تناولت صحيفة إنفورماسيون الدنماركية، اليوم الإثنين، السجال الذي فتحه تحقيق استقصائي سابق كانت نشرته مع مؤسسة "دان ووتش"، حول عمق مشاركة الدنمارك في انتهاك القوانين الدولية بمساعدة الاحتلال الإسرائيلي على قصف المدنيين في غزة، من خلال تصدير قطع حساسة لطائرات (أف 35).
وعلى صدر غلافها عنونت الصحيفة "قانونيون: الدنمارك تخرق القانون الدولي بتصدير قطع غيار للطائرات المقاتلة (أف35)"، وذلك للإشارة إلى خطورة "فشل وزارة الخارجية (الدنماركية) في تقييم مخاطر جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان عند تصدير برنامج أف35 باعتبارها ممارسة غير قانونية، وفقاً للخبراء القانونيين"، وهذه هي المرة الثانية التي تحتل فيها قضية جرائم الحرب غلاف الصحيفة خلال أيام قليلة، بعدما أشارت في نسخة 30 مارس/آذار إلى نتائج ما توصل إليه التحقيق الاستقصائي.
وعلى ما يبدو، فإن تجاهل الخارجية الدنماركية للتقرير ورفض التعقيب على النتائج يدفعان الصحيفة إلى طرح القضية كسلسلة تقارير عن "تصدير الأسلحة إلى إسرائيل" و"جرائم الحرب المرتبطة بها".
وهذه المرة قامت "إنفورماسيون" باستعراض آراء متخصصين في القضايا القانونية حول سياسات كوبنهاغن، "المتجاهلة تماماً للقوانين الدولية والأوروبية في مجال تقييم مخاطر استخدام ما يصدر في ارتكاب جرائم حرب".
ونوه القاضي الدنماركي وأستاذ القانون الدولي في جامعة دندي باسكتلندا، جاك هارتمان، بأن مسؤولية إجراء تقييم للمخاطر واضحة، لذلك "كان هناك انتهاك لقواعد الاتحاد الأوروبي المشتركة بشأن صادرات الأسلحة وكذلك معاهدة تجارة الأسلحة التابعة للأمم المتحدة".
وبنفس الاتجاه استعانت الصحيفة الدنماركية، لتسليط الضوء على عدم اكتراث سلطات كوبنهاغن على ما احتواه التقرير السابق عن مدى انتهاك القانون الدولي والإنساني، برأي أستاذ قانون دولي آخر وخبير في الحد من التسلح من جامعة أبردين، زيراي يديغو، الذي توصل إلى ذات الاستنتاج، مشدداً على أنه "تجب معاملة جميع الدول وفق نفس القواعد حين يتعلق الأمر بصادرات الأسلحة".
وذكر يديغو أن "الحديث هنا عن حقيقة أن المكونات الموردة (لطائرات أف35) يمكن أن تستخدم في انتهاك معاهدة تجارة الأسلحة وقواعد الاتحاد الأوروبي بشأن صادرات الأسلحة، وبالتالي يجب أن تكون السلطات الدنماركية على دراية بالالتزام بتقييم مخاطر تصدير المعدات"، بل واعتبر أنه يقع "على عاتق السلطات الدنماركية واجب ضمان استخدام الشحنات لأغراض قانونية، وفقاً لالتزامات الدنمارك الدولية".
وكان التقرير الاستقصائي المشترك بين صحيفة "إنفورماسيون" ومؤسسة "دان ووتش" فصّل، بشكل لا لبس فيه، كيف قامت شركة "تيرما"، لمعدات المقاتلات الحربية الأميركية، بتصدير قطع لتزويد (أف35) جرى استخدامها بقصف غزة في عامي 2021 و2022 حيث "قُتل 75 طفلاً نتيجة القصف الإسرائيلي"، مبرزاً قيام منظمتي العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش بالتحقيق في القصف الإسرائيلي، وخلصتا إلى أنها جرائم حرب محتملة.
وعلى الرغم من أن "تيرما" الدنماركية، بموافقة رسمية سياسية وأمنية وعدلية، تزود طائرات (أف35) بقطع هامة من خلال الشركة الأميركية المصنعة، لوكهيد مارتن، إلا أن ذلك، بحسب الخبراء في القانون الدولي، لا يعفي الدنمارك من مسؤولياتها.
ويلفت القانونيون، الذين استعانت بهم "إنفورماسيون" لمواصلة اتهام سلطات كوبنهاغن بالصمت عما يجري، إلى أن "السلطات الدنماركية منوط بها تقييم السماح بالتصدير أو عدمه"، ويعتمد هؤلاء على قواعد الاتحاد الأوروبي في الخصوص منذ 2008، حيث يقوم المبدأ الأساسي بدراسة ثمانية معايير قبل منح موافقة التصدير، بما في ذلك، وبشكل واضح، تقييم مخاطر "جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان".
وفي المادة الخامسة من قواعد الاتحاد الأوروبي نص واضح عن أن مسؤولية البلد المصدر للأسلحة ومعداتها تشمل التقييم حتى لو كان التصدير غير مباشر، أي أنه لا يتمّ مباشرة للاحتلال الإسرائيلي، بل لشركة مصنعة التي تعيد تصدير تلك الأسلحة، التي يُشك أنها تُستخدم في الانتهاكات المشار إليها في المبدأ الأساسي. وذات الشيء ينطبق أيضاً على معاهدة الأمم المتحدة من عام 2014، حيث تنص من بين أمور أخرى على أنه "يتوجب على السلطات تقييم استخدام الأسلحة في ارتكاب انتهاكات للقانون الإنساني الدولي أو انتهاك خطير لحقوق الإنسان الدولية".
وأشار القاضي الدنماركي، هارتمان، للصحيفة إلى أنه "إذا لم يجروا (الدنماركيين) تقييماً للمخاطر، فإنهم انتهكوا قواعد الاتحاد الأوروبي ومعاهدة الأسلحة".
في كل الأحوال، يشير الخبراء في تقرير "إنفورماسيون" إلى مسألة تعتبرها الصحيفة "غاية في الأهمية"، وهي تتعلق بالضحايا وإمكانية مقاضاة المسؤولين عن الانتهاكات، فإلى جانب رفع شكوى من قبل "الدولة المسؤولة عن الضحايا"، يذكر الخبير هارتمان أنه "من حيث المبدأ يمكن تحميل الدنمارك مسؤولية انتهاك القواعد الدولية، وذلك يتطلب رفعها (دعوى) أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي. صحيح أن نظام التقاضي الدنماركي لا يُسمح من خلاله رفع دعاوى إلا للأشخاص ذوي المصلحة القانونية ، وهو مختلف عن النظام البريطاني، إلا أن إطار المحكمة الدولية هو القناة لذلك".
وأشارت "إنفورماسيون" في نهاية تقريرها إلى أنها لم تستطع الحصول على تعليق من الخارجية الدنماركية "وأحالتنا في البداية إلى وزارة العدل، ومع ذلك أعادتنا وزارة العدل إلى الخارجية". وشددت الصحيفة على أنه "بالرغم من كل ما جاء في التقرير لم تقدم الخارجية الدنماركية جواباً حول ما إذا قامت السلطات بفحص الصادرات لبرنامج أف35، وتوافقه مع القانون الدولي".