فشل مفاوضات عمران خان والجيش: أزمات باكستان تتعقّد

15 سبتمبر 2024
مسيرة لـ"حركة الإنصاف"، إسلام أباد، 8 سبتمبر 2024 (فاروق نعيم/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تفاقم الصراع بين عمران خان والمؤسسة العسكرية**: اجتماع أنصار خان في إسلام أباد كشف عن عراقيل كبيرة، مما دفعه لإعلان وقف المفاوضات مع الجيش من سجنه.
- **تصاعد التوترات السياسية والأمنية**: تصريحات قياديين في حزب خان زادت من غضب الجيش، مما أدى إلى اعتقالات واسعة بين قيادات الحزب وتصاعد التوترات.
- **تأثير الصراع على الوضع الداخلي**: الصراع امتد إلى المؤسسات الأمنية والقضائية، مما يعكس حالة الانقسام العميق ويهدد الاستقرار الأمني والاقتصادي في البلاد.

قبل نحو شهر من اليوم، كان أنصار رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان وقيادات حزبه (حزب حركة الإنصاف) يتحدثون عن أن خان سيخرج من السجن قريباً، بل بعضهم كان يتوعد قيادات التحالف الحاكم، تحديداً حزب الرابطة الإسلامية التي يتزعمها رئيس الوزراء شهباز شريف، ويعدهم بالمحاسبة والعقاب حينما يُطلق سراح خان. وكان هؤلاء يراهنون على المفاوضات التي كانت تدور بين حزب خان وبين المؤسسة العسكرية والاستخبارات (التي تسمى محلياً بالدولة العميقة). وفعلاً، كانت المفاوضات بين حزب عمران خان والجيش الباكستاني تسير بشكل جيد، وسط ترقّب الإفراج عن خان، ولعل هذا ما جعل القيادي البارز في حزب خان المعروف بعلاقاته المتينة مع المؤسسة العسكرية فواد شودري (وزير الإعلام في حكومة خان المقالة في 2022) يقول، في 10 أغسطس/ آب الماضي، إن خان سيكون بين أنصاره خلال أسابيع، وليدفع وزراء الحكومة الحالية ثمن ما فعلوا وما يفعلونه.

لكن اجتماع أنصار خان في ضواحي العاصمة الباكستانية إسلام أباد، في التاسع من الشهر الحالي، كشف عن الكثير من الحقائق بعد أن واجه عراقيل كثيرة بخلاف ما كان يتوقعه خان وأنصاره، وبخلاف ما تم التوافق عليه بين حزب عمران خان والجيش من وراء الحجاب. فقد وقفت أجهزة الأمن ضد أنصار خان وأغلقت كل الطرقات في وجههم، بعد أن رفضت الداخلية السماح لهم بعقد الاجتماع في المكان الذي كان حزب خان يريده في العاصمة. ثم أقدمت الشرطة على اعتقال عدد كبير من أنصار خان وقيادات حزبه، وذلك بخلاف ما وعدت به المؤسسة العسكرية.

وقف مفاوضات عمران خان والجيش

قال خان، في حديث مع الصحافيين من سجنه بعد يوم من عقد الاجتماع، إن المؤسسة قامت بخدعة كبيرة، وهو لن يثق وحزبه بما تعده به، مؤكداً أن المؤسسة العسكرية طلبت منه إلغاء الاجتماع المزمع عقده في 22 أغسطس الماضي، في وقت كانت كل الإجراءات قد اتخذت، إلى حد أن قوافل أنصاره بدأت تتحرك صوب العاصمة. على الرغم من ذلك، لبّى دعوة المؤسسة العسكرية والاستخبارات وألغى اجتماع 22 أغسطس، ثم تحدث معها بشأن موعد آخر للاجتماع ووافقت على تاريخ التاسع من الشهر الحالي، لكن المؤسسة العسكرية من خلال الحكومة والشرطة لم تسمح له بما كان يريده أنصاره من خلال الاجتماع. وأعلن رئيس الوزراء السابق من سجنه وقف المفاوضات بين حزبه والجيش بشكل كامل، بحجة أن المؤسسة العسكرية لا تفي بما تتخذه على عاتقها، وأنه وحزبه لن يضيعا الوقت بالحديث مع هذه المؤسسة، وهو ما جعل أنصاره في حيرة من أمرهم. فقد كان هؤلاء ينتظرون خروج خان من السجن، وكانوا يظنون حتى صدور تصريحات خان أن ما حصل مع اجتماع التاسع من سبتمبر/ أيلول الحالي هو من أعمال الحكومة وليست للمؤسسة العسكرية أي علاقة بها. لكن تصريحات خان كشفت أن ما يجري خلف الكواليس من حوار بين حزب عمران خان والجيش لا طائل منه، خصوصاً أنه لم يبدل موقفه إزاء الكثير من المسائل التي ترغب المؤسسة العسكرية في تغييرها.

