تثير الاشتباكات في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أسئلة حول تداعياتها على ليبيا، على الصعيدين السياسي والأمني في حال طالت مدتها، خصوصاً مع ارتباط السودان بملف المقاتلين الأجانب والمرتزقة في ليبيا.
ولم يصدر عن أي من قادة ليبيا مواقف واضحة بشأن الصراع الدائر في السودان. واكتفت حكومة الوحدة الوطنية بمطالبة مواطنيها في السودان بتوخي الحذر، والإعلان عن تشكيل لجنة حكومية لمتابعة أوضاعهم، والاستعداد لإجلائهم في حال اضطرت إلى هذا الأمر.
في المقابل تلتزم قيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي تسيطر قواته على الجنوب الشرقي المتاخم للسودان، الصمت حتى الآن. لكن رئيس هيئة التنظيم والإدارة العسكرية بالجنوب، التابع لقيادة حفتر، العميد عبد السلام البوسيفي، وجّه نداء إلى "رئاسة الأركان شرقاً وغرباً لسرعة تفادي الموقف" عبر إغلاق الحدود مع السودان، و"تكليف قوات عسكرية بحمايتها، ومنع أي تسلل، ووضع طائرات للاستطلاع بمطار الكفرة" القريب من الحدود. إلا أن قيادة حفتر لم يصدر عنها أي تجاوب، أو تعليق على ندائه.
موسى تيهو ساي: انسحاب الجنجويد من الجنوب الليبي للمشاركة في القتال الدائر في السودان سيشكل إحراجاً لحفتر
ووفقاً لتصريحات البوسيفي لوسائل إعلام ليبية، أمس الأول، فإن الاشتباكات في السودان "سيكون لها تأثير على الوضع في ليبيا، ما لم تُتخذ خطوات سريعة وجادة لتجنب تداعياتها". وأضاف: "أعتقد أنها ستكون حرباً طويلة الأمد، وعلينا الاحتذاء بتشاد التي أغلقت حدودها إغلاقاً تاماً منذ بدء الاشتباكات في السودان"، معتبراً أن الجنوب الشرقي الليبي سيكون الأكثر تأثراً إذا امتدت الاشتباكات إلى ليبيا.
وبالإضافة للحدود المشتركة مع السودان، يعاني الجنوب الليبي من فراغ أمني كبير، ومن غياب لسيطرة المؤسسات الرسمية وخدماتها. واستغلت العديد من الحركات الأفريقية المسلحة هذا الفراغ للتوزع فيه، بحثاً عن نقاط تمركز تنطلق منها لمعارضة السلطات الرسمية في بلدانها، ومنها أعداد غير معروفة من مسلحي "الجنجويد"، الذين انبثقت عنهم قوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).
"الجنجويد" في الجنوب الليبي
"الجنجويد" موجودون في الجنوب الليبي منذ أعوام، كحلفاء لحفتر. وانضموا للقتال في حروبه العديدة، لا سيما في هجومه على العاصمة طرابلس في 2019 و2020، بالإضافة إلى تأمين مواقعه العسكرية والحيوية في الجنوب الشرقي للبلاد. وكان السودان أولى محطات جولة أفريقية قام بها المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي، قبل أسبوعين، وشملت تشاد والنيجر، لمناقشة ملف إخراج المقاتلين الأجانب والمرتزقة من ليبيا. لكن الباحث الليبي المتخصص في الشؤون الأفريقية موسى تيهو ساي لا يرى أن العلاقة بين حفتر وحميدتي عميقة ومتينة، فـ"الارتباط بينهما براغماتي بالأساس، وحفتر لم يعد بحاجة لقوات حميدتي بالمستوى السابق نفسه".
انسحاب "الجنجويد" سيشكل إحراجاً لحفتر
ويعتبر تيهو ساي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "انسحاب الجنجويد من الجنوب الليبي للمشاركة في القتال الدائر في السودان سيشكل إحراجاً لحفتر، الذي لا يزال يبرر للمجتمع الدولي استمرار وجود مرتزقة فاغنر (الروس) في الجنوب الليبي، بأنهم ليسوا الوحيدين، فهناك مرتزقة حركات أفريقية أخرى، في إطار إنكار لارتباطه بهم". ويلفت تيهو ساي إلى أن صراع الجنرالات الحاصل في السودان "ستكون له في كل الأحوال ارتدادات سلبية جداً على ليبيا، على المستويين السياسي والأمني، باعتبار الارتباط الحدودي، ووجود العناصر السودانية المسلحة المرتبطة بحميدتي بشكل مباشر، خصوصاً أنها موجودة منذ سنوات في الجنوب الليبي وتتحرك بحرية بين البلدين".
وعلى المستوى الأمني، يعتبر تيهو ساي أن نجاح حميدتي أو فشله "سيمثل مشكلة بالنسبة لليبيا. ففي حال هزيمته سيكون الجنوب الليبي ملاذ مقاتليه وسيزداد حجم الجنجويد، وفي حال نجاحه ستقوى شوكة قواته الموجودة في الجنوب الليبي، وسيشكلون عرقلة حقيقية أمام جهود إخراج المقاتلين الأجانب من ليبيا". وحتى استمرار حالة الصراع في السودان ستشكل مشكلة لليبيا أيضاً، بحسب تيهو ساي، حيث "سيمثل الجنوب الليبي قاعدة خلفية لقوات الدعم السريع، خصوصاً في مسألة الدعم اللوجستي كتوفير الأسلحة، أو التزود بالأغذية، والأهم بالنسبة لهم التزود بالوقود، الذي أصبح الجنجويد أصحاب معرفة بطرق تهريبه، ويشجعهم على ذلك أكثر أن ليبيا تعد من أرخص الدول في أسعار الوقود".
