الاتفاق النووي الإيراني: محاولات التعطيل والإحياء

29 نوفمبر 2021
محمد خاتمي في زيارة لمحطة نطنز النووية العام 2005 (هينغامه فاهيمي/فرانس برس)
+ الخط -

استأنفت، اليوم الاثنين، كل من إيران ومجموعة من القوى العالمية الكبرى اجتماعاتها في قصر كوبورغ في فيينا لإحياء الاتفاق النووي الإيراني. أتى ذلك بعد أن أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها فشلت في التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن تفتيش المنشآت النووية الإيرانية الرئيسية.
نفت إيران دائما محاولتها تطوير أسلحة نووية، وأكدت أنها ترحب بالعودة إلى الاتفاق النووي (خطة العمل الشاملة المشتركة للعام 2015) الذي يحد من أنشطتها النووية مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية.
وفي 20 سبتمبر/ أيلول الماضي، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن استعداد بلدها للعودة إلى مفاوضات فيينا بشأن الاتفاق النووي الإيراني.
ومطلع الشهر الجاري، قال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إن بلاده لن تتراجع عن مطالب شعبها خلال المفاوضات النووية، "التي ستُستأنف يوم 29 نوفمبر/ تشرين الحالي في فيينا".

نفت إيران دائما محاولتها تطوير أسلحة نووية وأكدت أنها ترحب بالعودة إلى الاتفاق النووي

وأضاف رئيسي أن "المفاوضات التي نتطلع إليها هي مفاوضات تفضي إلى نتائج، وهي رفع كامل للعقوبات الظالمة"، مشدّداً على "أننا لن نترك المفاوضات، ولكن سنقف أمام الأطماع التي تستهدف مصالح الشعب الإيراني".
أتاح الاتفاق لإيران في العام 2015 رفع الكثير من العقوبات المفروضة عليها، في مقابل تقييد أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها. الا أن مفاعيل الاتفاق باتت في حكم اللاغية مذ قررت الولايات المتحدة الانسحاب أحاديا منه، العام 2018، في عهد رئيسها السابق دونالد ترامب، الذي أعاد فرض عقوبات قاسية على طهران، التي قامت بعد نحو عام من الانسحاب الأميركي بالتراجع تدريجيا عن تنفيذ غالبية التزاماتها الأساسية بموجبه.

إسرائيل من أشد المعارضين للتفاوض مع إيران حول برنامجها النووي، وطالما رأت أن اتفاق العام 2015 لا يوفر أي ضمانات للجم إيران وتهديدات برنامجها النووي. 
وبدأت القوى التي لا تزال منضوية في الاتفاق، وبمشاركة أميركية غير مباشرة، مباحثات في فيينا هذا العام في محاولة لإحياء الاتفاق، بعد إبداء الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن استعداده لإعادة بلاده إليه. وأجرت الأطراف المعنية ست جولات من المباحثات بين نيسان/إبريل وحزيران/يونيو، قبل تحديد يوم الـ29 من الشهر الحالي موعدا لاستئنافها.

ما هي أبرز المحطات في البرنامج النووي الإيراني؟

في الخمسينيات من القرن الماضي، أطلقت إيران، بمساعدة من الولايات المتحدة الأميركية وحكومات أوروبية، جزءا من برنامج "الذرة من أجل السلام".
بعد الثورة الإيرانية عام 1979، أمر آية الله الخميني بحل أبحاث الأسلحة النووية السرية للبرنامج، لاعتقاده أن تلك الأسلحة تتعارض مع الأخلاق الإسلامية والفقه الإسلامي، قبل أن يسمح لاحقا بإعادة تشغيل البرنامج خلال حربه مع العراق.
بعد وفاة الخميني العام 1989، توسع البرنامج بوتيرة متسارعة، واشتمل على عدة مواقع بحث، واثنين من مناجم اليورانيوم ومفاعل أبحاث، ومرافق معالجة اليورانيوم التي تشمل ثلاث محطات لتخصيب اليورانيوم، على رأسها مفاعل بوشهر، أول المحطات النووية في إيران، الذي افتتح رسميا في 12 سبتمبر/أيلول 2011، بمساعدة من وكالة روساتوم الروسية الحكومية. 
وكشفت إيران عن سعيها لإنشاء مصنع جديد للطاقة النووية في دارخوين قدرته 360 ميغاوات. وأنها تسعى لتصنيع محطات متوسطة الحجم لإنتاج الطاقة واستكشاف مناجم اليورانيوم مستقبلا.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، انتقدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مجلس محافظي إيران. ورجحت في تقرير لها أن طهران قد أجرت البحوث والتجارب الرامية إلى تطوير قدرات الأسلحة النووية قبل عام 2003، وضع المفجر، ووضع نقط متعددة من المواد شديدة الانفجار، والتجارب التي تنطوي على إمكانية حمل صواريخ نووية على مركبات ناقلة. 
إيران رفضت تفاصيل التقرير واتهمت الوكالة الموالية للغرب بالتحيز، وهددت بخفض تعاونها مع الوكالة الدولية. 
أصبحت نطنز المنشأة الرئيسية لتخصيب اليورانيوم في إيران، وتضم حوالى 17 ألف جهاز طرد مركزي من نوع آي آر-1 من الجيل الأول، ونحو ألف جهاز من نوع آي آر-2 إم، وهي أسرع وتتميز بقدرة استيعاب تصل إلى 50 ألفا في الإجمال. 
وافقت طهران على أن تصبح نطنز منشأتها الوحيدة للتخصيب وأن تبقي فيه 5060 جهاز طرد فقط كلها من نوع آي آر-1. أما أجهزة الطرد من نوع آي آر-2 إم فستسحب وتوضع تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

