إدلب السورية ملف معقّد على طاولة أنقرة والأسد

15 سبتمبر 2024
معبر باب الهوى مع تركيا، 1 يونيو 2024 (رامي السيد/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تعقيدات المشهد في شمال غربي سوريا**: تسيطر "هيئة تحرير الشام" على إدلب وتدير كياناً شبه مستقل، وسط تفاهمات تركية روسية هشة منذ مارس 2020، مما يعكس حرص أنقرة وموسكو على تجنب اقتتال واسع النطاق.

- **التحديات أمام التقارب التركي السوري**: التقارب بين تركيا ونظام الأسد يواجه تحديات، خاصة مع سيطرة "هيئة تحرير الشام" ورفض الفصائل المعارضة الأخرى لأي تسويات جزئية، مما يزيد من تعقيد المشهد.

- **الدور الدولي والإقليمي**: المجتمع الدولي يفضل بقاء الوضع كما هو حتى التوصل إلى حل سياسي شامل، وتركيا تتعامل بحذر خوفاً من تدفق اللاجئين، مع ضرورة موافقة أميركية لأي تفاهمات حول إدلب.

يثير الانفتاح التركي على النظام السوري وخطوات التقارب البطيئة التي بدأت قبل نحو عامين، تساؤلات حيال العديد من الملفات المعقّدة في الواقع السوري، ومنها مصير الشمال الغربي من البلاد الخاضع لسيطرة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، والتي تعمل منذ سنوات على تشكيل كيان له، من حكومة وقوات عسكرية وقوى أمن داخلي وقضاء ومؤسسات اقتصادية وتعليمية ومعابر. وتُحكَم المنطقة التي تضم الجزء الأكبر من محافظة إدلب وبعض محيطها في أرياف حلب واللاذقية وحماة، منذ مارس/آذار 2020، بتفاهمات تركية روسية هشة. إلا أنها لم تسقط حتى اللحظة، على الرغم من التجاوزات المتكررة من قبل القوات الروسية وقوات النظام، ما يؤكد حرص أنقرة وموسكو على عدم انزلاق المنطقة المكتظة بالسكان إلى اقتتال واسع النطاق.

تعقيدات إدلب والشمال السوري

ومن غير الواضح ما إذا سيكون مصير الشمال الغربي من سورية أولوية على طاولة التقارب التركي مع نظام بشار الأسد، والذي يشترط انسحاباً عسكرياً تركياً من سورية، ما يعني خروج الجيش التركي من عدة قواعد له في ريف إدلب. لكن تعقيدات المشهد في شمال غربي سورية تؤكد أن مهمة تركيا ونظام بشار الأسد في التفاهم حول إدلب تحديداً، لن تكون سهلة على الإطلاق، في ظل وجود "هيئة تحرير الشام"، سلطة الأمر الواقع، التي تملك كياناً شبه مستقل تديره "حكومة الإنقاذ". وتلك الحكومة قوانين وشرطة وقضاء ومؤسسات تعليمية وجامعات ومعابر داخلية مع مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة في شمالي البلاد، ومعبر مع الجانب التركي هو معبر باب الهوى الحيوي، والذي تتدفق عبره المساعدات الإنسانية الدولية. وتخطط "الهيئة" لإجراء انتخابات في المنطقة الواقعة تحت سيطرتها، والتي تشهد بين وقت وآخر حراكاً شعبياً مناهضاً لـ"هيئة تحرير الشام" التي تتحكّم في كل مفاصل الشمال الغربي من سورية، بما فيها إدلب.

وفضلاً عن "تحرير الشام"، هناك فصائل معارضة منضوية تحت لواء "الجبهة الوطنية للتحرير"، يرابط مقاتلوها على خطوط التماس مع قوات النظام والمليشيات الإيرانية، ولها حاضنة اجتماعية واسعة، ترفض أي تسويات جزئية من شأنها تسليم الشمال الغربي السوري للنظام، بعيداً عن تطبيق القرار الدولي 2254 (عام 2015 المتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية). وهناك تنظيمات أكثر تشدداً قلصت "هيئة تحرير الشام" دورها وتأثيرها في شمال غربي سورية على مدى سنوات، أبرزها "حراس الدين". بيد أن أي تفاهمات تركية مع النظام لا يوافق عليها الشارع السوري المعارض، ربما تشكل فرصة لعودة هذه الفصائل المتشددة إلى المشهد مرة أخرى. ولم تتغير خريطة السيطرة على الأرض في الشمال الغربي من سورية منذ مارس 2020، إذ لم تتقدم قوات النظام والمليشيات في ريف إدلب الجنوبي، حيث خطوط التماس الأكثر سخونة. يأتي ذلك على الرغم من أن من أولويات النظام استعادة السيطرة الكاملة على الطريق "أم 4" الذي يربط الساحل بمدينة حلب شمالي البلاد، وهو طريق حيوي يمر بريف إدلب الجنوبي ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة "هيئة تحرير الشام" وفصائل المعارضة. ولم تنجح الجهود التركية الروسية منذ عام 2020 في استعادة الحركة على هذا الطريق، بسبب تعقيدات المشهد الأمني في المنطقة.

