الأردن: جدل دستوري حول حكومة تصريف الأعمال وكورونا يحدد عمرها

04 أكتوبر 2020
توقعات باستمرار حكومة تصريف الأعمال لفترة أطول نسبيا بسبب الجائحة (Getty)
+ الخط -

أدى طلب العاهل الأردني عبدالله الثاني من حكومة عمر الرزاز  الاستمرار لتسيير الأعمال، بعد أن فرض الاستحقاق الدستوري استقالتها، لتصاعد الجدل حول قانونية استمرارها، والتشكيك في دستورية القرار.

ووجه ملك الأردن، أمس السبت، رسالة إلى الرزاز رداً على الاستقالة التي رفعها، قال فيها "إنني إذ أقبل استقالتك، أكلفك والحكومة بالاستمرار بتصريف الأعمال، وذلك لحين اختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة الجديدة"، مشدداً على "ضرورة العمل خلال هذه الفترة، بهمة وعزيمة ومثابرة، لأن التعامل مع وباء كورونا يقتضي العمل المركّز والمستمر، ومواصلة اتخاذ التدابير والإجراءات بخصوصه دون تباطؤ".

وفي فضاء النقاش السياسي الأردني، ثمة اختلاف اليوم في الآراء حول دستورية حكومة تصريف الأعمال؛ ففي الوقت الذي يقول فيه وزير العدل الأسبق إبراهيم العموش إن تكليف حكومة عمر الرزاز المستقيلة بتصريف الأعمال إجراء غير دستوري، ترى رئيسة ديوان التشريع والرأي فداء الحمود، أن حكومة تصريف الأعمال لا تعتبر مخالفة دستورية، معللة ذلك بكون الحكومة لم تكلف بشكل دائم؛ أما أستاذ القانون الدستوري في الجامعة الأردنية ليث نصراوين، فيقول إن العاهل الأردني  لم يُصدر إرادة ملكية بقبول استقالة حكومة الرزاز، وقبلها من دون إرادة ملكية، ومن ثم لا توجد أي مخالفة دستورية في تكليفها بتصريف الأعمال، بشرط أن يقتصر دورها على تسيير عمل المرافق العامة بشكل روتيني من دون أن تتخذ أي قرارات جوهرية.

وفي موازاة الجدل الدستوري، يستمر وباء كورونا في حصد أرواح الأردنيين، وتردي الوضع الصحي، فيما البطالة في أعلى مستوياتها بنسبة تبلغ 23%، كما تقترب مديونية الأردن من 45 مليار دولار،  والحريات في تراجع، والإصلاح الساسي مفقود.

ويرى الخبير في القانون والحريات العامة يحيى شقير، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الوثيقة العليا التي تحدد مثل هذه الأمور هي الدستور الأردني، وإذا خلا الدستور من بيان الحكم المتعلق بتسيير أعمال الحكومة بعد استقالتها، يتم اللجوء إلى العرف الدستوري بنوعيه: العرف المكمل والعرف المفسر.

تنص المادة (74-2) من الدستور الأردني على أن "الحكومة التي يحل مجلس النواب في عهدها تستقيل خلال أسبوع من تاريخ الحل، ولا يجوز تكليف رئيسها بتشكيل الحكومة التي تليه

ويضيف: "لقد سبق أن قدمت حكومات عدة استقالتها قبل تكليف رئيس وزراء بتشكيل حكومة جديدة، ويجري تكليف الوزراء المستقيلين أو الأمناء العامين بتسيير الأعمال، حتى تشكيل الحكومة الجديدة"، مضيفا أن هذا "العرف لا خلاف عليه، لكونه مكملا وليس مفسرا، والدستور الأردني يخلو من الحديث عن حكومة تسيير أعمال، وتكليف حكومة الرزاز مختلف بسبب التوقيت".

ويوضح أن "هذا يحدث للمرة الأولى منذ تعديل 2011، إذ تنص المادة (74-2) من الدستور الأردني على أن "الحكومة التي يحل مجلس النواب في عهدها تستقيل خلال أسبوع من تاريخ الحل، ولا يجوز تكليف رئيسها بتشكيل الحكومة التي تليه".

ويرى أن تكليف الملك للحكومة بتسيير الأعمال حتى تشكيل حكومة جديدة هو "عرف مكمل جديد"؛ أي ليس استمرارا للأعراف السابقة، بل هو عرف جديد، والعرف قد ينشأ من حدث مستجد.

