الاستهدافات في مناطق النظام السوري: شكوك بتصفية حسابات داخلية

الاستهدافات في مناطق النظام السوري: شكوك بتصفية حسابات داخلية

14 أكتوبر 2022
عناصر من النظام السوري بضواحي حلب، فبراير 2020 (فرانس برس)
+ الخط -

يطرح استهداف حافلة مبيت تابعة للفرقة الرابعة التي يقودها اللواء ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السوري، في محيط العاصمة دمشق، أمس الخميس، العديد الأسئلة حول هوية الجهة التي تقف وراء مثل هذه الاستهدافات، لا سيما مع تكرار العملية وبالأدوات ذاتها.

ومع إعلان إعلام النظام الرسمي عن الاستهداف، توجهت الاتهامات نحو المعارضة السورية، بوصف العملية بـ"الإرهابية"، غير أن شكوكاً كثيرة تحيط بهذا الاتهام كون دمشق وريفها باتا خاليين من المعارضة المسلحة منذ العام 2018 مع إخراج الفصائل من الغوطة الشرقية ومحيطها.

وهذا ما يجعل فرضية "تصفية الحسابات" قائمة بقوة ضمن أركان النظام، وبالتحديد وحداته العسكرية التي باتت، منذ التدخل الروسي في سورية عام 2015، منقسمة الولاء والتنسيق بين كل روسيا وإيران، وطفا أخيراً الصراع بين المحسوبين على الدولتين سواء في قوات النظام أو المليشيات المحسوبة على كل منهما، وذلك في إطار إثبات الذات وتحقيق المكاسب والمصالح.


عبد الله العبد الله: من الممكن أن تكون تفجيرات الحافلات تجرى عبر مجموعات معارضة

وقُتل وجرح العشرات من عناصر "الفرقة الرابعة" التي يقودها ماهر الأسد، أمس الخميس، إثر تفجير استهدف حافلة مبيت عسكرية على طريق الصبورة من الجهة الغربية للعاصمة دمشق.

وأكدت وسائل إعلام موالية للنظام، من بينها وكالة الأنباء الرسمية "سانا"، مقتل 18 عنصراً من قوات النظام وجرح 27 آخرين، من دون تحديد الوحدة التي يتبعون إليها.

غير أن مصادر مختلفة أكدت لـ"العربي الجديد" أن الحافلة تتبع للفرقة الرابعة التي تنتشر في محيط دمشق، وتعتبر منطقة الصبورة قاعدة لوحداتها الرئيسية. وأكدت وسائل إعلام النظام أن استهداف الحافلة جاء من خلال زرع عبوات ناسفة في طريق عبورها، وهذا ما أكده مصدر عسكري من قوات النظام لوكالة "سانا".

الاستهدافات في مناطق النظام السوري

ويتشابه استهداف حافلة المبيت التابعة للفرقة الرابعة مع الاستهداف الذي تعرضت له حافلة مبيت تتبع لمؤسسة الإسكان العسكري وسط دمشق، وتحديداً عند "جسر الرئيس"، في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، حين قتل 20 عنصراً من قوات النظام وجرح آخرون بانفجار مزدوج لعبوتين ناسفتين. وفي فبراير/شباط الماضي، قُتل عنصر وجرح 15 من قوات النظام جراء استهداف حافلة عسكرية بعبوة ناسفة بالقرب من دوار الجمارك في دمشق.

وتكررت عمليات الاستهداف بالعبوات الناسفة، لا سيما في دمشق ومحيطها، في الأعوام الأخيرة، وخصوصاً بعد إخراج المعارضة من محيط دمشق في العام 2018، وفي حين تعلن جهات مجهولة وقوفها وراء تنفيذ هذه الهجمات، يذهب متابعون إلى أن هذه العمليات ليست سوى عمليات تصفية حسابات بين القوى المتصارعة حتى داخل البنية العسكرية والأمنية للنظام.

ففي الاستهداف الذي طاول حافلة مبيت عسكرية في أكتوبر من العام الماضي، تبنت جهة تسمي نفسها "سرايا قاسيون"، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقوفها وراء العملية، كما تبنت عمليات سابقة أخرى، غير أن هذه الجهة لم يكن لوجودها دليل ملموس على أرض الواقع، ما يضع الشكوك حول صناعتها اسمياً والوقوف وراءها من قبل جهات مجهولة.

