تعيد نتائج الانتخابات الإسرائيلية الخامسة في أقل من أربع سنوات، والتي جرت أول من أمس الثلاثاء، زعيم حزب "الليكود" بنيامين نتنياهو إلى الحكم، مع ائتلاف حكومي يميني ديني واضح، من دون أي "رتوش"، ومع قدرة على الثبات لفترة ولاية كاملة من أربع سنوات على الأقل، بينما تكرّس حضور وشرعية الكهانية والفاشية الدينية، كمُكون أساسي شريك في الحكومة، وليس كمجرد شريك صغير هامشي في الائتلاف الحكومي.
ووفق نتائج الانتخابات، تقاسمت الأحزاب الدينية الصهيونية (حزبا "الصهيونية الدينية" و"القوة اليهودية")، والحريدية (حركة "شاس" وحزب "يهدوت هتوراة") مع حزب "الليكود"، 65 مقعداً، مع تفوّق بالمقاعد للأحزاب الدينية والحريدية على مقاعد "الليكود"، بحصول شركاء "الليكود" على 34 مقعداً مقابل 31 مقعداً لـ"الليكود"، في سابقة تاريخية لشكل الحكومة في إسرائيل.
فهذه هي المرة الأولى التي تكون فيها أغلبية للنواب المتدينين، سواء كانوا من الحريديم أم الصهيونيين، في صفوف الائتلاف الحكومي في إسرائيل، خصوصاً إذا أخذنا بالحسبان وجود أعضاء كنيست من المتدينين الصهيونيين ضمن لائحة "الليكود" أيضاً.
تكرّس نتائج الانتخابات حضور وشرعية الكهانية والفاشية الدينية، كمُكون أساسي شريك في الحكومة
وتعني هذه التركيبة تشكيل حكومة يمين بأغلبية دينية في إسرائيل، وإن كانت قيادتها، أو رئيسها من حزب علماني، ما سينعكس، بفعل موازين القوى الداخلية للائتلاف الحكومي، على توزيع المقاعد، خصوصاً أن زعيم التيار الكهاني الفاشي إيتمار بن غفير طالب خلال المعركة الانتخابية بالحصول على حقيبة الأمن الداخلي.
كما دعا بن غفير في خطاب النصر الذي ألقاه بعد ظهور نتائج العينات التلفزيونية لنتائج الانتخابات، إلى إطلاق يد الجيش والمستوطنين، واستيطان كافة "أرض إسرائيل"، معلناً "أننا عدنا لنكون أصحاب البيت".
وفي ظلّ ردود الفعل في المعسكر الذي خسر الانتخابات، بقيادة يئير لبيد، والتي تحذر من حلول فترة من الحكم الظلامي، ونهاية "الليبرالية" والحريات، يبدو أن نتنياهو سيكون مضطراً لتقديم تنازلات كبيرة في القضايا الداخلية تحديداً، وما يتعلق بـ"حرمة السبت"، والمظاهر اليهودية الدينية لشركائه في الحكم، فيما ستجسد التركيبة المتوقعة للحكومة إجماعاً حول مسائل الاستيطان، ورفض أي تسوية سياسية مع الفلسطينيين، وإبعاد وإسقاط حلّ الدولتين عن الأجندة العامة.
نهاية عهد الجنرالات واليسار في إسرائيل
وأظهرت نتائج الانتخابات الإسرائيلية أيضاً فقدان جنرالات الجيش الإسرائيلي ورؤساء الأركان السابقين أي قوة انتخابية، بدليل تراجع قوة الجنرال بني غانتس وحصول تحالفه مع حزب "تكفاه حداشاه" بقيادة وزير القضاء السابق غدعون ساعر على 12 مقعداً فقط، أقل من القوة البرلمانية التي حصل عليها تحالف "الصهيونية الدينية" وحزب "القوة اليهودية" بمقعدين.
