اعتزال الحريري... الطموح لا يكفي لوراثته شعبياً ونيابياً

26 يناير 2022
كثرت الأسئلة حول تداعيات قرار سعد الحريري (Getty)
+ الخط -

في ضوء "تعليق" رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري عمله السياسي في هذه المرحلة، وعزوفه عن خوض غمار الانتخابات النيابية، "جارفاً" معه "تيار المستقبل"، تكثر الأسئلة حول الشخصية التي ستخلف الحريري سياسياً داخل الطائفة السنية، وحول تداعيات قراره.

وبات من الواضح أن تعليق الحريري، أمس الأول، عمله وعمل تياره السياسي، يعني إفساح المجال أمام طامحين كثر لخلافة سعد الحريري، وهم دائماً ما تعود أسماؤهم للواجهة عند كل "انتكاسة" له. 

ومن أبرز الشخصيات السنية عمته النائبة بهية الحريري، ونجلها أحمد، ورجل الأعمال والشقيق الأكبر لسعد، بهاء الحريري، والنائب نهاد المشنوق، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي لم يحسم قراره بعد بشأن المشاركة في الانتخابات النيابية أو العزوف عن هذا الأمر، بالإضافة إلى رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، ووزير العدل الأسبق أشرف ريفي، الذي غرد خارج سرب "تيار المستقبل". 

ويقول الكاتب والمحلل السياسي علي حمادة، لـ"العربي الجديد"، إن "انسحاب الحريري، وإن بشكل مؤقت، ليس بالحدث العادي أو العادل، لا في الحياة السياسية اللبنانية، ولا في البيئة التي ينتمي إليها الحريري".

علي حمادة: قيادات متوسطة أو صغيرة ستملأ فراغ الانتخابات

ويعتبر أن الحريري "لا يزال، حتى هذه اللحظة، يمثل الخط العريض للرأي العام في الوسط السني، ويمتلك أكبر كتلة نيابية وحده، يعني أكثر من 60 في المائة من عدد النواب السنة في البرلمان. كما ويحمل إرث رفيق الحريري، العميق في جذوره في الوعي والضمير السني، ودمائه التي تشكل رمزية مهمة داخل الطائفة السنية". 

خروج الحريري نكسة على المستوى الوطني

ويلفت حمادة إلى أن "الحدث ليس عابراً، وهو غير اعتيادي، لذلك يعتبر الكثيرون بأن خروج الرئيس سعد الحريري في هذه اللحظة يشكل نكسة، وسوف ينعكس اختلالاً في التوازن، ولا سيما على المستوى الوطني". 

ويوضح أن "كل البيئات، المكونة طائفياً للبنان، تتمتع بقيادات ذات طابع تمثيلي واسع، وبغياب الحريري اليوم الأمر بدأ يتغير في الوسط السني".

ويضيف: "بعد بضعة أيام، أو أسابيع، تتجاوز البيئة السنية الصدمة، وتبدأ البحث عن البدائل، التي وإن كانت موجودة في المناطق ذات الحضور السني إلا أنها لن تكون بحجم الحريري ولا يمكن مقارنتها بحجم إرث سعد الحريري". 

ويتابع "بالتالي فإن الفراغ سيملأ في الانتخابات النيابية، لكنه سيكون مختلفاً، ويقتصر على قيادات متوسطة أو صغيرة، مناطقية تتقاسم مجتمعة تركة الحريري".

ويؤكد حمادة أنه "لن يكون هناك بديل بحجم الحريري في الوقت الحاضر، وحتى إشعار آخر، حتى ضمن البيت المستقبلي، سواء عمته بهية، أو أحمد أو غيرهما، خصوصاً أنه كان واضحاً بدعوته تيار المستقبل لاتخاذ الخطوة نفسها التي أقدم عليها".

في المقابل، يشير حمادة إلى أن "الانتخابات لا تخاض فقط بأشخاص، بل عبر ماكينة انتخابية، وبالتالي فيها جانب تقني، يوازي لا بل يتعدى الجانب السياسي والشعبي، حيث إن ماكينة الحريري حصدت في الانتخابات الأخيرة 295 ألف صوت تفضيلي على صعيد لبنان، وهذا ليس بالأمر السهل تحقيقه". 

ومن الأسماء المعروفة في الوسط السني هناك، بهاء الحريري شقيق سعد الأكبر، وفؤاد مخزومي، وأشرف ريفي، ونهاد المشنوق وآخرون، وربما بإمكانهم أن يحققوا نتائج، كما يقول حمادة، لكن "بالوقت الحالي من المستحيل أن يحصد أي منهم تركة الحريري، خصوصاً أننا على مسافة أشهر معدودة من خوض الاستحقاق في مايو/أيار المقبل". 

