"، مضيفاً "نطلب بإعلان من هم المؤهلون للترشح واعتبار كل ورقة لا يحمل صاحبها صفة الأهلية للترشيح أن تعتبر ملغاة"، تعبيراً منه عن رغبته في استبعاد قائد الجيش اللبناني من التنافس على المنصب. كما قال النائب جميل السيد "إننا اليوم لسنا في جلسة انتخاب رئيس، بل في جلسة تصديق على تعيين رئيس وهذا الأمر معيب".
من جهته، دعا النائب أسامة سعد إلى "إيقاف هذه المذبحة الدستورية (المتمثلة بانتخاب قائد الجيش) ويكفي بلدنا إجرام إسرائيل وخداع أميركا وأنين شعبنا حتى نضيف عليها تقويض أسس الدولة وقواعد دستورها"، مطالباً بـ"العودة إلى الدستور، الحصن الحصين للبنان واللبنانيين ووحدتهم ولعودة الهاربين من أجيالهم الجديدة".
في السياق نفسه، قال رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميل إنه عام 2008 (إبان انتخاب ميشال سليمان)، خلق رئيس البرلمان نبيه بري سابقة بعملية انتخاب قائد الجيش وهذه السابقة كرّست بأكثرية ساحقة من مجلس النواب بـ118 صوتاً، وهذه السابقة أصبحت اجتهاداً دستورياً، بوقتها كنّا ضدها لكن اعتُمدت، ومن بعدها ذهبنا للمجلس الدستوري ورفضنا أي مخالفة للدستور وبقينا على الموقف لإيماننا بالدستور.
وأضاف الجميل "نحن في بلد فيه سلاح ميليشيات وفيه احتلال إسرائيلي والأسوأ من تخطي الدستور هو الاستنسابية في تخطي الدستور"، متمنياً أن "يكون التاريخ اليوم لفتح صفحة جديدة وأتوجه للزملاء في حزب الله وحركة أمل بشكل خاص لأقول إن البلد لنا جميعاً ولن نقبل أن أي لبناني يعيش ما عشناه من اضطهاد ومن تخوين ومن قتل ومن دموع على يد لبناني آخر وهذا البلد نريد بناءه يداً بيد جميعاً".
من جانبها، قالت النائبة حليمة القعقور إنّه "لا يمكن تبرير انتهاك الدستور، و118 نائب من الذين انتخبوا ميشال سليمان هؤلاء اخترقوا الدستور ولا تشكل خطوتهم عرفاً ولا اجتهاداً، يكفي بهدلة الدستور". وأضافت القعقور بكلمتها أمام السفراء الدبلوماسيين "نحن مع السيادة ولا أحد يملينا لا الوصاية الإيرانية ولا السورية ولا الأميركية، ولا يجب أن ننتقل من وصاية لأخرى، نحن مع التعاون الدولي ولا أحد يتدخل بسيادتنا".
في الأثناء صدر عن المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري بيان قال فيه "طرح مؤخراً بعض النواب ووسائل الإعلام اسمي كمرشح محتمل للرئاسة. إنني أشكر الجميع على هذه الثقة واعتبر نفسي غير معني بهذا الاستحقاق، وأتمنى من الجميع سحب اسمي من التداول، مثنياً على مبدأ التوافق الذي تم التوصل إليه".
وفشل البرلمان اللبناني 12 مرة بانتخاب رئيس للجمهورية، وآخرها في الجلسة التي عقدت في يونيو/ حزيران 2023، في ظلّ الخلاف السياسي الحاد وغياب التوافق وعدم تحقيق أي من المرشحين النصاب المطلوب للفوز من الدورة الأولى، أي 86 صوتاً من أصل مجموع 128، وفقدان نصاب انعقاد الدورة الثانية الذي يبلغ أيضاً 86 صوتاً، علماً أن نصاب الفوز فيها وفي الدورات المتتالية يصبح 65.
ولم يتمكّن عون بعد من بلوغ عتبة نصاب الـ86 المطلوب لفوزه من الدورة الأولى، وتفادي الطعن بانتخابه أمام المجلس الدستوري، في ظلّ معارضة التيار الوطني الحر برئاسة باسيل له وعدد من النواب المستقلين والتغييريين، وضبابية موقف الثنائي حركة أمل وحزب الله الذي سرّبت أوساطه العديد من السيناريوهات لجلسة اليوم ضمنها اللجوء إلى الورقة البيضاء ودعم ترشيح قائد الجيش في ظل التوافق السياسي حوله.
