- تحالفات غير رسمية بين الأحزاب تلعب دورًا مهمًا في الانتخابات نظرًا لعدم وجود قوانين ناظمة للتحالفات، مما يزيد من تعقيد الصراع الانتخابي ويعزز فرص الفوز لبعض الأحزاب.
- النتائج المتوقعة للانتخابات تحمل أهمية كبيرة لمستقبل السياسة التركية، حيث يترقب الجميع تأثيرها على الديناميكيات السياسية الأوسع في البلاد، خاصة في البلديات الكبرى.
تحتدم المنافسة مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية التركية في 31 مارس/ آذار الحالي. وباتت خريطة الانتخابات والتوافقات في الولايات، والخطوط العريضة وتفاصيل التنافس، أوضح في ذهن الناخب التركي، مع تنافس حاد بين الأحزاب السياسية.
التحالف الجمهوري الحاكم يسعى إلى مواصلة بسط سيطرته على إدارة البلاد من خلال الفوز بالانتخابات المحلية، استكمالاً لفوزه بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في مايو/ أيار الماضي، فيما تسعى أحزاب المعارضة إلى تعويض خسارتها بانتخابات مايو، وكسر هيمنة حزب العدالة والتنمية على مقاليد الحكم في البلاد، ومواصلة التمسك بمكتسباتها التي تحققت في الانتخابات المحلية التركية في عام 2019.
الانتخابات الحالية لا تشهد بشكل دستوري تحالفات مسجلة لدى الهيئة العليا للانتخابات، بل هي تحالفات عبارة عن عمل وتعاون بين الأحزاب، وتبادل للأدوار في تقديم مرشحين ودعم آخرين. ويعود سبب ذلك لعدم وجود قوانين ناظمة للتحالفات في الانتخابات المحلية التركية والأمر الآخر أنه لا حاجة لديها إلى هذا الأمر، لأن تصدّر الانتخابات يكفيها.
الانتخابات الرئاسية كانت تتطلب فوز المرشح للرئاسة بنسبة تتجاوز 50% زائد واحد، والسيطرة على البرلمان أيضاً تحتاج إلى الفوز بأكثر من نصف مقاعده، ولهذا كانت هناك ضرورة للتحالفات. أما في الانتخابات البلدية فيكفي المرشح الحصول على أي نسبة تضعه في المرتبة الأولى للفوز في البلدية.
الانتخابات المحلية التركية في 81 ولاية
تقام الانتخابات المحلية التركية في عموم الولايات الـ81 التي تشكل محافظات البلاد. وتجرى الانتخابات في 30 بلدية كبرى، أبرزها إسطنبول وأنقرة وإزمير وبورصة وأضنة وقونيا وأنطاليا وهاتاي وغازي عنتاب، ومدن شمال البحر الأسود وغيرها. كما تقام في 51 ولاية و922 منطقة، إضافة إلى 390 بلدة، ليكون مجموع رؤساء البلديات الذين سيتم انتخابهم 1393، فضلاً عن انتخاب أكثر من 32 ألف مختار، وهؤلاء في الأحياء وعموم القرى في البلاد.
إبراهيم أباك: "العدالة والتنمية" أعاد ترشيح رؤساء البلديات الحاليين في معظم الولايات
وفي انتخابات 2019 فاز حزب "العدالة والتنمية" في 15 بلدية كبرى، و24 ولاية، و535 منطقة و202 بلدة، محتلاً المرتبة الأولى بمجموع 776 بلدية، فيما فاز حزب الشعب الجمهوري في 11 بلدية كبرى، و10 ولايات و195 منطقة، و47 بلدة، بمجموع 263 بلدية.
وفاز حزب "الحركة القومية" بمجموع 232 بلدية، و"الحزب الجيد" في 25 بلدية، وحزب "السعادة" في 21 بلدية، وحزب "الشعوب الديمقراطي" في 5 بلديات، إضافة إلى أحزاب أخرى. ولكن الحكومة أعلنت لاحقاً الوصاية على ولايات ذات أغلبية كردية، واعتقلت رؤساء بلديات بسبب ما سمته تحقيقات تثبت ارتباطهم بحزب العمال الكردستاني المحظور.
وتشكل مدن الولايات الكبرى أبرز نقاط التحدي في الانتخابات، وعلى رأسها إسطنبول، نظراً لما تمنح الفائز بها من سمعة كبيرة، وحكم لمدن كبيرة بالناخبين، فضلاً عن موارد تسمح بإنجاز كثير من المشاريع.
49 مرشحاً لرئاسة بلدية إسطنبول
في مدينة إسطنبول يتنافس 49 مرشحاً لرئاسة البلدية، منهم 22 من مرشحي الأحزاب و27 مستقلين. ومن الواضح أن الصراع سينحصر بين مرشحي حزب العدالة والتنمية مراد قوروم، وحزب الشعب الجمهوري رئيس البلدية الحالي أكرم إمام أوغلو. وتجرى استطلاعات الرأي بينهما، بسبب امتلاك الحزبين أكثر الأصوات في تركيا عموماً وفي إسطنبول خصوصاً.
