على الرغم من أن المعطيات على الأرض لا تشير إلى جهود حقيقية لاستيعاب عودة اللاجئين السوريين من خارج البلاد، بل استمرار المخاوف الأمنية من ملاحقات تطاول العائدين، فإن نظام بشار الأسد يحاول استغلال هذا الملف لعقد صفقات لاستجرار الدعم المالي، أو مقايضة العودة بمطالب سياسية.
ولكن الأخطر أن الأمم المتحدة بدأت بالتنسيق مع النظام السوري لإعادة اللاجئين تحت مسمى "العودة الطوعية"، بدعوى توقف الحرب، وعودة الحياة الطبيعية في معظم المناطق، بما يتلاقى مع الدعاية السياسية للنظام.
وأعلن المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، أن المفوضية تستمر في العمل مع حكومة النظام للمساعدة في "خلق ظروف مواتية" لعودة اللاجئين إلى بلادهم.
وفي تصريحات له في الأردن الذي زاره قبل أيام آتياً من سورية، قال غراندي إن أسباب القلق بشأن عودة اللاجئين تعود للخشية من تجدد الأعمال العسكرية، والظروف الإنسانية، مشيراً إلى أن الأمم المتحدة تعمل "مع الحكومة السورية لتبديد هذه المخاوف".
ورأى أن "التعافي المبكر" وفق قرار مجلس الأمن "يجب أن يُنجز بشكل سريع، خصوصاً لجهة تأمين الكهرباء والمياه في بعض المناطق".
عقبات أمام عودة اللاجئين
وفي موازاة هذه التحركات، ذكرت "لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسورية" في تقريرها الـ26 الذي أعلنته منتصف الشهر الحالي، وقدمته إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أمس الخميس، أن الأوضاع في مناطق سيطرة النظام لا تزال تشكّل "عقبات أمام عودة آمنة وكريمة ومستدامة للاجئين"، مشيرة إلى "انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان الأساسية والقانون الدولي الإنساني في جميع أنحاء سورية".
وذكرت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" أنها راجعت التقرير الذي جاء في 50 صفحة، مشيرة إلى أنه وصف العام الحالي بأنه الأسوأ منذ اندلاع الحراك الشعبي على صعيد الوضع الاقتصادي والإنساني.
وشدّد التقرير على "انعدام الأمن في جميع المناطق الخاضعة للنظام السوري"، مشيراً إلى أن "قوات الأمن والمليشيات المحلية والأجنبية تسيطر على نقاط التفتيش ومراكز الاحتجاز وتسيء استخدام سلطاتها، وتمارس عمليات ابتزاز بحق المواطنين لتحصيل الأموال".
وكشف التقرير عن "استمرار عمليات الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والموت بسبب التعذيب ضد المواطنين، بمن فيهم اللاجئون أو النازحون العائدون إلى مناطق سيطرة النظام".
تقرير دولي: انتهاكات النظام السوري مستمرة بحق اللاجئين
كما حثت منظمات حقوقية دولية قبل أيام غراندي، على وقف برنامج العودة إلى سورية، وذلك تزامناً مع زيارته إلى دمشق. وجاء في الرسالة التي وجهتها منظمات العفو الدولية "أمنستي" و"هيومن رايتس ووتش" و"مراقبة حماية اللاجئين"، إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، أن "سورية غير آمنة للعودة"، داعية الأمم المتحدة إلى "وقف البرامج التي يمكن أن تحفز العودة المبكرة وغير الآمنة".
من جهته، شدّد الاتحاد الأوروبي في بيان الأسبوع الماضي على أن شروط العودة "الآمنة والطوعية والكريمة للسوريين لم تتحقق بعد". كذلك حذّر "الائتلاف الوطني السوري" المعارض، من مساعي الأمم المتحدة لإعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، مؤكداً أن ظروف العودة تتم عبر تحقيق الانتقال السياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254.
وتتزامن هذه التحركات مع جهود تبذلها بعض الدول المضيفة للاجئين المجاورة لسورية لتسريع عودتهم، بالتنسيق مع النظام. وفي هذا السياق، قال وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، عصام شرف الدين، في 31 أغسطس/آب الماضي، إن أول دفعة من العائلات السورية ستعود من لبنان إلى سورية بعد أيام قليلة.
وبحسب شرف الدين، فإن وزارته وضعت خطة عمل من أجل عودة السوريين، متحدثاً عن تنسيق مع النظام السوري الذي أبدى "استعداداً لاستقبال جميع الراغبين بالعودة مع التعهد بتوفير جميع متطلباتهم من مساعدات وخدمات وإقامة وطبابة وتعليم وغيرها".
