على وقع تسوياتٍ "تُبنى" بين القوى السياسية التقليدية في لبنان على موقَعيْ رئاسة البرلمان ونيابته، نجحت ضغوطات نواب منتخبين حديثاً ولا سيّما "المُصنّفين في خانة التغييريين" بإزالة البلوكات الإسمنتية التي تزنّر مجلس النواب في ساحة النجمة – بيروت ومحيطه منذ انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019.
وأصدر المكتب الإعلامي لرئيس البرلمان نبيه بري، اليوم الإثنين، بياناً أعلن فيه أنه "بناء لتوجيهات الرئيس بري التي تقضي بإنجاز رفع الإجراءات وتخفيف التدابير التي كانت متخذة سابقاً حول المجلس النيابي، بدأت الجهات المعنية بتنفيذها وإنجازها قبل انعقاد الجلسة النيابية المقبلة"، في حين أعلن مكتب وزارة الداخلية والبلديات أن الوزير بسام مولوي يشرف على العملية عصر اليوم.
إزالة الحواجز الاسمنتية من محيط مجلس النواب! pic.twitter.com/L4nuKzcDCL
— bintjbeil.org (@bintjbeilnews) May 23, 2022
وأطلق عددٌ من النواب الجُدد، سواء من المستقلين أو الذين يمثلون "انتفاضة 17 تشرين"، سلسلة دعوات لإزالة البلوكات والحواجز الإسمنتية والفواصل الحديدية التي تعيق وتمنع دخول الناس إلى ساحة النجمة وذلك قبل دعوة النواب إلى الجلسة المخصّصة لانتخاب هيئة مكتب المجلس المؤلفة من رئيس ونائب رئيس وأميني سرّ وثلاثة مفوضين، والتي يفترض عقدها خلال 15 يوما من بدء ولاية المجلس النيابي الجديد (بدأت يوم الأحد 22 مايو/أيار الحالي).
وبنت السلطات اللبنانية إبان "انتفاضة 17 تشرين" جداراً من الكتل الخرسانية بالقرب من ساحة رياض الصلح، أطلق عليه المتظاهرون تسمية "جدار العار"، واتخذت إجراءات أمنية مشدّدة في محيط البرلمان لقطع الطريق أمام وصول المحتجين إليه أو الاقتراب منه وتعبيد مسار جلسات مجلس النواب التي كانت تعقد رغم الاعتراضات الشعبية بحيث لا يرى فيها المحتجون إلا مكاناً لاتخاذ قرارات غير قانونية وغير دستورية تهدف إلى تمرير صفقات وتسويات تفاقم معاناة الشعب اللبناني وتؤدي إلى مزيدٍ من هدر المال العام وإفقار الدولة.
في السياق، ترى النائبة حليمة القعقور، التي تعدّ من الوجوه البارزة التي عرفتها ساحات الحَراك الشعبي ومن الذين طالبوا برفع الإجراءات في محيط البرلمان، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "إزالة الحواجز الإسمنتية خطوة إيجابية بالاتجاه الصحيح"، مشيرةً إلى أن هذه "البلوكات لها رمزية خاصة باعتبار أنها بمثابة الجدار الذي وضعته السلطة بينها وبين الثوار لمنعنا كمتظاهرين حينها من الوصول إلى ساحة النجمة".
وأضافت "عند إطلاق برنامجي الانتخابي قلت إننا نريد أن تكون الثورة داخل البرلمان وخارجه، واليوم يمكن القول إن الثورة أصبحت فعلاً قادرة على أن تكون متصلة داخل البرلمان وخارجه من ساحة النجمة كما كلّ السّاحات"، مشددة على أن "إزالة الحواجز كانت مطلب الناس والثوار ومطلب كل شخص منّا".
ورأت القعقور أن "دخول بعض رموز قوى التغيير إلى البرلمان ستكون له تداعيات إيجابية على ديناميكية العمل السياسي، إذ إنه بمجرد خرق الساحة بلاعبين جُدد يتبعون أسلوب عمل مختلف يمكن فرض قواعد لعبة جديدة على كافة القوى السياسية".