كما تبيّن النتائج وجود 17 مقعداً إضافياً على الأقل لدى أحزاب يمينية خارج الائتلاف المرتقب لنتنياهو، والتي كانت جزءاً من الائتلاف الحكومي السابق، وهي 12 مقعداً لتحالف "المعسكر العمومي" الذي يقوده غانتس وساعر والجنرال غادي أيزنكوط، و5 مقاعد لحزب "يسرائيل بيتينو" بقيادة أفيغدور ليبرمان.
نتائج الانتخابات كرّست تفكك القائمة المشتركة، وأبعدت عن الكنيست التيار القومي
ويعني هذا تكريس قوة اليمين في الكنيست الإسرائيلي، داخل الحكومة وفي المعارضة بـ80 مقعداً على الأقل، مع حصر قوة اليسار الصهيوني بـ4 مقاعد لحزب العمل خصوصاً، في حال لم تحصل حركة "ميرتس" على 4 مقاعد وظلّت خارج الكنيست، ما يعني عملياً نهاية اليسار الإسرائيلي وتحوله إلى قوة على هامش الخريطة الحزبية الإسرائيلية.
تفكك الساحة الحزبية الفلسطينية في الداخل
إلى ذلك، وعلى صعيد المجتمع الفلسطيني في الداخل، فإن نتائج الانتخابات كرّست تفكك القائمة المشتركة، وأبعدت عن الكنيست التيار القومي الذي يمثله حزب التجمع الوطني الديمقراطي بقيادة سامي أبو شحادة، مع شرعنة توجهات الأسرلة والانخراط في الائتلافات الحكومية، وفق ما تمثله القائمة الإسلامية الموحدة بقيادة منصور عباس، والاستعداد المبدئي لدعم حكومة وسط صهيونية يقودها معسكر مناهض لنتنياهو، ولو من الخارج، وفق خط الدعاية العام الذي تبناه وأعلنه تحالف الجبهة الديمقراطية والحزب الشيوعي بقيادة أيمن عودة مع الحركة العربية للتغيير بقيادة أحمد طيبي.
وبلغ ذلك أوجه خلال اليومين السابقين للانتخابات عندما دعا عودة وطيبي المجتمع الإسرائيلي لدعم قائمتهما ومنعها من الفشل في الانتخابات، إذ اعتبرا مثل هذا التصويت "تصويتاً استراتيجياً"، بحسب التعبير الذي استخدماه.
ومع أن التجمع الوطني الديمقراطي، بقيادة سامي أبو شحادة، اعتبر أن تمكنه من الحصول على 130 ألف صوت في ظروف صعبة للغاية، بعد مؤامرة إقصائه من القائمة المشتركة ليلة تقديم القوائم، في 15 سبتمبر/ أيلول الماضي، نصر للتيار الوطني في الداخل الفلسطيني، إلا أنه ليس واضحاً بعد ماذا ستكون تداعيات النتائج الحالية للكنيست على السلوك السياسي للفلسطينيين في الداخل، وتنظيماتهم الحزبية، على الرغم من بقاء تمثيل عربي من 10 نواب.
وكان الشعار الذي تستر وراءه تحالف أيمن عودة وأحمد طيبي لتفكيك القائمة المشتركة، منع نتنياهو من العودة للحكم، وهو هدف فشل الاثنان في تحقيقه بتراجع قوة القائمة المشتركة من 6 مقاعد إلى 5، من دون أن يشكل تحالفهما المشترك الجسم المانع لعودة نتنياهو للحكم، أو جسماً مؤثراً في السياسة الإسرائيلية، لا على الصعيد الداخلي، ولا على صعيد القضية الفلسطينية وإنهاء الاحتلال.
كما ينذر هذا في ظلّ كون الزيادة في نسبة المشاركة العربية في هذه الانتخابات ذهبت بأغلبيتها العظمى لقائمة التجمع الوطني الديمقراطي، بتراجع هذه المشاركة في انتخابات مقبلة إلى ما دون 50 في المائة.