ويعرف عن المنظومة الأمنية للنظام اختراعها الجهات المجهولة التي تقف خلفها لتنفيذ أجندات تصب بصالحها، ولا يزال العديد من أسماء جهات توصف بـ"الجهادية" أو "الإرهابية"، مجهولة المعلومات عن الأشخاص أو المكان أو التبعية إلا من بياناتها عبر الانترنت، يُعتقد أن النظام أو شخصيات وكيانات نافذة ضمن بنيته تقف وراء اختراعها صورياً.

وتحسب الفرقة الرابعة على إيران، وهذا ما يجعل فرضية استهدافها من قبل أطراف محسوبة على روسيا غير مستبعدة، كما تؤكد تقارير دولية ومعلومات كثيرة وقوف الفرقة بالمشاركة مع "حزب الله" وراء عملية صناعة وتجارة المخدرات، وتحديداً الكبتاغون، في سورية، وتهريبها إلى الخارج، وهذا ما يجعلها عرضة للاستهداف من قبل المنافسين لها.


فاتح حسون: استهداف حافلات نظام الأسد عمليات تتقاسمها العديد من الجهات المتصارعة

وقال الناشط الإعلامي الذي طلب تسميته عبد الله العبد الله، وهو مراسل حربي عمل مع قوات النظام في السابق، إنه من الممكن أن تكون تفجيرات حافلات المبيت التابعة لقوات النظام تجرى عبر مجموعات معارضة، غير أنه رجح في حديثٍ لـ"العربي الجديد" فرضية وجود غاية سياسية للنظام من وراء هذه التفجيرات المتواصلة.

وتابع: الفرقة الرابعة سيئة الصيت ليس بين السوريين وحسب، لكن حتى بين وحدات عدة في قوات النظام، فعملياً هي تحتكر كل شيء، من الحواجز وعائداتها إلى عمليات التعفيش والنهب وحتى تجارة الكبتاغون والمخدرات، لذلك، فلها أعداء كثر حتى ضمن المنظمة العسكرية والأمنية للنظام.

حسابات داخلية

من جهته، رأى المحلل العسكري العميد فاتح حسون أن "استهداف حافلات نظام الأسد وحواجزه وبعض ضباطه هو عمليات تتقاسمها العديد من الجهات المتصارعة في الساحة السورية، خصوصاً تلك العمليات التي لا يتبناها منفذ معروف".

وأضاف في حديث مع "العربي الجديد": "هناك عمليات في مناطق حمص والقريبة منها يتبناها تشكيل له ارتباطاته مع روسيا يسمى (سرايا المقاومة في حمص) ومعظم عملياته تنفذ ضد المليشيات الإيرانية فقط متجاهلاً الوجود الروسي في المنطقة، وهناك عمليات تجرى برعاية إيرانية ضد مليشيات محسوبة على روسيا في البادية السورية، وذلك لجعل خط نقل السلاح فيها آمناً بالنسبة لإيران ومليشياتها وخالياً من حواجز قريبة تتبع للاحتلال الروسي".

وتابع: "كما هناك عمليات ينفذها تنظيم داعش الذي يجرى التضييق عليه في مناطق، فيحاول تخفيف ذلك في مناطق أخرى، والمساومة على التهدئة، كما توجد عمليات تقوم بها قوات قسد، تهدف من خلالها لإظهار وجود قوة وسطوة لتنظيم داعش، لتجد لنفسها سبباً للبقاء وزيادة الدعم الأميركي لها".

وأشار حسون إلى أنه "لم يعد خافياً كذلك وجود عمليات محدودة تقوم بها أجهزة أمن نظام الأسد ضد بعض القياديين المتورطين بجرائم حرب أو باستخدام الأسلحة الكيميائية، أو مطلعين على ملفات سرية، ويجد النظام أنه بات من الأفضل التخلص منهم لأسباب عديدة"، مستدركاً: "لا ينفي ذلك وقوع عمليات يقوم بها بعض شرفاء الجيش الحر، الذين انتقلوا للعمل العسكري السري ضمن صفوف العدو وحلفائه وأذرعه، وهو مما نعول عليه في الثورة السورية، كون العملية السياسية متوقفة، ولا أمل أن تخطو بالاتجاه الصحيح".

وختم بالقول: "في المحصلة عندما يتعدد فرقاء الصديق والعدو، تختلط الأمور، وتستطيع كل جهة القيام بعمليات تنسبها لجهات أخرى زيادة في خلط الأوراق، وتحقيق مصالح محددة، غالباً تكون ذات توجه أمني".