قال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، إن العالم لم يكن بحاجة لحرب أخرى ستترك مثل هذا التأثير السريع والواسع، والذي وصفه فيليبو غراندي (رئيس مفوضية اللاجئين) بـ "أسرع أزمة لاجئين متنامية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية". وجاء ذلك خلال إحاطة له أمام مجلس الأمن الدولي الذي عقد اجتماعاً لنقاش الوضع الإنساني في أوكرانيا. يأتي هذا في الوقت الذي تستمر فيه المشاورات حول مشروع قرار مكسيكي فرنسي متعلق بتقديم المساعدات الإنسانية لأوكرانيا، ومن غير الواضح ما إذا سيُصوَّت عليه هذا الأسبوع.
وأضاف: "إن المنظمات الإنسانية كانت تعمل في أوكرانيا بمنطقة دونباس (قبل الاجتياح الحالي) وتقدم المساعدات الإنسانية لأكثر من مليون ونصف مليون شخص خلال السنوات الثماني الماضية". وأشار إلى أن المنظمات الإنسانية تستعد للأسوأ، حيث لم يتوقع أحد قبل أسبوعين أن تصل الأمور إلى ما آلت إليه اليوم. وقال: "إن حياة الملايين دمّرت ويتعرضون للخطر حتى عندما يحاولون الهرب، وأمام الكاميرات". وأشار إلى وصول "عدد اللاجئين (والنازحين) إلى 1.7 مليون شخص خلال 11 يوماً، ومن المتوقع أن تزداد الأرقام بشكل سريع". وكانت الأمم المتحدة قد توقعت لجوء ونزوح قرابة عشرة ملايين شخص من أوكرانيا وداخلها، إذا استمرت الحرب.
وشدد على ضرورة التركيز على ثلاث أولويات من أجل التخفيف من معاناة المدنيين. واستهلها بالحديث عن عدم استهداف البنية التحتية المدنية، بما فيها المنازل، والسماح للمدنيين بالخروج بأي اتجاه يرغبون فيه أو البقاء مع ضمان الحماية لهم. وشدد كذلك على "ضرورة السماح بإيصال المساعدات الإنسانية بشكل آمن، بما فيها المساعدات الطبية، إلى مناطق الاقتتال". وأكد ضرورة "أن تحترم أطراف النزاع القانون الدولي الإنساني وقانون الحرب". ثم أشار "إلى وجود حاجة ماسة إلى نظام اتصال مستمر مع أطراف النزاع، وطمأنات تسمح بإيصال المساعدات، وهذه النظم تعمل في بلدان أخرى". وكذلك تحدث عن "نظام إخطار إنساني" يمكن أن يساعد على تحسين أداء عمل الأمم المتحدة وتقديم المساعدات. وأشار إلى اتصالات مع السلطات في أوكرانيا وروسيا لنقاش تلك النقاط. وتحدث عن توجه فريق من مكتبه إلى موسكو "لتحسين التنسيق العسكري المدني لأغراض إنسانية، بشكل يسمح بتعزيز استجابتنا للبدء بوضع نظام إخطار إنساني".
الأمم المتحدة: ما يجري في أوكرانيا سينعكس سلباً على جهودنا في مناطق تشهد نزاعات أخرى
وحذّر من أن تبعات ما يجري في أوكرانيا لن تقتصر على تلك البلاد، بل تؤثر بدول أخرى خارج تلك المنطقة، من بينها اليمن ولبنان وأفغانستان والساحل وغيرها من المناطق التي تواجه أزمات اقتصادية ونزاعات تؤثر في أوضاعها الإنسانية. وعبّر عن أمله ألا تؤدي الأزمة الأوكرانية إلى صرف النظر عن حروب وأزمات أخرى حول العالم. وأكد أن الأمم المتحدة عاجزة عن تلبية احتياجات المدنيين اليوم، إذا لم تحصل على الأموال الكافية والفورية.
