وجوه عديدة لا تزال راسخة في ذاكرة التونسيين، هم رموز الثورة. بعضهم شارك في الاحتجاجات وتوثيق لحظات لا تنسى، ومنهم من رحل، كالمدونة الشابة لينا بن مهنى (37 سنة)، بعد صراع مع مرض مزمن في الكلى. وهناك من تغيرت حياته ونشاطه، لأن الشهرة أضرت به، في حين تتواصل الحياة بروتينها اليومي ونسقها العادي لدى آخرين، ممن لم يقطفوا شيئاً من الثورة، رغم مضي 10 أعوام عليها.
يتذكر التونسيون جيداً أحمد الحفناوي، صاحب مقولة "هرمنا من أجل هذه اللحظات التاريخية". ربما لم تتغير ملامح الحفناوي (56 سنة)، كثيراً، لكنه يقول، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الشهرة أضرت به، فغير نشاطه من صاحب مقهى إلى مشروع عائلي. ويكشف أن المقهى الذي كان يعمل به، وبسبب توافد المعجبين ومحبيه، أثار حفيظة بعض الحاسدين فحاولوا إحراقه، وكثيراً ما تعرضت الواجهة للتهشيم والسرقة.
عرفت بن مهنى بمعارضتها لسياسة حجب المواقع على شبكة الإنترنت زمن نظام بن علي
يتذكر صاحب مقولة هرمنا ما حصل يوم 14 يناير/ كانون الثاني 2011 جيداً. ويقول إن تلك اللحظات لا تنسى، فأحداث بمثل ذلك الحجم، خصوصاً لمن عاشها ستظل محفورة بالذاكرة. ويبين أنه بعد فرار الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي خرج التونسيون إلى شارع بورقيبة، ومن بينهم هو، حيث كان يدور نقاش بينهم بشأن كيفية فرار المخلوع. ويتذكر أنه عند سؤاله من إحدى القنوات عما يحصل، كانت تلك المقولة التلقائية، والتي عبر فيها عما يشعر، ولم يكن يعرف أنها ستجتاح العالم وستتحول إلى جملة يتناقلها الجميع. وحول أنه بعد مضي 10 أعوام، هل هرمنا فعلاً؟ يرد الحفناوي "هرمنا فعلاً"، خصوصاً في ظل تدهور الاقتصاد، وغلاء المعيشة، فهو مواطن بسيط يعيش مع الناس وفي حي شعبي، ويشعر بوطأة الحياة، بعيداً عن أصحاب المناصب ومن جنوا ثمار الثورة. ويوضح أن تونس جنت حرية التعبير والديمقراطية، وهي مكاسب نتمسك بها، ولكن يؤمل إصلاح الوضعين الاقتصادي والاجتماعي، فالطبقات الفقيرة، والتي تنتظر تحسين أوضاعها، لا تزال تنتظر، مشيراً إلى أن الشعب التونسي يأمل بتحسين أوضاعه.
ويلفت الحفناوي إلى أنه لم يغتنم الفرص، إذ رفض العديد من الدعوات للانضمام إلى أحد الأحزاب، واكتفى بالتصويت للرئيس السابق المنصف المرزوقي لإيمانه بأفكاره والرئيس الحالي قيس سعيد لنظافته. ومع ذلك فإنه لم يعش حياة غير حياته المعتادة، رغم أن الشهرة قادرة على تغيير حياة الكثيرين، ولكن مثلما لديه معجبون ومن يحبونه، فهناك من يعتبره رمزاً من رموز الفشل والتدهور الحاصل في البلاد، وهو ما يؤلمه.