إسرائيل من أشد المعارضين للتفاوض مع إيران حول برنامجها النووي، وطالما رأت أن اتفاق العام 2015 لا يوفر أي ضمانات للجم إيران

ما هي أهم بنود الاتفاق النووي للعام 2015؟

بعد سلسلة طويلة من المفاوضات، وقعت كل من إيران و"مجموعة 5 + 1" (تضم المجموعة: الولايات المتحدة وروسيا والصين والمملكة المتحدة وفرنسا، بالإضافة إلى ألمانيا)، اتفاقا في 14يوليو/ تموز العام 2015، دخل حيز التنفيذ في يناير/كانون الثاني 2016. 
يلزم الاتفاق إيران بخفض عدد أجهزة الطرد المركزي بنسبة الثلثين خلال عشر سنوات، والسماح بتشغيل 5000 جهاز فقط لتخصيب اليورانيوم في منشأة نطنز بنسبة 3,67 بالمئة خلال فترة 15 عاما.
وينص على خفض المخزون الإيراني من اليورانيوم ضعيف التخصيب من 10 آلاف كيلوغرام إلى 300 كيلوغرام على مدى 15 عاما، وعدم بناء أية منشآت نووية جديدة طيلة 15 عاما.
يتيح الاتفاق للوكالة الدولية للطاقة الذرية مراقبة منتظمة لجميع المواقع النووية الإيرانية وكل الشبكة النووية، بدءا من استخراج اليورانيوم وصولا إلى الأبحاث والتطوير، مرورا بتحويل وتخصيب اليورانيوم. وأيضا، تمكين مفتشي الوكالة من الوصول إلى مواقع عسكرية غير نووية بشكل محدود في حال ساورتهم شكوك في إطار البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر الانتشار النووي.
في المقابل، يتم رفع كل العقوبات الأميركية والأوروبية ذات الصلة بالبرنامج النووي الإيراني، والتي تستهدف القطاعات المالية والطاقة. فيما أبقى الاتفاق على العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة على الأسلحة المصدرة لإيران لخمس سنوات، مع إمكانية أن يمنح مجلس الأمن الدولي بعض الاستثناءات، على أن تبقى أي تجارة مرتبطة بصواريخ باليستية يمكن شحنها برؤوس نووية محظورة فترة غير محددة.

 