الحزب الجيد قدم مرشحه بوغرا قاونجي في إسطنبول، وحزب "ديم" الكردي قدم مرشحيه أيضاً، وهذه هي أكبر الأحزاب في البلاد وممثلة بالبرلمان.
ويدعم حزب الحركة القومية مرشح "العدالة والتنمية"، حيث جرى التوافق بينهما في 30 بلدية كبرى، و29 ولاية، فيما سيتنافس الحليفان في 22 ولاية، من إجمالي 81، فضلاً عن التعاون في المناطق والبلديات الصغيرة.
وقدم "العدالة والتنمية" مرشحين في 28 بلدية كبرى، فيما قدم "الحركة القومية" مرشحين لبلديتين كبيرتين هما مرسين ومانيسا، في وقت قدم فيه مرشحين في بلديات 5 ولايات هي بارطن، أرزينجان، وقارس، وقرقلار إيلي، وعثمانية.
حزب "ديم" الكردي يدعم، تحت شعار "توافق المدن"، حزب الشعب الجمهوري في عدد من الولايات، وخاصة في إسطنبول. وكان "الشعب الجمهوري" قد قدّم مرشحين في عدد من المناطق، تم استبدالهم لاحقاً بسبب التحالف، مثل بلدية منطقة أسنيورت بإسطنبول التي رشح "الشعب الجمهوري" لها بداية علي غوكمان، واستبدله لاحقاً بالمرشح أحمد أوزر المقرب من الحزب الكردي. ويفتقد حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات المحلية التركية دعم الحزب الجيد، وهو ما يعرض ترشح إمام أوغلو للخطر أمام منافس العدالة والتنمية.
وفي الانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو الماضي، حقق حزب العدالة والتنمية في إسطنبول ما نسبته 35.73% من الأصوات، فيما حصل "الحركة القومية" على 6% من الأصوات، و"الشعب الجمهوري" 28.5% من الأصوات، و"الجيد" 8.23%، و"ديم"، الذي خاض الانتخابات باسم حزب اليسار الأخضر ودعم مرشح تحالف الشعب 8.18%، فيما حقق حزب العمل 4.1% من الأصوات، و"الرفاه من جديد" 3.3%.
ولايات تشهد تنافساً
ومن الولايات التي تشهد تنافساً العاصمة أنقرة التي رشح لها حزب العدالة والتنمية تورغوت ألتون أوك، وحزب الشعب الجمهوري رئيس البلدية الحالي منصور ياواش. ونفس التوافقات في إسطنبول مستمرة في أنقرة، التي تقدم للحصول على رئاستها 22 مرشحاً حزبياً وخمسة مستقلين.
وتلي أنقرة مدينة إزمير، وإن كان التنافس فيها أقل لأنها معقل حزب الشعب الجمهوري ولم يحقق حزب العدالة والتنمية فيها أي تفوق في السابق، إلا أن مرشحه حمزة داغ يقود حملة انتخابية جعلت المراقبين يتوقعون تحقيقه نتيجة قوية أمام مرشح "الشعب الجمهوري" جميل توغاي.
كما أن أنطاليا وأضنة ويالوفا وبالك إيسير وإسكي شهير وهاطاي وبورصة، من الولايات التي ستشهد تنافساً كبيراً بين "العدالة والتنمية" و"الشعب الجمهوري"، حيث النسب متقاربة، وهي شهدت سابقاً تبادلاً للحكم فيها.
وبخلاف هذه الولايات، فإنه من الواضح أن حزب العدالة والتنمية يتقدم على البحر الأسود شمال البلاد، وفي وسط الأناضول، في حين أن حزب الشعب الجمهوري مرتاح أكثر غرب وجنوب البلاد، والأحزاب القومية جنوباً، فيما يسيطر حزب "ديم" على جنوب شرقي البلاد ذي الغالبية الكردية.
وبحساب الفوز والخسارة، فإنه فمن الواضح أن "الشعب الجمهوري" يعاني من فقدان دعم "الجيد" والأحزاب الصغيرة، ما قد يشكل استنزافاً للأصوات، في مقابل حصوله على دعم الحزب الكردي. في المقابل، يعاني "العدالة والتنمية" من فقدان أصوات حزب الرفاه من جديد، ما قد يؤدي لخسارته أصواتاً يحتاج إليها في الولايات التي تشهد تنافساً، فيما يحظى بدعم حليفه الحركة القومية.
وفي الانتخابات البرلمانية الأخيرة بأنقرة، حقق "العدالة والتنمية" 32%، وحليفه "الحركة القومية" 10.2%، فيما حقق "الرفاه من جديد" 2.7%. أما على الطرف الآخر، فقد حقق "الشعب الجمهوري" 30.8%، و"الجيد" 13.1%، و"اليسار الأخضر" 2.9%.
