فتحت تصريحات لقيادي في "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، أكد فيها اصطفاف هذه القوات مع حزب العمال الكردستاني في أي اقتتال بين الأخير وإقليم كردستان العراق، الباب مجدداً أمام أسئلة عدة متعلقة بأهداف "قسد" ومصير الحوار الكردي-الكردي المتوقف حالياً بسبب تباينات وخلافات بين أطرافه، على رأسها مسألة الارتباط بحزب العمال. وقال محمود برخدان، القيادي في "قسد"، التي يهيمن عليها حزب "الاتحاد الديمقراطي"، في تصريحات له الإثنين الماضي: "إذا ما جرى أي اقتتال بين قوات البشمركة وحزب العمال الكردستاني داخل إقليم كردستان العراق، لن نقف مكتوفي الأيدي، وسنقف إلى جانب العمال الكردستاني".
ويشوب توتر يصل إلى درجة العداء العلاقة بين قيادة إقليم كردستان العراق وحزب العمال الكردستاني الذي يتخذ من جبال قنديل على الحدود المشتركة بين العراق وتركيا وإيران معقلاً أساسياً له. وقتل أخيراً عدد من عناصر البشمركة في شمال العراق، في كمين نصبه مسلحو حزب العمال.
واستدعت تصريحات برخدان على الفور بياناً من قبل "المجلس الوطني الكردي" في سورية، والمدعوم سياسياً من كردستان العراق، استنكر فيه "هذه التصريحات المسيئة والتي تزيد التوتر والقلق لدى أبناء شعبنا، وتستهدف خصوصيته في سورية وقضيته القومية".
كدو: أصبح الحوار الكردي على المحك وربما بات بخطر كبير
من جانبه، قال القيادي في "المجلس الوطني الكردي"، شلال كدو، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "تصريحات قيادات حزب الاتحاد الديمقراطي في الآونة الأخيرة مقلقة للرأي العام في سورية، كونها لا تخدم السلم الأهلي والحالة السورية بشكل عام". وأشار إلى أنّ تصريح برخدان "يتعارض مع أسس الحوار الكردي-الكردي في سورية الذي وضعته الولايات المتحدة وفرنسا"، مضيفاً: "أصبح هذا الحوار على المحك وربما بات بخطر كبير، كون هذه التصريحات تتوالى من قياديين في حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يحاول دق المسامير الأخيرة في نعش هذا الحوار". واعتبر كدو أنّ تصريحات برخدان "تؤكد أنّ أجندة حزب الاتحاد الديمقراطي لا تتعلق بالقضية الكردية في سورية، بل بأجندات حزب العمال الكردستاني ليس إلا".
وفتحت تصريحات القيادي في "قسد" الباب أمام أسئلة كثيرة حول المرجعية السياسية والعسكرية لهذه القوات، ومدى ارتباطها بمنظومة حزب العمال الكردستاني في المنطقة عموماً. ولطالما اتُهمت "قسد" من قبل المعارضة السورية ومن الجانب التركي بأنها الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني الذي تهيمن كوادره على مفاصل مهمة؛ عسكرية وأمنية واقتصادية في الشمال الشرقي من سورية، الخاضع لسيطرة "قسد" التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي.
ومن المرجح أن تزيد هذه التصريحات المشهد الكردي السوري تعقيداً، في ظلّ مراوحة الحوار بين "المجلس الوطني الكردي" وحزب "الاتحاد الديمقراطي"، وهما أكبر كيانين سياسيين كرديين سوريين، مكانها منذ أواخر العام الفائت، بعد فشل الطرفين بالخروج باتفاق بشأن تشكيل مرجية سياسية واحدة للأكراد السوريين وفق رغبة الولايات المتحدة الأميركية، تمثلهم في الاستحقاقات السياسية، على الرغم من خوضهما جولات تفاوضية عدة. وتشكل العلاقة بين حزب "الاتحاد الديمقراطي"، المهيمن على "قسد" عن طريق ذراعه العسكرية "الوحدات"، وبين حزب العمال، عقبة كبيرة في طريق الوصول لاتفاق.
ويرفض "الاتحاد الديمقراطي" مبدأ فك الارتباط مع حزب العمال والمصنف لدى عدد من الدول كمنظمة إرهابية، وهو ما أدى إلى توقف الحوار الذي بدأ في إبريل/ نيسان من العام الفائت برعاية من وزارة الخارجية الأميركية. ولم تضغط واشنطن حتى اللحظة بما يكفي لدفع حزب الاتحاد إلى طرد كوادر حزب العمال الكردستاني من سورية، والسماح بدخول "البشمركة السورية" (الجناح العسكري للحزب الديمقراطي الكردستاني السوري) من إقليم كردستان، والتشارك في القرار الأمني والعسكري والاقتصادي مع القوى السياسية في المنطقة، وأبرزها "المجلس الوطني الكردي".
يرفض "الاتحاد الديمقراطي" مبدأ فك الارتباط مع حزب العمال
وكان نائب رئيس "رابطة الكرد المستقلين"، رديف مصطفى، قال قبل أيام في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ قسد "هي مليشيا تتبع لحزب العمال الكردستاني"، لافتاً إلى أنّ هذه القوات "ترسل قسماً من عائدات النفط في شرق سورية لحزب العمال الكردستاني".
وتقع أكبر حقول النفط في سورية تحت سيطرة "قسد"، التي تفرض سيطرة شبه مطلقة على أكثر من ربع مساحة سورية منذ مطلع عام 2019، بعدما أعلن التحالف الدولي القضاء على تنظيم "داعش" في منطقة شرقي نهر الفرات. وأغلب القياديين في "قسد" من الأكراد السوريين، بمن فيهم قائد هذه القوات مظلوم عبدي، وبعضهم أعضاء في حزب العمال الكردستاني، عادوا إلى شمال شرقي سورية مع الأشهر الأولى من عمر الثورة السورية وشكلوا بتسهيل من النظام "وحدات حماية الشعب" التي تحولت لاحقاً إلى النواة الصلبة لـ"قوات سورية الديمقراطية" بترتيب من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. وتحظى هذه القوات بدعم عسكري وسياسي كبيرين من التحالف الدولي الذي يحاول بعض أعضائه تعويم "الإدارة الذاتية" ذات الطابع الكردي التي يقودها حزب "الاتحاد الديمقراطي"، سياسياً، لتكون لاعباً رئيسياً في أي حلول مستقبلية للقضية السورية، على الرغم من ارتباط هذا الحزب البيّن بحزب العمال.
إلى ذلك، ذكرت مصادر محلية في منطقة القامشلي بشمال شرق سورية، لـ "العربي الجديد"، أن "هناك استياء من قبل الأكراد السوريين من هيمنة كوادر حزب العمال الكردستاني على القرار في شمال شرقي البلاد"، مشيرة إلى أنّ القضية الكردية في سورية "وطنية". وأضافت المصادر "يجب ألا يتحول الأكراد السوريون إلى ورقة بيد أحزاب عابرة للحدود".