من جانبها، تلتزم "الهيئة" والفصائل بالتفاهمات التركية الروسية، ولم تقم بأي عمل عسكري واسع النطاق في المنطقة، على الرغم من أن من أولوياتها استعادة ثلاث مدن خسرتها في محافظة إدلب شمالي البلاد، أواخر عام 2019 وبدايات عام 2020، هي معرة النعمان وسراقب وخان شيخون، لإعادة سكانها المقدرين بمئات الآلاف إليها والذين يكتظ بهم الشمال السوري. ولا يبدو أن المجتمع الدولي يبدي اكتراثاً كبيراً بأوضاع الشمال الغربي من سورية، والذي من الواضح أنه يفضّل بقاءه على هذه الصورة حتى التوصل إلى حلّ سياسي للقضية السورية برمتها، وهو ما يبدو بعيد المنال. وتشير المعطيات إلى أن "هيئة تحرير الشام" ربما تتعاون أمنياً مع جهات إقليمية ودولية في سياق محاولات تقديم نفسها كجزء من حل لا مشكلة، خصوصاً على صعيد التخلص من رؤوس التنظيمات الأكثر تشدداً وتطرفاً. فقد نفذ التحالف الدولي عشرات العمليات التي طاولت قياديين من تنظيمي "داعش" و"حراس الدين" منذ عام 2019. من جانبها، تقارب أنقرة ملف الشمال الغربي بكثير من الحذر، لأنه قنبلة سكانية في حال انفجارها ستدفع ملايين السوريين إلى تركيا، التي تبذل جهوداً الآن للتخفيف من عبء نحو أربعة ملايين لاجئ سوري على أراضيها. وبحسب إحصائيات لفريق "منسقو استجابة سوريا"، منتصف العام الماضي، يبلغ عدد السكان في منطقة إدلب وريفها وريفي حلب وحماة الغربيين نحو 4.3 ملايين نسمة.

 فراس رضوان: أي تفاهمات حول إدلب تحتاج إلى موافقة وضوء أخضر أميركي

التركيز على ملفات أخرى

وعقب "اتفاق موسكو" المبرم في مارس 2020، والذي كان هدنة بعيدة الأمد، أدخل الجيش التركي آلاف الجنود إلى محافظة إدلب ونشرهم في عشرات النقاط والقواعد العسكرية، لعل أبرزها قاعدة معسكر "المسطومة" في ريف إدلب الجنوبي، وقاعدة تفتناز الجوية (مطار تفتناز العسكري)، شمال شرقي إدلب. ووفق مصادر في المعارضة السورية، فإن للجيش التركي 70 نقطة وقاعدة، منها في قمة النبي أيوب في منطقة جبل الزاوية وعلى خطوط التماس مع قوات النظام السوري ومليشيات إيران في أرياف إدلب. ويرى المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، في حديث مع "العربي الجديد"، أن ملف الشمال الغربي من سورية "ليس الأهم على طاولة التفاوض بين أنقرة ونظام الأسد"، معتبراً أن أي تفاهمات حول إدلب "تحتاج إلى موافقة وضوء أخضر أميركي". ويضيف أن "مصير إدلب يحتاج إلى حل سياسي توافق عليه واشنطن".

أحمد القربي: لا خصوصية لملف إدلب على طاولة التفاوض بين أنقرة والنظام

من جهته، يرى الباحث السياسي السوري أحمد القربي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الشمال الغربي من سورية ومصيره "من ضمن عدة ملفات أساسية في إطار التقارب التركي مع النظام"، مضيفاً أن "النظام ومن خلفه إيران يريد انسحاباً تركياً من الشمال السوري، وبطبيعة الحال هذا الشرط يشمل إدلب". ويقول: "لا خصوصية لملف إدلب على طاولة التفاوض، وهو يأتي ضمن سلة من الملفات، خصوصاً أن الموقف التركي في شمال غربي سورية أضعف منه في بقية المناطق التي تفرض أنقرة نفوذها عليها، سواء في غربي نهر الفرات أو شرقه". ويوضح القربي أن "التفاهم التركي الروسي في عام 2020 استثنى الفصائل المصنفة على قوائم الإرهاب من عدم التصعيد بما فيها هيئة تحرير الشام، لهذا تقوم موسكو بين وقت وآخر باستهداف هذا الفصيل". ويعتبر أن الجانب التركي في تقاربه مع النظام "يريد التركيز على ملفات أخرى بعيداً عن إدلب، خصوصاً ملف قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وملف اللاجئين السوريين على الأراضي التركية"، مضيفاً أن "لا شيء واضحا حيال ملف إدلب على طاولة التفاوض بين أنقرة ونظام الأسد".

المساهمون