وفي إزمير حقق التحالف الجمهوري 31.99% فيما حقق تحالف الشعب 52.28%. وفي بورصة حقق التحالف الجمهوري الحاكم 51.98% في مقابل 36.28% لتحالف الشعب. وفي أنطاليا حقق التحالف الجمهوري 41.02% فيما حقق تحالف الشعب 43.62% وهي بيد المعارضة حالياً. وفي هاطاي حقق التحالف الجمهوري 48.84% فيما حقق تحالف الشعب 36.4% وهي بيد المعارضة حالياً.
أما في مرسين، فقد حقق التحالف الجمهوري 38.32% فيما حقق تحالف الشعب 42.73% وهي بيد المعارضة حالياً. وفي بالك إيسير حقق التحالف الجمهوري 45.64%، فيما حصد تحالف الشعب 46.07%. وفي إسكي شهير حقق التحالف الجمهوري 42.98% فيما حقق تحالف الشعب 47.87%.
أردوغان نزل إلى الميدان
وقال الصحافي إبراهيم أباك، لـ"العربي الجديد"، عن خريطة الانتخابات في تركيا والولايات التي تشهد تنافساً: "نحن الآن في المسار الأخير قبل الانتخابات، لقد نزل الرئيس (رجب طيب) أردوغان إلى الميدان".
وأضاف: "في التحالف الجمهوري يدخل حزب الحركة القومية الانتخابات مع حزب العدالة والتنمية بمرشحين مشتركين في معظم الولايات، وهذا يعني أنه في الأماكن التي كان فيها الحزبان متقاربين في السابق، الآن يقفان جنباً إلى جنب ضد حزب الشعب الجمهوري، ولهذا السبب أصبح لدى تحالف الشعب الآن فرصة أكبر في الولايات التي لم يتمكن من الفوز فيها بفارق ضئيل من قبل".
وتابع أباك: "في المدن الكبرى، مثل إسطنبول، يتقدّم مرشح التحالف الجمهوري مراد قوروم حالياً في استطلاعات الرأي، ولكن لا يوجد تطور ملموس لحزب العدالة والتنمية في أنقرة حتى الآن. ويمكن القول إن التنافس في المدن الكبرى يبقى متقارباً حتى اللحظة الأخيرة".
وبيّن أن "حزب العدالة والتنمية أعاد ترشيح رؤساء البلديات الحاليين في معظم الولايات، ويهدف إلى الفوز بنفس الأداء. ومن ناحية أخرى يريد حزب الشعب الجمهوري الحفاظ على البلديات الكبرى الثلاث التي يسيطر عليها حالياً، وهي إسطنبول وأنقرة وإزمير، وفرصه غير واضحة حتى الآن، وقد تكون صعبة حتى في مدينة إزمير معقل الحزب".
فراس رضوان أوغلو: حزب العدالة والتنمية يريد استعادة إسطنبول بكل ما أوتي من قوة
وتابع: "يشهد الشعب الجمهوري أول انتخابات له بعد تغيير قيادته، وربما يعتمد مستقبل الحزب على الانتخابات. وفي حالة حدوث أي فشل، قد يذهبون إلى المؤتمر العام. وعلى الرغم من أن حزب العدالة والتنمية قدم الكثير من الخدمات في جنوب شرقي البلاد إلا أن فرصه لا تزال تبدو ضعيفة في هذه المناطق".
صراع للسيطرة على البلديات الكبرى
من ناحيته، قال الكاتب والمحلل السياسي فراس رضوان أوغلو، لـ"العربي الجديد"، إن "الصراع قائم الآن بين المعارضة والتحالف الحاكم بالسيطرة على البلديات الكبرى. وهناك جزئيتان رئيسيتان، الأولى أن هناك بلديات مستقرة نوعاً ما على ناخبيها ومعروف من سينتخب في هذه المناطق، مثل تلك التي يسيطر عليها حزب العدالة التنمية والائتلاف الحاكم في الأناضول والبحر الأسود وفي الشرق نوعاً ما".
وأوضح أن "المناطق التي تسيطر عليها الأحزاب الكردية معروفة في جنوب شرق البلاد، وتلك التي يسيطر عليها حزب الشعب الجمهوري، معروفة أيضاً في الغرب".
وأضاف أوغلو: "الجزئية الثانية هي احتدام الصراع في مدينتين رئيسيتين، هما أنقرة وإسطنبول، كما أن هناك بعض المدن الأخرى قد يحتدم الصراع فيها أيضاً، وحسمها ليس واضحاً بعد". وأشار إلى أنه من "الواضح، عبر الدعاية والإعلانات، أن حزب العدالة والتنمية يريد استعادة إسطنبول بكل ما أوتي من قوة، فيما تتمسك المعارضة باستمرار حكمها. وفي أنقرة سيكون هناك صراع كبير، لكن أتوقع أن تبقى بيد المعارضة".