وحول المدة التي ستستمر خلالها حكومة الرزاز بتسيير الأعمال، يقول شقير إنه "لا يوجد توقيت محدد منصوص عليه بالدستور؛ من الممكن أن تستمر يوما أو شهرا أو شهرين"، لافتا إلى أن أطول حكومات تصريف الأعمال عمرا في الأردن استمرت 30 يوما في السابق.

ويضيف أنه "لكل متضرر الحق في أن يطعن على أي قرار لحكومة تسيير الأعمال أمام المحاكم".

بدوره، يقول المحلل السياسي الأردني، زيد النوايسة، لـ"العربي الجديد"، إن عدم الإعلان بشكل مباشر عن تشكيل الحكومة الجديدة مرتبط بالأزمة الوبائية التي انفجرت في الرمق الأخير من عمر الحكومة، في ظل فشل الرزاز وفريقه الوزاري بالتعامل مع التطوات في انتشار المرض في المملكة"، لافتا إلى أن الحكومة التي أغلقت البلاد بعد تسجيل 10 إصابات بفيروس كورونا غير قادرة على التصرف حاليا في وقت نشهد فيه كل يوم تسجيل أكثر من ألف حالة.

ويرى أن "الملك أراد الالتزام بالاستحقاقات الدستورية، من خلال حل مجلس النواب، وإعادة تشكيل مجلس الأعيان، وقبول استقالة حكومة عمر الرزاز، لكن من الواضح أنه حتى الآن لم يستقر على الشخصية المناسبة لتشكل الحكومة المقبلة".

ويقول: "هناك جدل دستوري حول تكليف الحكومة بتسيير الأعمال"، مشيرا إلى أنه "كان يتم في السابق تكليف الأمناء العامين ووكلاء الوزارات بتسيير الأمور، ولكن الوضع اليوم مختلف ربما بسبب الجائحة".

وحول تشكيل الحكومة الجديدة، يوضح النوايسة أن "خيار بقاء حكومة تسيير الأعمال غير واضح، لكن إذا لم يكلف الملك شخصية معينة بتشكيل الحكومة قبل نهاية الأسبوع الحالي، فقد يمتد عمل حكومة تسيير الأعمال لما بعد الانتخابات النيابية، فتكون نتائج الانتخابات قد ظهرت وقبلها نتائج الانتخابات الأميركية، والتي لها أثر مباشر على السياسة الأردنية، وتكون  أيضا معالم الوضع الوبائي قد اتضحت".

ويشير إلى أن "العوامل الإقليمية والدولية مهمة في اختيار شخصية رئيس الوزراء القادم، لأن الاستحقاقات الدولية هذه المرة مفصلية"، مبينا أن "صاحب القرار قد يتجه لتكليف شخصية خلال الأيام القادمة وتغادر الحكومة فورا".

ووفق النوايسة، "تستطيع الحكومة الحالية إدارة الأمور بالصلاحيات المحددة لها، لكنها بهذا التكليف مضطرة لعدم الدخول في شبهات قد تضع قراراتها موضع الشك، والاكتفاء فقط بالتصرف ضمن أضيق الحدود وبما يتناسب مع التكليف الملكي".

من جهته، يقول الكاتب والصحافي الأردني محمد سويدان، لـ"العربي الجديد"، إن "جائحة كورونا هي السبب الرئيس في تأخير تشكيل حكومة جديدة، ومن الواضح أن الملك يريد من الحكومة الاستمرار في مواجهة الجائحة وفق الرسالة الموجهة للحكومة".

ويضيف أن "المؤشرات ترجح استمرار حكومة تصريف الأعمال لفترة ليست بالقصيرة، فلأول مرة تكون هناك رسالة ملكية حول تصريف الأعمال، ومطلوب منها العمل بمستوى عال، خاصة في مواجهة الحالة الصحية في البلاد".

ويرى أن "رئيس الوزراء المقبل لن يخرج عن الطريقة الاعتيادية لاختيار رؤساء الحكومات؛ فالملك سيختار الشخصية التي يراها مناسبة، ولن تكون مختلفة عن الحكومات السابقة".

ويتوقع سويدان مجيء شخصية جديدة لرئاسة الوزراء، لمواجهة الانتقادات الشعبية العالية لعملية الانتخابات، لافتا إلى أن "هناك مؤشرات على العزوف الشعبي عن الاقتراع رغم إعلان أغلب الأحزاب المشاركة في العملية الانتخابية".

المساهمون