من جهتها، ذكرت صحيفة "الوطن" السورية الموالية للنظام، في عددها الصادر الأحد الماضي، أن مراكز الأمن العام اللبناني بدأت "وبالتنسيق مع الحكومة السورية، بتسجيل أسماء اللاجئين السوريين الراغبين بالعودة الطوعية" إلى بلادهم، وسط توقعات بـ"انطلاق أول قافلة عودة بعد أيام تشمل نحو 15 ألف سوري". ويُقدّر عدد اللاجئين السوريين في لبنان (تصفهم السلطات اللبنانية بالنازحين) نحو 1.8 مليون نسمة.
وفي الأردن الذي يستضيف نحو 660 ألف لاجئ، أظهر مسح أجرته مفوضية اللاجئين بشأن نوايا اللاجئين السوريين بشأن العودة، إلى أن 36 في المائة منهم قالوا إنهم يرغبون في العودة في غضون 5 سنوات، في حين أشار 2.4 في المائة إلى أن لديهم نيّة للعودة إلى سورية خلال عام.
كما تبذل تركيا التي تستضيف العدد الأكبر من اللاجئين السوريين بما يصل إلى 3.6 ملايون لاجئ، جهوداً مماثلة لإعادة جزء منهم إلى سورية. وفي تصريحات له الاثنين الماضي، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن عودة اللاجئين السوريين من تركيا قد بدأت، وأن هدف أنقرة في بالدرجة الأولى هو إعادة مليون شخص إلى بلادهم بشكل تدريجي، وذلك بعد أن تم تأمين المنازل وتجهيز البنية التحتية هناك.
تعاني المناطق التي يسيطر عليها النظام من ضائقة اقتصادية وأزمات معيشية متفاقمة
غير أن المعطيات على الأرض لا تشير إلى جهود حقيقية لاستيعاب أعداد كبيرة من اللاجئين العائدين، إذ تعاني المناطق التي يسيطر عليها النظام من ضائقة اقتصادية وأزمات معيشية متفاقمة، ما يدفع الكثيرين إلى مغادرتها والبحث عن سبل للهجرة إلى الخارج، فضلاً عن الأوضاع الأمنية المتردية في بعض المناطق مثل الجنوب السوري.
ورأى الباحث شادي عبد الله، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "نظام الأسد لا يهتم بعودة اللاجئين، بل هو في الحقيقة لا يرغب بهذه العودة، خصوصاً للفئات المتحدرة من مناطق ثارت عليه، ويعتبر أن التخلص منهم كان أمراً جيداً، وفق نظرية (الشعب المتجانس) التي أطلقها رئيس النظام قبل سنوات، والذي وصف ملايين السوريين المعارضين بالخونة والجراثيم".
الأسد يبحث عن مكاسب سياسية واقتصادية
وأضاف عبد الله أن "النظام يسعى في هذا الملف إلى عقد الصفقات سواء مع الأمم المتحدة لاستجرار الدعم المالي تحت ذريعة إعادة تأهيل مناطق النازحين التي كان النظام نفسه دمرها عمداً في غالب الأحيان، أم مع دول الجوار مثل تركيا، محاولاً مقايضة عودة اللاجئين بقضايا سياسية، وكأنهم ليسوا مواطنين سوريين، وليس من حقهم الطبيعي العودة إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم".
وأوضح عبد الله أن "النظام الذي استباح طوال السنوات الماضية دماء وممتلكات اللاجئين، ينظر إليهم بشكل عام بعين الريبة، وحتى في مراسيم العفو التي يصدرها منذ سنوات، وظلت حبراً على ورق، ما زال يطلب من العائدين تسوية أوضاعهم الأمنية، ويقوم بتتبع أنشطتهم مذ كانوا في البلاد، وخلال فترة غيابهم، سواء كانوا غادروا بطريقة قانونية أم غير قانونية".
من جهته، لفت الصحافي غازي دحمان، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن أغلب اللاجئين في دول الجوار السوري وهم فعلياً يشكلون غالبية اللاجئين السوريين في العالم، يمتنعون عن العودة بسبب المخاوف الأمنية، حتى لو كانوا غير منخرطين في أي أنشطة مناهضة للنظام، بسبب عدم ثقتهم بالنظام وأجهزته الأمنية التي يمكنها أن تفبرك لهم أي تهم بهدف الانتقام الجماعي أو الابتزاز المالي.
ورأى دحمان أن الهاجس الأكبر بالنسبة للشبان هو تأدية الخدمة العسكرية التي تعني سوقهم نحو المجهول، فلا يعلمون متى تنتهي، إذ يجري تمديدها غالباً بداعي الحرب.