أوكرانيا تعيد أجواء الحرب الباردة: محادثات أميركية روسية ومتعددة الأطراف

07 يناير 2022
خلال تدريبات بين أوكرانيا وحلف الأطلسي وأميركا في سبتمبر الماضي (يوري دياشيشين/ فرانس برس)
+ الخط -

تتصدّر الأزمة الأوكرانية واجهة الأحداث مجدداً في الأيام القليلة المقبلة، إذ من المقرر الدخول في تفاصيل القضايا التي أثارتها القمة الافتراضية للرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين في السابع من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ومنها ما يخص أوكرانيا تحديداً، فضلاً عما يتعلّق بعلاقات أميركا وروسيا، وروسيا مع حلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي.

والبداية من جولة الوفدين الأميركي والروسي في جنيف في العاشر من يناير/ كانون الثاني الحالي، والتي تركز بشكل خاص على ملفي مراقبة الأسلحة النووية والأزمة الأوكرانية.

وما بين قمة بايدن وبوتين الافتراضية، وكذلك الاتصال الذي جرى نهاية الشهر الماضي بينهما، وموعد الاجتماع، صدرت العديد من المواقف من واشنطن وموسكو، والتي تتحدث عن إطار المفاوضات والموضوعات المطروحة على جدول الأعمال، والهدف البعيد منها.

تشكّل قضية أوكرانيا مدخلاً مناسباً لروسيا لإعادة فتح العديد من ملفات الحرب الباردة

الأزمة الأوكرانية حركت مخاوف روسيا

ومن جانب روسيا، تشكّل قضية أوكرانيا مدخلاً مناسباً لإعادة فتح العديد من ملفات الحرب الباردة. ويبدو من ردود الفعل الروسية أن الأزمة الأوكرانية حركت مخاوف موسكو تجاه مسألتين أساسيتين.

المسألة الأولى هي نشر أسلحة غربية في أوكرانيا، وتحديداً الصواريخ متوسطة المدى، التي تبعد عن العاصمة الروسية مسافة خمس دقائق تحليق. ويطالب الروس بتسجيل المخاوف التي تراودهم ومعالجتها في اتفاقات ومعاهدات جديدة.

وعلى الرغم من أنّ بايدن لم يبد معارضة لما طلبه بوتين في القمة في هذا الشأن، فإن موسكو تريد لمباحثات جنيف أن توثّق التفاهمات والقضايا المطروحة على الطاولة.

ومن هذه التفاهمات ما يرجع إلى حقبة الاتحاد السوفييتي، والاتفاقات الشفوية مع الرئيسين الأسبقين ميخائيل غورباتشوف، وخلفه بوريس يلتسين، ومنها التعهدات الأميركية بعدم مد حلف الأطلسي إلى الحدود الروسية.

ونقلت مجلة "تايم" الأميركية عن مصدر روسي قوله أخيراً "لقد تم ارتكاب الكثير من الأخطاء على مدار الأعوام الثلاثين الماضية، ومن الأفضل أن نتجنّب المزيد من مثل هذه الأخطاء في هذا الوضع".

المسألة الثانية التي تثير مخاوف موسكو، هي ضم أوكرانيا وجورجيا إلى حلف شمال الأطلسي، وهو أمر تبذل روسيا كل ما في وسعها كي لا يحدث، حتى لو أدى ذلك إلى حرب في أوكرانيا.

وقد اعتبرت وسائل إعلام روسية قبول روسيا هذه المعادلة بمثابة أن توافق واشنطن على انضمام جارتها الحدودية المكسيك إلى حلف معادٍ للولايات المتحدة.

ويصرّ الكرملين على أن الغرب وحلف الأطلسي يقتربان بدرجة خطيرة من حدود روسيا. وقد قال مستشار بوتين للشؤون الخارجية يوري أوشاكوف، أخيراً، إن بوتين أبلغ بايدن بأن روسيا ستتصرف مثل الولايات المتحدة، في حال تم نشر أسلحة هجومية بالقرب من الحدود الأميركية.

وقدمت موسكو الشهر الماضي قائمة مطالب أمنية واسعة إلى الغرب، أفاد أحد بنودها بأنّ على "حلف الأطلسي" ألا يضم أعضاء جدداً له من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، وعليه أن يسعى إلى منع الولايات المتحدة من إقامة قواعد جديدة في الجمهوريات السوفييتية السابقة.