حمزة أمير: خان سيغير رأيه، إذ لا حل سوى الحوار مع الجيش

وتعليقاً على هذه التطورات، قال المحلل السياسي حمزة أمير، لـ"العربي الجديد"، إن الإعلان عن وقف المفاوضات بين حزب عمران خان والجيش مؤسف للغاية، "والقرار اتُخذ على عجل، فـحركة الإنصاف، بل خان نفسه كان مرتاحاً لأنه كان يتفاوض مع المؤسسة العسكرية". وأضاف أنه "على الرغم من أن المفاوضات فشلت، لكن هذا لا يعني أنها غير ممكنة في الأيام المقبلة، لأن خان سيغير رأيه، إذ لا حل سوى الحوار". لكن السؤال الأهم، وفق أمير، "هل ستقبل المؤسسة العسكرية الحوار وهل هي جادة في ذلك، ومستعدة لأن تتنازل من أجل خان؟". وعكس توقّع العديد من المراقبين بأن خان سيرجع قريباً إلى موقفه السابق وسيستأنف الحوار مع المؤسسة العسكرية، إما من خلال اللجنة التي شكلها من حزبه وعلى رأسها رئيس وزراء حكومة إقليم خيبربختونخوا علي أمين كنده بور، أو من خلال الوسطاء، أعلن خان أن لا مفاوضات مع الجيش، مطالباً أنصاره بأن يتأهبوا من أجل النزول إلى الشارع. وقال في بيان، يوم 11 سبتمبر الحالي، إن "الحفاظ على الحرية والحصول على الحق يحتاجان إلى تضحيات كبيرة، لذا أطلب من أنصاري أن يستعدوا للنزول إلى الشوارع ولينتظروا ندائي، نحن لن نرجع إلى الوراء، ماضون على دربنا، ولتفعل المؤسسة العسكرية ما يحلو لها".

غضب المؤسسة العسكرية

في هذه الأثناء، حصلت تطورات أثارت غضب المؤسسة العسكرية، منها تصريحات نارية لقياديين في حزب خان في اجتماع إسلام أباد، وعلى رأسهم المفاوض الرئيسي مع الجيش علي أمين كنده بور، فمعظم القياديين وجهوا اتهامات إلى الجيش معتبرين أنه مسؤول عن الأحوال السائدة في البلاد. كما هدّد أمين كنده بور الحكومة، ومن ورائها الجيش، بحال عدم الإفراج عن خان خلال أسبوعين، بأن أنصار خان سيفرجون عنه بالقوة من خلال مداهمة السجن الموجود فيه، مشدداً على أن كل التهم الموجهة إلى خان ملفقة. كما أعلن كنده بور أنه سيقوم بالتفاوض مع أفغانستان لحل الوضع الأمني الذي يكاد يخرج عن سيطرة الجميع، وقال إن القبائل البشتونية وسكان شمال غرب باكستان يدفعون الثمن، من هنا هو وحده سوف يتفاوض مع أفغانستان بصفة رئيس الوزراء لإقليم يحاذي أفغانستان. وفعلاً، ذهب كنده بور إلى القنصلية الأفغانية في مدينة بشاور في 12 سبتمبر الحالي، وتشاور مع المسؤولين من "طالبان" هناك للمضي قدماً في الحوار.

هذه الخطوة أثارت استياء الجيش والحكومة معاً. وقال وزير الدفاع خواجه آصف، في تصريح له، إن المساس بأمور تتعلق بالسياسة الخارجية والتعامل معها بشكل فردي أو حزبي يعتبر خيانة للدولة، ولا بد من محاسبة من يفعل ذلك. كما دانت الخارجية الباكستانية موقف كنده بور، المؤيد من عمران خان. وقالت إن المفاوضات مع كابول من اختصاص إسلام أباد وليس من شأن حكومة محلية، لكن كنده بور شدّد مرة أخرى على أنه سيمضي قدماً في خطوته شاء من شاء وأبى من أبى. في المقابل، اعتقلت السلطات الباكستانية عدداً من قيادات خان داخل مقر البرلمان، من دون توجيه التهم إليهم. وكان من بينهم الأمين العام الحالي للحزب عمر أيوب، والأمين العام السابق شير أفضل مروت وعدد آخر من النواب، كما اعتقلت الاستخبارات كنده بور ثماني ساعات قبل الإفراج عنه لاحقاً.