على صعيد ثانٍ، أشارت النائبة الفائزة عن دائرة جبل لبنان الرابعة (الشوف وعاليه)، إلى أن التواصل والتنسيق موجود بين النواب الذين فازوا في الانتخابات النيابية ضمن لوائح التغيير، وهناك اجتماعات متتالية تعقد، منها اليوم، للتنسيق حالياً على شكل وحجم الكتلة التي نريدها أن تكون كتلة موحدة على أساس برنامج تشريعي يخاطب هموم الناس وحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية ويجتمع على الموقف من القضايا السياسية الأساسية.
بدوره، قال النائب عن بيروت وضاح الصادق، الذي مثل في الانتخابات المجموعات المدنية المستقلة، وكان أيضاً قد وجّه دعوة لإزالة الحواجز الإسمنتية، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا حاجة للجدران بعد اليوم، خصوصاً أن الشعب اللبناني قال كلمته في الانتخابات وأوصل المجلس النيابي الحالي، ومن الجيّد أن التجاوب حصل، إذ من المهم جداً أن يستعيد المجلس دوره الذي لم يمارسه منذ عقود خصوصاً على صعيد التواصل مع الناس".
وتحاول بعض الأحزاب التقليدية التي تصنّف نفسها معارضة للمنظومة الحاكمة، خصوصاً حزب "القوات اللبنانية" (يتزعمه سمير جعجع)، التواصل مع النواب المستقلين والذين يمثلون انتفاضة 17 تشرين والتنسيق معهم بشأن انتخاب رئيس للبرلمان واستمالتهم إليها، خصوصاً لموقع نائب الرئيس، الذي ينافس "القوات" غريمه "التيار الوطني الحر" (بزعامة النائب جبران باسيل صهر الرئيس ميشال عون) عليه.
في السياق، أكد وضاح الصادق أنه "أولاً إن قرارنا واضح بعدم انتخاب نبيه بري رئيساً لمجلس النواب، فهذه بداية عملية التغيير بالنسبة إلينا، بينما لم يحصل تشاور بعد في ما خصّ نائب الرئيس، وهناك اجتماع لتكتل التغيير الذي يضم حالياً 14 نائباً تقريباً سيبحث هذه النقاط".
وفي وقتٍ يستبعد فيه الصادق دعوة مجلس النواب إلى جلسة هذا الأسبوع، يلفت إلى أن التواصل موجود حالياً مع جميع النواب، سواء في إطار التهنئة أو الحديث عن المرحلة المقبلة، لكن لا يمكن لأحد استمالتنا، فمشروعنا واضح وأهدافه واضحة، ورؤيتنا لكيفية إنقاذ البلد وإعادة بنائه واضحة.
وفي إطار الاجتماعات بين "النواب التغييريين"، علم "العربي الجديد" أن اتجاه أكثرية النواب حتى الساعة لعدم انتخاب نبيه بري رئيساً للبرلمان، لكن الموقف لم يحسم حيال موقع نائب الرئيس الذي تنحصر فيه المنافسة حتى الساعة بين "القوات" و"التيار".
وبدأت مشاورات القوى السياسية واتصالاتها الجانبية للاتفاق حول موقعي رئاسة البرلمان ونيابتها، رغم نفيها في العلن حصول أي تسوية أو صفقة، خصوصاً على ضفتي باسيل و"حركة أمل" برعاية حزب الله، في وقتٍ تتجه فيه الأنظار إلى رئيس "التيار الوطني الحر" الذي يريد أن يضمن مقعد نائب رئيس مجلس النواب ويضغط للحصول عليه من بوابة وضع بري الدقيق لولايته السابعة في ظل المعارضة الكبيرة له من جانب بعض الأحزاب والمستقلين والنواب التغييريين.
من جهة أخرى، أصدر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، اليوم، تعميماً بشأن التقيد بأحكام المادة 64 من الدستور في معرض تصريف الأعمال وذلك بعد اعتبار الحكومة مستقيلة، وطلب إلى جميع الوزراء المستقيلين حصر ممارسة صلاحياتهم خلال فترة تصريف أعمال إدارتهم في نطاق الأعمال الإدارية العادية بالمعنى الضيق.