وبحسب المادة 49 من الدستور اللبناني، فإنه "لا يجوز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى وما يعادلها في جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الأشخاص المعنويين في القانون العام مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعلياً عن وظيفتهم أو تاريخ إحالتهم على التقاعد".
ويعني ذلك وجود إشكاليات دستورية تحول دون انتخاب عون، بيد أنّ التجربة اللبنانية كرّست التصويت الضمني على تعديل الدستور، على غرار ما حصل إبان انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان عام 2008، وذلك في حال حيازة قائد الجيش على 86 صوتاً من أصل مجموع 128، ما يقفل الباب على الطعن أمام المجلس الدستوري.
وكانت جميع الاحتمالات مفتوحة بما في ذلك إمكان بروز عراقيل في الربع ساعة الأخير رغم "الفوز" المبدئي لعون، وذلك باعتبار أن القوى المعارضة وإن التقت على دعمها ترشيح الأخير بيد أنّ بعض النواب في صفوفها ولا سيما من حزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع، يتمسّكون بنيل عون أكثرية الثلثين لإسقاط الحاجة إلى تعديل دستوري، ويكثفون مشاوراتهم لضمان الوصول إلى هذا النصاب.
وتصدّر الحذر المشهد الانتخابي اليوم خصوصاً أنّ المفاجآت تبقى في الحسبان، نظراً لتبدّل المواقف والآراء والمعادلات بشكل سريع، منها تخلّي باسيل عن البيسري بعدما كان داعماً له ويتقاطع عليه مع الثنائي، كما تراجع حزب القوات اللبنانية عن شروطه وضمنها قبول من سمّاه فريق الممانعة بترشيح عون "لإعادة النظر" بتسميته، قبل أن ينضم مساء أمس إلى النواب المعارضين بدعم قائد الجيش بمجموع 31 نائباً.
وبرزت أمس الأربعاء مشهدية جديدة تجعل من جلسة اليوم مختلفة عن سابقاتها الـ12، ولا سيما لناحية التوافق الواسع على انتخاب عون من جانب قوى المعارضة وعدد من التغييريين والمستقلين والنواب السّنة، وكذلك بعض من يدورون في فلك محور حزب الله – حركة أمل، يتقدّمهم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، مرشح الثنائي، الذي انسحب أمس من السباق الانتخابي معلناً دعم ترشيح عون.
ومن التطورات المهمة أيضاً التي برزت أمس خصوصاً في ساعات بعد الظهر وبدّلت الوقائع إعلان النائب أيوب حميد، بعد اجتماع كتلة بري البرلمانية (التنمية والتحرير) التلاقي مع حزب الله على موقف موحّد في الجلسة، مركزاً على أهمية التوافق من دون أن يتطرق إلى مسألة التعديل الدستوري، ما يترك الباب مفتوحاً أمام احتمال انتخاب عون وعدم عرقلة الانتخاب على أن يحسم المسار صباحاً أو داخل الجلسة، علماً أنّ بري معروفٌ بـ"حنكته الدستورية" وقدرته على ترك الكرة في ملعبه، ما يبقي الباب مفتوحاً في أي لحظة على إثارته جدلاً دستورياً من شأنه أن يعطل الانتخاب.
وخرجت تسريبات إعلامية وسياسية أمس تفيد بأن ضغطاً كبيراً مورس على الكتل البرلمانية والقوى الفاعلة بالتزامن مع حراك الموفدين السعودي الأمير يزيد بن فرحان، والفرنسي جان إيف لودريان، وقبلهما الأميركي عاموس هوكشتاين في بيروت لإتمام الاستحقاق، لبدء "تدفق المساعدات"، والتلاقي حول مرشح قادر على الفوز، مع الحث على التصويت لقائد الجيش نظراً لدوره في المرحلة المقبلة التي تتطلب استقراراً أمنياً وإعادة الإعمار والحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701، الأمر الذي لم ينفه العديد من النواب الذين التقوا الدبلوماسيين ولمّحوا إلى رسائل عدة تلقوها بضرورة إنجاح الجلسة.
في السياق، قال مصدرٌ مقرّب من حزب الله لـ"العربي الجديد"، إنّ "موقف الحزب وحركة أمل سيكون موحّداً في الجلسة، والثنائي منفتح على المشاورات وقد التقى الموفد الفرنسي، لكنه يرفض التدخلات الفاضحة بالاستحقاق الرئاسي، والضغط الدولي الذي يمارس على القوى السياسية ويصل إلى حد التحذير والتهديد"، مشيراً إلى أنّ "الكثير من الكلام يخرج حول موقف الثنائي، لكن الأكيد أنه لا يضع فيتو على قائد الجيش".