من جهتها، قالت المديرة التنفيذية لليونيسف، كاثرين راسل: "لقد سبّبت السنوات الثماني الأخيرة من النزاع في أوكرانيا ضرراً كبيراً لحق بالأطفال، ومع تصاعد وتيرة النزاع، فإننا نلاحظ ازدياد الأخطار المحدقة بـ7.5 ملايين طفل في أوكرانيا. تعرضت المنازل والمستشفيات والمدارس للهجوم، كما خزانات المياه والبنية التحتية". وتحدثت عن إغلاق المتاجر والمحلات، ما يعني عدم قدرة الناس على الحصول على السلع الأساسية والاحتياجات، بما فيها الأدوية. وعبّرت عن أسفها لمقتل 27 طفلاً على الأقل. وتوقعت أن تزداد خسائر الأرواح في صفوف الأطفال. وأكدت أن نصف النازحين (1.7 مليون) من الأطفال. كذلك عبّرت عن قلقها "إزاء أمن قرابة 100 ألف طفل يعيشون في مؤسسات خاصة، وجزء منهم من ذوي الاحتياجات الخاصة". وتطرقت إلى قضية وجود أطفال نزحوا دون أسرهم، ما يعرضهم لخطر الاتجار بالبشر والاستغلال. وأشارت إلى بدء اليونيسف بتسجيلهم وإقامة مناطق آمنة في البلدان المضيفة. وقالت: "إن اليونيسف قدمت قرابة 40 طناً من الإمدادات الطبية للنساء والأطفال في 22 مستشفى، لتلبية احتياجات قرابة 20 ألف طفل في أوكرانيا". وحذرت من خطر مخلفات الحرب والألغام. ودعت إلى وقف فوري للعمليات العسكرية وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية.
توماس غرينفيلد: يجب الاستعداد لطريق طويلة وشاقة للغاية
إلى ذلك عبّرت السفيرة الأميركية للأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، عن قلق بلادها من تدهور الأوضاع. وأشارت إلى ضرورة الاستعداد لطريق طويلة وشاقة للغاية. وقالت: "إن الأوكرانيين يدافعون عن أنفسهم بشجاعة، وسنواصل الوقوف معهم ودعمهم. لكن من الواضح أن الرئيس بوتين مستعد للتضحية بأرواح الآلاف من الجنود الروس لتحقيق طموحاته الشخصية. لقد حذرنا موسكو منذ أسابيع من أن روسيا ستكون في نهاية المطاف أضعف، لا أقوى، بسبب شنّ هذه الحرب". ثم قالت إن ذلك بدأ يظهر بالفعل. ثم تساءلت عن "مدى الدمار الذي يرغب الرئيس بوتين في إلحاقه بهذا الخطأ الفادح"، داعية روسيا "إلى تغيير مسارها، وسحب قواتها، وخفض التصعيد من خلال الدبلوماسية، نحن ندعم دعوة أوكرانيا لوقف إطلاق النار. في غضون ذلك، نحيي أولئك الذين يبذلون كل ما في وسعهم للتخفيف من المعاناة التي ألحقها بوتين بالشعب الأوكراني".
من جهته، اتهم السفير الروسي للأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، من أسماهم المتطرفين الأوكرانيين بإطلاق النار تجاه المدنيين الذين حاولوا الهرب من ماريوبول، بعد الاتفاق بين روسيا وأوكرانيا على معابر إنسانية آمنة. وقال إن بلاده أعلنت السماح لمن يرغبون في الاتجاه إلى الأراضي الروسية والخروج عبر ممرات إنسانية؛ إلا أن أوكرانيا رفضت ذلك. وتحدث السفير الروسي طويلاً عمّن أسماهم المتطرفين وأخذهم المدنيين دروعاً بشرية. ولفت الانتباه إلى الصعوبات التي يواجهها الأجانب من غير الروس، كالمنحدرين من دول أفريقيا، وعدم السماح لبعضهم بالمغادرة.