تمر الذكرى العاشرة للثورة في ظل غياب بعض رموزها، ومن بينهم أيقونة الثورة، كما يلقبها البعض، الناشطة الحقوقية والمدونة لينا بن مهنى، التي توفيت في 20 يناير الماضي. وقد عرفت بن مهنى بمعارضتها لسياسة حجب المواقع على شبكة الإنترنت زمن نظام بن علي، وساهمت في نقل أحداث الثورة التونسية عبر الإنترنت بعدما تنقلت بين سيدي بوزيد والرقاب وعديد المعتمديات. وفي حوار سابق مع "العربي الجديد"، في 18 آذار/ مارس 2018، كشفت بن مهنى أنه ليلة سقوط النظام، ومباشرة بعد خطاب بن علي الشهير، خرجت للاحتجاج كغيرها من المواطنين، لكنها تعرضت لهجوم شرس من قبل شخص كُلف بمراقبتها، والذي كان أحد تلامذتها. وفهمت وقتها أن من اعتقدت أنه طالب هو مجرد خادم للنظام، كلّف بمهمة مراقبتها حتى داخل الفصل. وكانت بن مهنى قد دعت إلى ثورة في العقليات لتغيير أوضاع التونسيين، فكما حصلت ثورة في الميدان لطرد النظام وتحقيق الحرية والديمقراطية، فإنه لا يزال هناك عمل كثير وإصلاحات حقيقية يجب أن تشمل التعليم، والمساواة وتحسين وضع المرأة الريفية، ونشر حقوق الإنسان.
كان وديع الجلاصي حاضراً بشكل دائم بقفصه الشهير والحمامة التي ترمز للحرية
وديع الجلاصي، صاحب القفص الذي فتح في 14 يناير 2011 لتطير الحمامة، هذا الشاب التونسي لم يغب عن أي احتفالات بالثورة على مدى 10 أعوام. كان حاضراً بشكل دائم بقفصه الشهير، والحمامة التي ترمز للحرية. لا يزال الجلاصي، الذي يتحدر من حي شعبي بالعاصمة تونس، والمغرم بالتنشيط الشبابي والمسرح، يتذكر جيداً أحداث الثورة، وكيف خرج المتظاهرون يومها حاملين شعارات عديدة. ويؤكد أنه فكر وقتها في شيء مميز، وطلب من جاره إعارته قفصاً، وفِي شارع بورقيبة وبمجرد أن صرخ المحتجون "بن علي هرب"، فتح باب القفص لتطير الحمامة. ويشير الجلاصي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أنه يعيش حياة عادية ولم يتغير وضعه كثيراً، ولكن الأمل يبقى قائماً، ليجني الشباب الثمار، فالأحلام ستستمر رغم الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية.
ولم ينس التونسيون المحامي الشاب عبد الناصر العيوني، الذي كان يصرخ ليلاً في شارع الحبيب بورقيبة: الحرية لشعب تونس العظيم، وبن علي هرب، تحررنا، وشعب تونس حر. كانت كلمات العيوني، الذي تحدى حظر التجوال ليلاً، بمثابة جرعة من الأدرينالين يسري في عروق التونسيين، وكلمات محفورة وصرخات لا يزال صداها في الأذهان. بعد 10 أعوام من الثورة لم تتغير حياة العيوني كثيراً، فهو يواصل مهنته في المحاماة ونضاله مع رفاقه المحامين، ينتقد تارة ما آلت إليه الأوضاع في تونس، ويحمل المسؤوليات للطبقة السياسية وللأحزاب تارة أخرى، فالمعركة مستمرة، بحسبه.
وفِي السياق، عرفت المحامية والناشطة في مجال حقوق الإنسان راضية النصراوي، التي تعتبر رمزاً من رموز الثورة، عبر تحديها الشرس لنظام بن علي ودفاعها عن المساجين، صعوبات صحية أخيراً، بعد إصابتها بفيروس كورونا. لكنها، ورغم تدهور صحتها ومكوثها مطولاً بالمستشفى العسكري في العاصمة، تمكنت من الانتصار على المرض. يذكر أن الرئيس التونسي قيس سعيد كان قد زار النصراوي في بيتها تحديداً لجهودها ومسيرتها النضالية، مؤكداً أن تونس في حاجة إلى مبادئها ونضالها، وهي من شهيرات تونس لما قدمته للبلد.