لن يُخمِد استدعاء السفير الأردني في تل أبيب، غسان المجالي، المشاعر الشعبية المتأججة والمطالب العارمة في الأردن بقطع العلاقات مع دولة الاحتلال وإلغاء معاهدة "وادي عربة" (اتفاقية السلام بين الأردن وإسرائيل) والاتفاقيات الاقتصادية الموقّعة، وفتح الحدود أمام الراغبين في نصرة إخوانهم في فلسطين. لكن هذه الخطوة لبّت جزءاً من المطالب الشعبية في مواجهة جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي تقترفها ماكينة الحرب الإسرائيلية في غزة.
نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، أعلن، أمس الأول الأربعاء، استدعاء السفير الأردني في إسرائيل غسان المجالي إلى الأردن فوراً، تعبيراً عن موقف الأردن الرافض للحرب الإسرائيلية على غزة، والتي تقتل الأبرياء، وتسبب كارثة إنسانية غير مسبوقة، وتحمل احتمالات خطرة لتوسعها، ما سيهدد أمن المنطقة كلها والأمن والسلم الدوليين، بحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية. ووجّه الصفدي الدائرة المعنية في وزارة الخارجية وشؤون المغتربين بإبلاغ الخارجية الإسرائيلية بعدم إعادة سفيرها روجيل راحمان الذي كان غادر المملكة سابقاً، مبيناً أن عودة السفراء "ستكون مرتبطة بوقف إسرائيل حربها على غزة".
الحد الأدنى المطلوب أردنياً
وتعليقاً على استدعاء السفير المجالي، قال عضو مجلس النواب الأردني موسى هنطش، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الاحتلال يشن حرباً شعواء على الشعب الفلسطيني، واستدعاء السفير خطوة في الاتجاه الصحيح حتى وإن جاءت متأخرة، وهي تمثل الحد الأدنى من الموقف. وأضاف: في الأردن الضغط الشعبي قوي جداً، وهناك مساحة مسموحة للحركة وإقامة الفعاليات المتضامنة مع غزة، ومنذ أول يوم طلبت القوى الشعبية ومجلس النواب من الحكومة استدعاء السفير الأردني وطرد سفير دولة الاحتلال من عمّان.
وأشار إلى أن هناك العديد من المطالب المتعلقة بإلغاء الاتفاقيات (وادي عربة والغاز)، وكذلك إعادة التجنيد الإجباري لحماية الأردن وحفاظاً عليه، خصوصاً في ظل أطماع الاحتلال. وتابع: الأردن وفلسطين تاريخياً بلد واحد، والكثير من الفلسطينيين لديهم جواز أردني، مضيفاً أن جرائم العدو سرّعت باتخاذ هذه الخطوة، وكذلك زيارة العاهل الأردني عبدالله الثاني إلى دول الخليج وخصوصاً قطر.
هنطش: هناك موازين قوى دولية تعيق اتخاذ الأردن مواقف أكثر قوة
ورأى النائب الأردني أن هناك موازين قوى دولية تعيق اتخاذ الأردن مواقف أكثر قوة، فإسرائيل ليست قوية أمام الأردن، أو مصر، لكن المشكلة والصعوبة ترتبط بموقف الدول الغربية الداعمة لإسرائيل، وهي التي تدعم موازنة الأردن بمبالغ كبيرة فالدعم الاقتصادي الأميركي للأردن يصل إلى حوالي 1.5 مليار دولار.
تدهور العلاقات الأردنية الإسرائيلية؟
بدوره، قال رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية خالد شنيكات، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن هذه الخطوة الدبلوماسية تشير إلى تدهور العلاقات بين الأردن وإسرائيل، وهي جزء من الاحتجاج على الحرب على غزة. ورأى أن الأردن لن يخرج عن إطار العمل السياسي والدبلوماسي في جميع الأحوال، وسحب السفير واحد من الخطوات القوية في هذا الاتجاه، وربما تتبقّى بعض الخطوات التي من الممكن أن يتخذها الأردن، حسب التطورات في غزة، ومنها وقف التعاون الاقتصادي بين الطرفين، وربما يصل الأمر إلى وقف التعاون الأمني، على الرغم من ضرورة التعاون بين الطرفين فيما يتعلق بتمرير المساعدات ومرور الفلسطينيين عبر جسر الملك حسين (الكرامة) والتي لها أبعاد إنسانية تتعلق بالشعب الفلسطيني.
وأوضح أن الخطوات المستقبلية مرتبطة بتطورات الأوضاع خلال الأيام المقبلة، وربما تكون هناك خطوات أكبر إذا حدث تدهور أمني في الضفة الغربية، على الرغم من عدم وجود مؤشرات حتى هذا الوقت.
أما رئيس المجلس المركزي لحزب "المستقبل والحياة" عبد الفتاح الكيلاني، فقال لـ"العربي الجديد" إن الأوضاع لا تحتاج إلى تفسير، والعدو اليوم ليس الصهيونية فحسب بل الغرب أيضاً، مضيفاً أن "الدعم الأميركي واضح في العدوان على غزة، فالحرب كشفت عن الوجه السافر لأعداء الأمة".
الكيلاني: سحب السفير هو أهم موقف أردني على الأرض، على الرغم من أنه لا يتناسب مع حجم العدوان الحالي على غزة والمطالب الجماهيرية للشعب الأردني
واعتبر أن المطلوب من الحكومة الأردنية الكثير، على الرغم من أن مواقف عمّان متقدمة على الكثير من الدول، خصوصاً في إطار الجهود الدبلوماسية، مضيفاً أن سحب السفير هو أهم موقف أردني على الأرض، على الرغم من أنه لا يتناسب مع حجم العدوان الحالي على غزة والمطالب الجماهيرية للشعب الأردني. وتابع: المطلوب اليوم إلغاء اتفاقية "وادي عربة" وجميع الاتفاقيات الأخرى، فدولة الاحتلال لا مواثيق وعهود لها، ومن الواضح أن الصراع بيننا وبينهم هو صراع وجود وليس حدود وما يحدث في غزة يؤكد نظرتهم للعرب.
وشدد على أنه عندما يخرج الشعب الأردني في تظاهرات حاشدة وينفذ وقفات شعبية فهو يدعم الحكومة لاتخاذ مواقف قوية، معتبراً أنه لولا الحراك الشعبي لما كان من السهل على الحكومة اتخاذ قرار استدعاء السفير. وذكّر بموقف الأردن من الحرب على العراق وعدم الانضمام إلى التحالف، رابطاً ذلك باتخاذ موقف شعبي ورسمي موحد، لافتاً إلى أن المواقف تحاج إلى تضحيات، وكل من يحاول حماية بلاده يجب أن يكون مستعداً لدفع الثمن.
وثمّن الكيلاني الموقف الحكومي باستدعاء السفير، لكنه اعتبره خطوة تحتاج إلى خطوات أخرى استجابة للإرادة الشعبية، وموقف أكبر في ظل المجازر التي تحدث على غزة. ورأى أنه إذا استطاعت دولة الاحتلال تحقيق أهدافها في غزة، فربما يكون الدور المقبل على الأردن أو أي دولة عربية أخرى، مشدداً على أن المطلوب موقف عربي موحد وقوي تجاه العدوان على غزة.