بعد أن أسدلت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل الستار على الخلافات، على الأقل في الوقت الحالي، حول مشروع خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2"، الذي قد يكتمل تنفيذه الشهر المقبل، تعرضت الأخيرة لسلسلة من الانتقادات بخصوص الطريقة التي تم فيها العمل على تخطي الانقسامات الأوروبية العميقة حيال المشروع، وبالأخص مع دول شرق أوروبا، إذ وصفته ليتوانيا بالاتفاق الخاطئ، ورأت أنه كان من الممكن الحصول على مزيد من التنازلات.
وفي السياق، أشارت شبكة "إيه آر دي" الإخبارية إلى أن أوكرانيا حصلت على وعود على الورق إذا ما استخدمت روسيا الطاقة كسلاح، رغم أن كييف طالبت بضمانات أمنية، إلا أن المستشارة منحت الأولوية للعلاقات عبر الأطلسي. حتى إن ميركل تواجه اتهاماً في ألمانيا بأنها لم تشرك بشكل كافٍ شركاء الاتحاد الأوروبي، مثل بولندا ودول البلطيق، في التسوية، وخاصة أنها خلت من التزامات ملموسة لألمانيا ووعود غامضة للمستقبل.
ولا ينص الاتفاق على أي إجراءات عقابية إذا ما رفضت موسكو تمديد اتفاقية نقل الغاز مع أوكرانيا السارية حتى عام 2024.
من جهته، اعتبر المحلل السياسي رالف فوكس أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انتصر في معركة خط أنابيب الغاز، بعد أن كرست ميركل كل قدراتها لمشروع تكلل بنجاح دبلوماسي لبلدها، لكنه يضعف أوكرانيا ويدمر المناخ، في إشارة إلى أن كييف ستستسلم لإعلان النوايا غير الملزم والتعزية المالية. وفيما خص روسيا، فقد اعتبر فوكس أن المشروع "يمثل لبوتين بعداً جيوسياسياً منذ انطلاقته، وسيمنحه الآن حرية التصرف في زيادة الضغط السياسي والعسكري على أوكرانيا دون تعريض تجارة الغاز مع الاتحاد الأوروبي للخطر، ومن منطلق أن الاتفاق الحالي مع واشنطن ترك هذا الجانب مفتوحا"، موضحا بأن الحكومة الألمانية رفضت المقترح الأميركي بما يسمى شرط إيقاف التشغيل، إذ كان عندها أنه من الممكن قطع إمدادات الغاز إذا ما اتخذ الكرملين خطوات عدوانية ضد جيرانه من الأوروبيين، وأمام هذه الوقائع، خلصت الاستنتاجات والتحليلات الصحافية إلى ما مفاده بأن موسكو بات بإمكانها الاتكال أكثر على صادرات الغاز، وبالتالي تمويل ميزانيتها وتأمين النفوذ السياسي لبوتين.
الحكومة الألمانية رفضت المقترح الأميركي بما يسمى شرط إيقاف التشغيل، إذ كان عندها من الممكن قطع إمدادات الغاز إذا ما اتخذ الكرملين خطوات عدوانية ضد جيرانه من الأوروبيين
وفي خضم ذلك، أبرزت صحيفة "دي تسايت"، أخيراً، أن التصور السائد لدى معارضي "نورد ستريم 2"، من بولندا إلى جميع دول البلطيق وحتى فرنسا، هو أن الكرملين يضيف أداة خطرة إلى ترسانته الجيوسياسية، في حين أن خط أنابيب إمدادات الغاز الأوروبي غير ضروري بشكل أساسي، ويتزايد الآن الاعتماد على روسيا، وهذا ما يدفع بوتين وبارتياح لأن يشهد على الانقسام في أوروبا، وكل هذا مهم لفهم سبب كون التسوية التي تم التوصل إليها الآن بين الولايات المتحدة وألمانيا ليست أكثر من محاولة واهية للتخلص من المشكلة في الوقت الحالي، وبعد كل شيء، تحتفظ الحكومة الأميركية بالحق في معاقبة موسكو حتى الانتهاء من "نورد ستريم 2"، وهذا أمر مؤكد على الأقل في ضوء رفض الكونغرس للمشروع، وإذا ما كان هناك قرار فبالكاد يمكن للرئيس الأميركي جو بايدن تجنبه.
وأضافت الصحيفة عينها أن العقوبات المحتملة لم يتم تحديدها بطريقة ملزمة، واقتصرت على التعبير عن النوايا مع عدم وجود آلية بفرض عقوبات على موسكو في حالة العدوان على أوكرانيا، ومن المشكوك فيه ما إذا كانت الحكومة في برلين ستضع حقا المصالح الأمنية لأوكرانيا في المقام الأول في مثل هذه الحالة. عدا عن ذلك، فإنه وعلى الرغم من مخاوف الجيران الأوروبيين والتحذيرات الأميركية والتهديدات في عهد دونالد ترامب، فإن ألمانيا دفعت بالمشروع حتى بدت الصفقة مع روسيا أكثر أهمية، وخلصت إلى أن الأمر يجب أن يتبدل بعد الانتخابات العامة، وبخاصة إذا ما شارك الخضر في الحكومة، لا سيما وأن الحزب البيئي اتخذ موقفاً واضحاً ضد خط الأنابيب، وأن ميركل لن تقرر بعد الآن ما سيترتب على الاتفاق مع الولايات المتحدة.
وفي ما خص مضي الولايات والمتحدة وألمانيا قدماً في الاستثمارات وتوسيع مصادر الطاقة النظيفة في أوكرانيا من أجل تحسين مستوى الإمداد في البلاد وتقليل اعتمادها على الغاز من خلال تعزيز إنتاج الهيدروجين، فإن الأمر ليس سيئاً، وفق الصحيفة، لكن يتطلب مساراً طويل المدى لن تدرجه روسيا بسرعة في حساباتها، والأمر نفسه ينطبق على دعم محادثات الطاقة في إطار ما يسمى بمبادرة البحار الثلاثة لبلدان وسط وشرق أوروبا، وهذا أيضا لا يزال بعيدا عن أن يكون وسيلة ملموسة لمساعدة أوكرانيا وكبح القوة السوقية لروسيا. مع العلم أن الخط، ومع دخوله حيز التشغيل، سيمد سنوياً الساحل الشمالي لألمانيا، وبعدها الأسواق الداخلية الأوروبية، بحوالى 55 مليار متر مكعب من الغاز الروسي.