كشف تقرير أصدرته منظمات غير حكومية أوروبية عن السياسات الممنهجة التي تتخذها القارة الأوروبية في التعامل مع طالبي اللجوء على الحدود، مشيرًا إلى ارتكاب عنف وممارسات غير قانونية بحق المهاجرين بهدف صدهم وإجبارهم على العودة.
وخلال الأيام الماضية جاء تقرير أصدرته منظمات غير حكومية أوروبية منضوية تحت مظلة منظمة "براب Prab"، وبالأخص من الدنمارك وإيطاليا واليونان والمجر والبوسنة وصربيا، ودول أخرى، ليفصل بالتوثيق والشهادات منهجية السياسة الجديدة للقارة العجوز في العام الحالي ضد طالبي اللجوء.
وتذكر المنظمات المشاركة في التقرير أن "حراس الحدود في أوروبا يتبنون أساليب جديدة لإخفاء الممارسات غير القانونية والمهينة لصد المهاجرين/اللاجئين عن الحدود". كما يشير التقرير إلى ارتكاب "ممارسات مروعة ممتدة على مختلف الحدود ومتشابهة من حيث استعمال العنف والإذلال وسلب اللاجئين أغراضهم"، إذ طاولت هذه الممارسات أسرًا بأكملها علقت بين حدود الدول لأشهر طويلة، بعد أن وجدت نفسها في مواجهة "عنف متأصل يرتكب بعلم السلطات الرسمية، وبطرق تخفي ما يجري".
ويغطي التقرير أشهر السنة الحالية، إذ يوثق 12 ألف حالة صد غير قانونية، حيث اعتمد التقرير على بيانات لحالات وثقها مندوبون عن المنظمات غير الحكومية، فيما أكدت شارلوت سلينتي الأمينة العامة لمجلس اللاجئين الدنماركي (مشارك في إعداد التقرير)، للتلفزيون الدنماركي أمس الجمعة، أن عمليات الصد غير قانونية، مشيرة إلى أن انتهاكات حقوق الإنسان بحق طالبي اللجوء تعتبر وصمة عار سوداء على سمعة الاتحاد الأوروبي كمدافع عن معاملة الناس بكرامة.
شهادات مروعة.. عنف هدفه الطرد
وتحدث التقرير عن تسجيل نحو "6 آلاف عملية صد بين أغسطس/آب ونوفمبر/تشرين الثاني الماضيين"، إلا أن أرقاما أخرى صادرة رسميا عن حكومة رئيس الوزراء المجري القومي المتشدد فيكتور أوربان، توضح أن مجمل حالات الطرد التي وثقها التقرير والبالغة 12 ألف حالة، ليست سوى رقم صغير أمام الأرقام الأكبر.
وأصدرت وزارة الداخلية في بودابست بيانات تتحدث عن تنفيذ 4392 حالة صد في يوليو/ تموز الماضي، و7755 حالة صد في أغسطس/ آب الماضي، و11392 حالة في سبتمبر/ أيلول الماضي، وأكثر من 10 آلاف حالة في شهر أكتوبر/ تشرين الأول، و9 آلاف حالة في نوفمبر/ تشرين الثاني، لتقترب أرقام الحكومة المجرية لوحدها من 40 ألف عملية صد.
وتأتي عمليات الصد في ظل علم السياسيين وعاصمة الاتحاد الأوروبي بروكسل بالأمر، رغم اتهامها المنظمات الأوروبية بالتغطية على الممارسات التي تنتهك القوانين الدولية.
العنف ليس جديدا
ووثقت منظمات "براب" غير الحكومية "استخدام مسدسات الصعق (الكهربائي) والقضبان المعدنية والعصي، حيث يضرب الناس إلى أن تسيل الدماء وتكسّر العظام، وهو ما وثقه الأطباء. ومن بين الحالات، إصابة لاجئ أفغاني بجراح خطيرة في فتحة الشرج نتيجة ضربه بعصا غليظة".
وقال أحد الرجال الذين أصيبوا بنزيف في الرأس: "بينما كان رأسي ينزف راحوا يفركونه بالكاتشب ثم بالمايونيز، وكان لدي لوح شوكولاتة، فركوه في الجروح".
وقبل نحو أسبوع أصدرت لجنة مكافحة التعذيب التابعة لمجلس أوروبا تقريرا يستند إلى تقارير عن عمليات صد عنيفة قامت بها السلطات الكرواتية على مدى أربع سنوات من 2016 إلى 2020، وانتقدت بشدة حكومة زاغرب لعدم إجراء تحقيقات كافية في التهم الخطيرة.
ونفى وزير الداخلية الكرواتي دافور بوزينوفيتش، أن يكون العنف بأمر من السلطة السياسية، معتبرًا أن بلده يحترم القوانين الدولية، إلا أنه شدد على أهمية حماية الحدود بالنسبة لبلاده.
من جانبها، عبرت مفوضة الاتحاد الأوروبي للشؤون الداخلية إيلفا يوهانسون، عن صدمتها من التقارير التي تتحدث حول ارتكاب السلطات الكرواتية للعنف (لم تعقب بعد على التقرير الجديد الذي يتجاوز حدود كرواتيا)، رغم إشادتها قبل أسبوع فقط من صدوره باتخاذ الحكومة الكرواتية إجراء تأديبيا ضد 3 من ضباط الشرطة الذين كشف شريط فيديو عن تورطهم بضرب مجموعة من المهاجرين.
وتعقيبا على الإحراج الذي يمكن أن تشكله جردة عنف 2021 على الحدود الأوروبية، أكد خبير الهجرة في الجامعة الأوروبية في فلورنسا الإيطالية أندرو غيديس، أن التقرير يضع مفوضية الاتحاد الأوروبي في مأزق، مشيرًا إلى أن يوهانسون "تعرف جيدا أن ما يحدث في كرواتيا ممارسة تشمل دولا كثيرة".
ويشير تقرير "براب" إلى أن السلطات الأوروبية "ينصب همها على عدم حدوث احتجاج عام بين الأوروبيين على تلك الممارسات، وبأن لا يجري اهتمام كبير في تلك القضايا".
التقرير الذي غطى 2021، بكل ما وثقه من أرقام وشهادات، يشير إلى ما كان يحدث من تناقض في انتقادات بروكسل لسياسات بولندا والمجر بشأن اللاجئين.
ويرى كثيرون أن أوروبا انتهجت خلال 2021 "استراتيجية قبول وتطبيع عمليات صد وطرد اللاجئين بشكل غير قانوني"، فيما ينصب الاهتمام حاليًا حول "تحسين التعامل مع المهاجرين أثناء طردهم ومنع دراسة طلباتهم".
ويشير التقرير إلى أن ما يجري على بعض الحدود يستند إلى "تدمير منهجي للأدلة التي تؤشر إلى انتهاكات، إذ يجري تدمير ومصادرة الهواتف والوثائق من أجل محو آثار وجود مهاجرين تعرضوا لمعاملة غير قانونية في تلك المنطقة". وفي الختام يشير التقرير إلى أن الممارسة غير القانونية ضد طالبي اللجوء تجري على وجه الخصوص على "طريق البلقان" وعلى طول الطريق إلى إيطاليا وغيرها من الدول الأوروبية.