تشكيك بحدوث الانتخابات النيابية في لبنان

وفي هذا السياق، يشكك حمادة في إمكانية حدوث الانتخابات النيابية في موعدها، نظراً لأن "البلد قد يشهد تطورات سلبية في المرحلة المقبلة، ومواجهات سياسية حادة، من دون أن ننسى تقاطع انسحاب الحريري مع المذكرة الخليجية التي قدمها وزير خارجية الكويت (الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح)، بما يشي بأن البلد مقبل على تطورات صعبة، والهدوء الذي ينعم به لبنان اليوم على الأرض قد يكون هدوء ما قبل العاصفة".

بدوره، يشير الكاتب والمحلل السياسي قاسم يوسف، لـ"العربي الجديد"، إلى أنه بات من الواضح أن السعودية طلبت من الحريري الجلوس جانباً، ليس هو فقط، بل كل تياره ودائرته الضيقة. 

ويعتبر أنها طلبت منه أيضاً دعم لوائح شخصيات سياسية، كرئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع والنائب عن بيروت فؤاد مخزومي وآخرين. 

ويلفت يوسف إلى أنه "سيُترك لكل الأشخاص خوض الانتخابات كل حسب منطقته وحجمه، وعندها سيصار إلى تكوين جبهة سياسية عريضة قريبة من الجو السعودي، بقيادة سمير جعجع، الذي يتمتع بأولوية قصوى، أقله في ثلاث عواصم خليجية، على رأسها السعودية والإمارات، ويتعاطون معه باعتباره زعيم لبنان المستقبلي الذي سيكون رأس حربة لمواجهة حزب الله". 

ويقول يوسف: "تاريخياً لم يكن للطائفة السنية زعامات كبرى عابرة للمناطق، بل كانت زعاماتهم الكبرى وطنية، مثل كمال جنبلاط، وجمال عبد الناصر وغيرهما، سواء كانوا لبنانيين وغير لبنانيين ليسوا من الطائفة، لكنهم كانوا يمثلون نبض الشارع السني في لبنان". 

ويشير إلى أنه "حتى أن جزءاً من الاشتباك بين الحريري وجعجع، وكنت على اطلاع عن قرب (عليه)، ارتبط إلى حد ما بأن جعجع بات في مرحلة من المراحل صاحب حضور كبير في الساحة السنية".

ويضيف: "ورغم ما يقال عن غضب من جمهور تيار المستقبل من جعجع، فإنه لا يزال يمتلك حضوراً كبيراً في الشارع السني نتيجة وقوفه بوجه "حزب الله"، التنظيم العسكري المسلح في أحداث الطيونة. وبالتالي فإن الساحة السنية قادرة على السير مع أي مشروع، أو شخص يحاكي إلى حد ما قوانين الاشتباك مع حزب الله"

بهاء الحريري يحتاج لغطاء عربي ليرث الموقع

في المقابل، يرى يوسف أن "بهاء الحريري بحاجة لغطاء عربي كبير ليرث الموقع". ويلفت إلى أنه "لا شخصيات سنية موجودة حالياً قادرة أن تؤسس لزعامة كبيرة، ولا سيما أن رفيق الحريري، ومن بعده سعد الحريري، رفعا السقف عالياً جداً، سواء مالياً أو على صعيد الحضور السياسي والدولي والعربي".

ويعتبر أنه "لا يمكن لأي شخص منافسته أو الحلول بديلاً عنه بهذا الحجم، حتى رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، الذي يعاني من ضمور سياسي، وما يزال زعيماً في طرابلس فقط، ولم يمتد حتى إلى عكار (شمال لبنان)".

ويتوقف يوسف عند المبادرة التي قدمها وزير الخارجية الكويتي أخيراً، والتي حملت شروطا سعودية واضحة لفك العزلة عن لبنان، وبشكل أساسي عند البند الأهم فيها، المرتبط بالقرار 1559 الذي يشي بأننا مقبلون على مرحلة دقيقة وحساسة جداً، وليس بعيداً أن تحمل توترات لحد الاغتيالات.

ويقول: نحن على باب مشهد يشبه حقبة 2005، ففي عام 2004 اتخذ يومها القرار، فكانت الرسالة الأولى لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورفيق الحريري عبر النائب مروان حمادة باغتياله، ومن ثم الثانية باغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري ودخلنا أزمة طويلة. 

قاسم يوسف: بهاء الحريري بحاجة لغطاء عربي ليرث الموقع
 

وأضاف: لم يعد موضوع القرار مطروحاً منذ أحداث 7 أيار العام 2008، باعتبار أن الشق الأساسي نفذ منه بانسحاب الجيش السوري من لبنان، ولم تكن مسألة سحب سلاح المليشيات خاضعة للنقاش، باعتبار أن هناك استراتيجية دفاعية. وتبعاً لذلك فإن فتح النقاش، تحديداً من الكويت مدعومة خليجياً واميركياً، وإلى حد كبير أوروبياً فتح الساحة على مواجهة كبيرة جداً.