ويشير إلى أن أقل الأضرار في هذه الحالة هي تضاعف عمليات تهريب الوقود الليبي باتجاه السودان، ما يزيد معاناة سكان الجنوب الليبي، بل ربما ستتأثر أسعار الأغذية والمؤن أيضاً بسبب تضاعف تهريبها نحو ساحات الحرب.
ويتابع تيهو ساي قراءته لتداعيات الأحداث السودانية على ليبيا، قائلاً إن "الصراع في السودان ليس صراعاً عابراً، بل له خلفيات قديمة وتراكمات طويلة، فلن ينتهي بشكل سريع، وذلك بسبب ارتباطه بالخارج".
ارتباط الصراعين الليبي والسوداني
ويوضح تيهو ساي أن "ارتباطات الصراع في السودان بالخارج تكاد تكون ذاتها ارتباطات الصراع السابق في ليبيا بالخارج، بمعنى أن أطرافاً خارجية تدعم الصراع الحالي في السودان كانت تدعم الصراع الليبي في السابق". ويلفت إلى أن روسيا أهم تلك الأطراف التي لا ترى أن استقرار السودان يخدم مصالحها، كما هي رؤيتها في ليبيا. ويضيف: "لن تسمح موسكو بهزيمة حميدتي الذي يشكل حاضنة لفاغنر في أفريقيا الوسطى والسودان، فهزيمته عملياً تعني هزيمة روسيا. وعلى الأقل لن تسمح بهزيمته بشكل كامل بنقل الوضع إلى حالة التفاوض السياسي، حيث يكون حميدتي لاعباً أساسياً فيها".
عبد المولى هدية: حتى لو افترضنا تغذية موسكو لحالة الصراع الحالي في السودان، فلن تسلم الساحة الليبية
ويعتبر أن "حميدتي يشكل حجر زاوية في النفوذ الروسي في كامل المنطقة وصولاً إلى ليبيا، وبالتالي سيخفف استمرار الصراع الضغط الدولي على موسكو بشأن إخراج فاغنر من المنطقة، بسبب أن الانشغال الدولي والإقليمي سيكون مركزاً على ما يحدث في السودان، خصوصاً إذا توسعت دائرة القتال "وكل ذلك سيفتح لموسكو مساحة لإعادة ترتيب أوراقها، بدءاً من ليبيا التي ستخف عنها الأضواء وصولاً إلى منطقة الساحل الأفريقي".
وعلى الصعيد السياسي، يؤكد تيهو ساي أن تداعيات الوضع في السودان على العملية السياسية في ليبيا ستكون كبيرة. ويشير إلى أن نجاح حميدتي سيعزز قوة مقاتليه في جنوب ليبيا، وفشله سيزيد عددهم، وفي كلا الحالتين سيكون من الصعب إجراء الانتخابات في ظل التهديدات الأمنية في الجنوب الليبي.
ويقول إن "التهديدات الأمنية ستزيد، لأن الفراغ في الجنوب الليبي كبير". وبرأيه، فإن "مليشيات خارجة عن القانون ستجد في أكثر من 2000 كيلومتر ممتدة من السودان حتى النيجر فسحة للنشاط في حال تزايد الفوضى، ما سيرفع منسوب القلق أيضاً على أمن المواقع النفطية الليبية، التي يقع أكثر من 60 في المائة منها في الجنوب. وكلها تحديات كبيرة بالنسبة للوضع السياسي في ليبيا، علاوة على تعقد ملف إخراج المقاتلين الأجانب والمرتزقة أيضاً". لكن الوضع لا يزال ضبابياً بالنسبة إلى أستاذ العلاقات الدولية بالأكاديمية الليبية عبد المولى هدية، الذي يرى أن ملامح من يقف وراء حالة الصراع في السودان لم تتضح.
وصول التداعيات في السودان بسرعة لليبيا
ويقول هدية لـ"العربي الجديد"، إنه "وحتى ولو كانت موسكو تغذي حالة الصراع الحالي في السودان، فلن تسلم الساحة الليبية، فمثلاً على حفتر المرتبط بالروس وحميدتي توضيح موقفيهما أمام الغرب الذي يقف مقابل موسكو ويخشى توغلها في العمق الأفريقي". ويشير إلى إمكانية أن تصل التداعيات السودانية إلى ليبيا سريعاً بدفع واشنطن والعواصم الغربية الأطراف الليبية باتجاه سرعة تكوين قوة مشتركة.
ويذكّر هدية أن "القصد الواضح من هدف تشكيل تلك القوة الليبية المشتركة وتوجهها إلى الجنوب بالنسبة لواشنطن وحلفائها الأوروبيين هو التضييق على فاغنر واستهداف المصالح الروسية، والآن الأوضاع في السودان قد تسرع هذا الإجراء وتجبر الأطراف الليبية على الدخول في صراع مسلح مع فاغنر، وربما الجنجويد وغيرها، وعندها لا يمكن التكهن بالنتيجة". ويرى هدية أنه من السابق لأوانه الحديث عن شكل تداعيات الوضع في السودان على الحالة في ليبيا، مشيراً إلى أن "صمت حفتر، والبعثة الأممية التي نشطت أخيراً في ملف المرتزقة، وأغلب القادة الليبيين والإقليميين، يعكس حالة الترقب قبل بناء أي مواقف".