سردار كامران: يجب جلوس الأحزاب السياسية مع المؤسسة العسكرية لحل المشاكل

وفي تعليق له على التوتر المتصاعد بين عمران خان والجيش الباكستاني، قال المحلل الأمني الباكستاني سردار كامران، لـ"العربي الجديد"، إن الصراع الحالي بين الطرفين "لن يأتي بخير، وستكون له تأثيرات كبيرة على الوضع الأمني والاقتصادي، والحل هو الحوار". وأضاف أن "الأهم هو أن تستدرك الأحزاب السياسية الوضع والجلوس مع المؤسسة العسكرية لحل المشاكل"، محذراً من أنه إذا استمر الوضع على ما هو عليه، "فثمة نتيجة واحدة حتمية وهي تمزّق البلاد، من هنا الحل لدى الأحزاب السياسية". لكن المحلل السياسي الباكستاني زين الإسلام قال لـ"العربي الجديد" إن "الحل واحد وفيه خير الجميع، وهو أن يسحب الجيش يده من الأمور السياسية وألا يتدخّل فيها، لأن تدخلّه يفتح الأبواب للصراع". وأضاف أن "بعض الأحزاب السياسية تقف إلى جانب الجيش لأنها تدري أن بقاءها في الحكم والحصول على المصالح مرهون بذلك". وبرأي زين الإسلام، فإن عدم تدخّل الجيش في السياسة "أمر بعيد المنال، لأن الجيش قد أدخل يده في كل الأمور"، داعياً المؤسسة العسكرية "للعمل في دائرة أعمالها ولتترك السياسيين يخوضون في السياسة".

ولم تقتصر الأمور على الصراع بين حزب عمران خان والجيش الباكستاني، بل إن المشاكل تكبر بين المؤسسات المختلفة في باكستان. فعلى مستوى الأمن، تُظهر التطورات بين الشرطة والجيش وجود انقسام بشكل جذري وكبير، وسط احتجاجات الشرطة وإضرابها عن العمل في شمال غرب البلاد، ورفع هتافات معادية للجيش، قبل أن يتوافق الطرفان في منطقة لكي مروت على إنهاء الاحتجاج، أول من أمس الجمعة، ما شكّل في حد ذاته لغزاً آخر. وفي تفاصيل ما جرى خلال المفاوضات بين الشرطة والجيش، التي نجم عنها إنهاء الإضراب في منطقة لكي مروت، أن الشرطة وافقت على إنهاء الإضراب بعد أن تمكنت الوساطة القبلية من الضغط على الجيش كي يرضخ لموقف الشرطة وللخروج من المنطقة خلال ستة أيام. وطرح قبول الجيش كل مطالب الشرطة بما فيها الخروج من المنطقة وإزالة الحواجز الأمنية تساؤلات عما إذا كان الجيش بدأ يتراجع أمام الضغوط عليه.

في هذا الشأن، قال الزعيم القبلي خان الله خان، وهو من منطقة لكي مروت، لـ"العربي الجديد"، إن عناصر الشرطة الذين نفّذوا الإضراب "هم أبناء القبائل، والجيش يعرف جيداً قوة هذه القبائل، لذا قَبِل بالخروج من المنطقة وإزالة الحواجز لأنه مطلب القبائل أصلاً". ولفت إلى أن "وجود الجيش مريب ويثير التساؤلات، فالقبائل يمكنها إحلال الأمن في مناطقها". يضاف إلى ذلك الصراع الكبير بين المؤسسة القضائية والبرلمان، وكذلك الحكومة والجيش من جهة والمؤسسة الدينية من جهة ثانية. وخير دليل على ذلك تصريحات الزعيم الديني المولوي فضل الرحمن خلال كلمة له أمام البرلمان في 11 سبتمبر الحالي، حين أكد أن الشعب لا يثق بمؤسسات الدولة، خصوصاً العسكرية والقضائية. وشدّد على أن المحكمة العليا مشغولة بتنفيذ مخطط أُملي عليها (في إشارة إلى الجيش) ضد الأحزاب السياسية. وقال: "نحن نسير نحو الهاوية، والوضع خارج عن السيطرة، هناك صراع في كل جانب وبين الجميع، والمؤسف أن مؤسسات الدولة مشغولة بصراعها الداخلي، فيما دم المواطن يراق والوضع الاقتصادي يسير نحو الهاوية، ومؤسسات الدولة تسعى للحصول على مصالحها الشخصية بدلاً من العمل من أجل البلاد".

المساهمون