يطالب الروس بتسجيل المخاوف التي تراودهم ومعالجتها في اتفاقات ومعاهدات جديدة

وفي 17 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، نشرت وزارة الخارجية الروسية مسودة معاهدة بهدف إبرامها مع الولايات المتحدة، ومسودة اتفاقية لإبرامها مع حلف شمال الأطلسي بشأن الضمانات الأمنية المتبادلة، وعدم نشر الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى في أوكرانيا. وقد تم نقل الوثائق بهذا الخصوص إلى واشنطن وحلفائها.

ويقترح أحد البنود أن يقدم "حلف الأطلسي" ضمانات بألا يمد حدوده ويتوسع نحو الشرق، وذلك بالتراجع عن الانتشار العسكري في وسط وشرق أوروبا، وخاصة في أوكرانيا التي سعت للانضمام إلى الحلف منذ عام 2002.

وتسعى أوكرانيا للانضمام إلى حلف الأطلسي، كي تحمي نفسها من الأطماع الروسية من خلال اتفاقية الدفاع المشترك، التي تعتبر الهجوم على دولة عضو في الحلف هجوماً على جميع الأعضاء.

وعلى الرغم من أن روسيا خرقت القانون الدولي، وتجاوزت كل التفاهمات حينما ضمت شبه جزيرة القرم عام 2014، فإن الكرملين لا يبدي أي مجال للتفاهم في ما يخص توسع "الأطلسي" باتجاه الشرق، ويتعامل مع هذا التوسع على أنه تهديد أمني مباشر، بحجة أن انضمام أوكرانيا إلى الحلف قد يؤدي إلى تحركات قوات "الناتو" على حدود روسيا.

أوراق التفاوض وحزمة العقوبات الأميركية

أما من جانب الولايات المتحدة، فإن المباحثات تندرج ضمن الحوار الأمني الاستراتيجي، الذي أطلقه بايدن وبوتين في القمة التي جمعتهما في جنيف في يونيو/ حزيران الماضي.

وعلى الرغم من أن هذا الحوار مخصص بشكل أساسي لإعادة التفاوض على معاهدات الحد من الأسلحة النووية بعد الحرب الباردة، فإن أكثر من مسؤول أميركي أكد أن واشنطن تتفهم المخاوف الروسية الأخرى.

وقالت الناطقة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، إيميلي هورن، في وقت سابق، إن على موسكو أن تضع في هذه الجولة أوراقها على الطاولة و"سنضع مخاوفنا على الطاولة، وبخاصة ما يتعلق بأنشطة روسيا".

وأكدت هورن أنّ مصالح أوكرانيا لن يتم تجاهلها في أي اتفاق يجرى التوصل إليه مع روسيا، كما أن المفاوضات لن تشمل "أي أمر يتعلق بحلفائنا وشركائنا من دون حلفائنا وشركائنا، بمن فيهم أوكرانيا".

ولا يعني ذلك أنّ واشنطن تسلم بالمطالب الروسية. ومثلما يبدي المسؤولون الأميركيون استعداداً تاماً لمناقشة مخاوف الجانبين، فإنهم لا يتحرجون من الإعلان عن أن معظم المطالب الروسية غير مقبولة.

من المستبعد التوصل إلى اتفاق في يوم واحد من المحادثات بين الولايات المتحدة وروسيا 

وكان بايدن هدّد نظيره الروسي مباشرة خلال الاتصال الأخير بينهما نهاية الشهر الماضي، بـ"عواقب اقتصادية لم يسبق أن رأى مثلها من قبل"، إذا قرر غزو أوكرانيا.

وسربت مصادر أميركية معلومات تفيد بأنّ بايدن أبلغ بوتين بأن موسكو تواجه الآن مسارين؛ الدبلوماسية أو الردع الأميركي من خلال العقوبات، وفقاً لمسؤول رفيع في الإدارة الأميركية.

وبحسب المسؤول الذي تحدث للصحافيين بشرط عدم الكشف عن هويته، فإن بايدن قال إن المسار الذي سيسلكه "سيعتمد على تصرفات روسيا في الفترة المقبلة". وبالتالي يمكن أن تكون فوق الطاولة ذاتها، وفي الوقت نفسه، أوراق التفاوض وحزمة العقوبات، حتى لو لم تتحدث عنها واشنطن بالتفصيل.