لماذا انسحبت إدارة دونالد ترامب من الاتفاق النووي؟

وقعت إدارة الرئيس باراك أوباما على الاتفاق، وكان الرئيس الحالي جو بايدن جزءا من فريق أوباما ونائبا له. لكن ترامب رأى في الاتفاق، بعد وصوله إلى البيت الأبيض، "واحدة من أسوأ وأكثر الصفقات أحادية الجانب التي دخلتها الولايات المتحدة على الإطلاق"، وطالما وصف تلك الصفقة، منذ انطلاق حملته الانتخابية، بأنها "مروعة ومثيرة للسخرية".
اعتقد ترامب أن الضوابط التي فرضها الاتفاق على أنشطة إيران النووية كانت متراخية، ولا تتوافر على أية ضمانات لفترة ما بعد انتهاء صلاحية الاتفاق في العام 2025. ورأى أن الاتفاق لا يحمل بعدا إقليميا، ولا ينطوي على أية نقاط تكبح الطموح الإيراني للهيمنة على منطقة الشرق الأوسط، وأن المسألة تتعلق بالنسبة له، أيضا، بما وصفه بـ"رعاية إيران الإرهاب" في منطقة الشرق الأوسط، وبتطويرها برنامج صواريخ طويلة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية وكيميائية، وهو ما يهدد حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة (السعودية وبقية دول الخليج وإسرائيل)، كما أن التدخل الإيراني في سورية لصالح نظام بشار الأسد يعد أمرا غير مقبول بالنسبة للولايات المتحدة. 
هدد ترامب بعدم تجديد التزام واشنطن بالاتفاق ما لم يتوصل إلى اتفاق جديد يملأ ثغرات الاتفاق القديم، الموقع في ولاية سلفه باراك أوباما، ويحجّم إيران.

رأى ترامب أن الاتفاق النووي للعام 2015  من أسوأ وأكثر الصفقات أحادية الجانب التي دخلتها الولايات المتحدة على الإطلاق

بعد انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة بقيادة ترامب في مايو/ أيار 2018 وإعادة فرض العقوبات عليها، عاودت إيران تخصيب اليورانيوم فوق المستويات المسموح بها بموجب الاتفاق، وقلصت تعاونها مع المفتشين الدوليين.

لماذا عملت إسرائيل على تقويض الاتفاق وما هي شكوكها حياله؟

تمتلك إسرائيل أسلحة نووية، وتتبنى حيال ذلك سياسة رسمية من الغموض المتعمد، مع ذلك، تعتبر أن امتلاك إيران سلاحاً نووياً بمثابة تهديد وجودي لها، وكانت إسرائيل قد اتخذت في وقت سابق قرارين بمفردها لتدمير مفاعلات نووية رأت فيها تهديدا، في العراق عام 1981، وفي سورية عام 2007.
تحدثت تقارير، قبل 10 سنوات، عن هجوم أميركي إسرائيلي منسق يتضمن استخدام فيروس كمبيوتر "ستوكسنت" لتعطيل البرنامج النووي الإيراني.
وتصاعدت حرب الظل بين الطرفين، وألقت إيران باللائمة على إسرائيل في اغتيال عالمها النووي البارز محسن فخري زادة بالقرب من طهران، وإلحاق أضرار في منشآتها النووية، خصوصا في نطنز. 

استبق بينيت انطلاق اجتماع فينا مؤكدا أن موقف إسرائيل من الاتفاق النووي لم يتغير وأنها ليست طرفا فيه، وغير ملزم لها

كما تنفذ إسرائيل ضربات عسكرية ضد الوجود الإيراني في سورية والمليشيات المتحالفة معها.
وعارض رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق بنيامين نتنياهو الاتفاقية النووية الموقعة عام 2015، وظل يعمل على تقويضها.
وفي حوار له مع مجلة "فورين بوليسي" الشهر الماضي، ذهب وزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس إلى أن إسرائيل "قد ترضى في المستقبل بالعودة إلى اتفاق نووي مبرم بين الولايات المتحدة وإيران"، غير أنه أضاف مستدركا "لكنّ المسؤولين الإسرائيليين يضغطون في نفس الوقت على الولايات المتحدة للتحضير الجدي لإظهار القوة في حال فشلت المفاوضات مع طهران"، وأن إسرائيل ترغب برؤية خطة أميركية بديلة (احتياطية) "قابلة للتطبيق تشتمل على ضغوط اقتصادية إذا فشلت المحادثات".

لكن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينت أكد الثلاثاء الماضي، في كلمةٍ له خلال مؤتمر "السياسة والأمن" في جامعة رايخمان في "هرتسليا، أن "إسرائيل" ليست طرفاً في الاتفاق النووي الذي تمَّ توقيعه بين إيران والدول الغربية، وهي غير ملزمة به، وموقفها منه لم يتغير".
وذهب بينت إلى أن "إيران من أكثر الدول تطوراً في برنامجها النووي"، مشيراً إلى أن "الإيرانيين حاصروا إسرائيل بالصواريخ وهم جالسون بأمانٍ في طهران. إنهم يضايقوننا من بعيد، ويستنزفون طاقتنا ويضروننا".
وفي وقت سابق، ذكرت تقارير أن إسرائيل قد خصصت مبلغ 1.5 مليار دولار إعدادا لضربة محتملة تشنها ضد المنشآت النووية الإيرانية.

المساهمون