المحادثات ستركز، كما هو واضح من تصريحات الطرفين، على مطالب روسيا الأمنية، وسيكون العاشر من يناير الحالي اليوم الرئيسي للمشاورات الثنائية الروسية-الأميركية. ومن المستبعد التوصل إلى اتفاق في يوم واحد.

وفي السياق ذاته، يعقد في الثاني عشر من يناير الحالي اجتماع ثان بين روسيا وحلف شمال الأطلسي. وفي اليوم التالي، أي في الثالث عشر من يناير، هناك اجتماع ثالث بين روسيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا التي تضم في عضويتها 56 دولة بينها روسيا والولايات المتحدة.

محادثات روسيا مع حلف شمال الأطلسي

ومن المنتظر أن يشكل الملف الأوكراني محور المحادثات المرتقبة بين روسيا وكل من حلف شمال الأطلسي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا.

واعتبر الأمين العام للحلف الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، أخيراً، أن "أي حوار مع روسيا، يجب أن يقوم على أساس المعاملة بالمثل، ومعالجة مخاوف حلف شمال الأطلسي بشأن إجراءات موسكو، والمشاركة في المشاورات مع شركاء الحلف الأوروبيين".

واستبقت أوساط الأطلسي المباحثات ببعث رسائل إلى موسكو، فحواها أن مشروع الاتفاقية المقترح من قبلها من أجل حظر أي نشاط عسكري لحلف الأطلسي في أوكرانيا أو أوروبا الشرقية أو القوقاز أو آسيا الوسطى يعدّ تجاوزاً، ولكن قد يكون من الممكن اتخاذ بعض الإجراءات للحد من التدريبات والأنشطة العسكرية على أساس متبادل.

ويأتي ذلك في وقت لا توجد هناك أي خطة من أجل توسيع الحلف في المستقبل القريب.
ولذا، يمكن للولايات المتحدة وحلفائها أن يوافقوا على مسودة الوثيقة الروسية، التي تدعو إلى إنشاء آليات استشارية جديدة، مثل مجلس روسيا - الناتو، وخط ساخن بين الأطلسي وروسيا.

من المؤمل به إعطاء منظمة الأمن والتعاون في أوروبا دوراً أكبر

مباحثات روسيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا

أما بخصوص المباحثات بين ممثلي روسيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، فإن ذلك جاء بناء على طلب روسيا التفاوض من خلال ثلاث منصات.

وعلى الرغم من أن موسكو أفشلت الاجتماع الأخير للمنظمة في الثاني من ديسمبر الماضي في استوكهولم، فإن هناك اتجاهاً لتفعيل دور المنظمة التي أعادتها الأزمة الأوكرانية إلى الحياة.

وبينما تركت عملية إدارة الأزمات السياسية بشكل أساسي، لمؤسسات أخرى، أصبحت هذه المنظمة تتولى مهمة المراقبة التي تشكل عاملاً أساسياً للاستقرار.

وعلى الرغم من أن العنف لم يتوقف، ولا يزال عمل المنظمة يعوقه عدم كفاية التعاون من الأطراف، فإن المنظمة نهضت بدور مهم في تسهيل المفاوضات بشأن تنفيذ "اتفاق مينسك" الموقع عام 2015، الذي ينص على خريطة طريق لتسوية سياسية في شرق أوكرانيا.

ومع أنه لم يتم إحراز سوى تقدم ضئيل إلى الآن، تسعى المنظمة إلى تقليص الفجوة بين إدارة الأزمات السياسية في أوكرانيا، وتنفيذ "اتفاق مينسك"، ولهذا ينحصر دورها بالمهام ذات الصلة بالوضع على الأرض.

ومن المؤمل أن تشهد هذه الجولة إعطاء المنظمة دوراً أكبر لتوسيع سياق البحث عن حل سياسي، على أن يبقى "اتفاق مينسك" أولوية رئيسية، وهذا يتطلب العمل على تحويله إلى حل سياسي حقيقي بوصفه صفقة يعوّل عليها في العمل من أجل مستقبل أوكرانيا.

وهذا لا يمكن أن يتم من دون تعزيز مساهمة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في الإصلاحات والحكم الرشيد في أوكرانيا، ما يفرض الحاجة إلى نهج أكثر تركيزاً وقابلية لتنسيق المشاريع المختلفة التي تدير المنظمة أجزاء منها على الأرض.