يتحدث رئيس الهيئة العليا للمفاوضات السورية، أنس العبدة، في مقابلة مع "العربي الجديد" عن مختلف ملفات القضية السورية، بما في ذلك، الخيارات المتاحة أمام المعارضة السورية لتفعيل المسار السياسي.
ويتطرق العبدة إلى رؤية الهيئة لعمل اللجنة الدستورية، بعدما وصل مسار الحل السياسي في سورية وفق قرار مجلس الأمن الدولي 2254 إلى طريق شبه مسدود، وتوقفت كل مساراته.
كما يتوقف عند أسباب تراجع الاهتمام الأميركي والغربي بمحاولات حلفاء النظام تعويمه عربياً ودولياً. ويتوقف عند حقيقة الخلافات ضمن الهيئة المتعلقة بتمثيل بعض المكونات داخلها، وانقسام وانسحاب بعض المكونات الممثلة فيها، بالتوازي مع حراك سياسي مكثف يتعلق بالقضية السورية في العاصمة القطرية الدوحة.
شهدت العاصمة القطرية الدوحة حراكاً سياسياً للمعارضة أخيراً، إذ التقى رئيس الائتلاف سالم المسلط، برفقتكم مع (رئيس الوزراء السابق المنشق) رياض حجاب و(رئيس الائتلاف السابق) معاذ الخطيب. كما التقيتم بنائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الذي التقى بدوره عدداً من مكونات المعارضة الأخرى، قبل لقائه المبعوث الأممي غير بيدرسن ووزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة الذي تستضيف بلاده اجتماع الجامعة العربية المقبل. ما هي الوعود التي حصلتم عليها من الوزير القطري؟ وهل هناك دور مقبل للدوحة في إعادة ترتيب المعارضة السورية؟
بدايةً أودّ أن أؤكد أن زيارة الدوحة كانت مهمة من ناحية الهدف والمضمون والتوقيت. ونعلم أن قطر أحد أهم الداعمين الأساسيين لقضية شعبنا، وبالنسبة لنا كهيئة تفاوض، البعد العربي مهم جداً، وهو الحامل الأساسي لقضيتنا، والذي لولاه لما اتُخذ الكثير من القرارات على مستوى الجامعة العربية وعلى مستوى الأمم المتحدة، والتي كان أهمها طرد النظام من الجامعة العربية.
ونحن حريصون جداً على تدعيم هذا الحامل العربي، لذلك كانت زيارة قطر، التي التقينا فيها وزير الخارجية، والذي كان واضحاً في دعم قطر قضية الشعب السوري وموقف قوى الثورة والمعارضة، في ما يتعلق بالعملية السياسية.
القطريون قالوا لنا إن موقفهم ثابت في الاعتراض على عودة النظام إلى الجامعة العربية
وهناك رمزية دائمة لقطر في ما يتعلق بالقضية السورية، لأنها من الدول العربية التي استمرت في نسق واحد لم يتغيّر ولم يتبدل، وناقشنا مع الإخوة هناك الأوضاع بشكل عام في سورية، وأيضاً وضع القضية السورية ضمن الحاضر العربي على مستوى الجامعة العربية. كان هناك لقاء لاحق للقائنا مع الوزير القطري، بين الأخير ووزير الخارجية الجزائري الذي تستضيف بلاده القمة العربية المقبلة، وقال لنا الإخوة في قطر إن موقفهم ثابت في الاعتراض على عودة النظام إلى الجامعة العربية، لأن الأسباب التي من أجلها تم إخراجه منها لم تتغيّر بعد، ولا يوجد أي مبرر لإعادته إلى الجامعة.
أما بالنسبة للندوة التي ينظّمها الدكتور رياض حجاب في فبراير/ شباط المقبل في الدوحة، فهي تندرج في سياق مبادرة من أجل تدعيم المعارضة بمقترحات ودراسات تدعم القضية السورية. ولا أظن أن هذه الندوة تعمل على أجسام جديدة أو تغيير الأجسام الحالية، نحن لسنا في هذا السياق على الإطلاق، وإنما في سياق جمع صفوفنا وتوحيد كلمتنا، وأن يكون عندنا تحرك ذو زخم على جميع المستويات.
هل لا تزال المشاكل مستمرة داخل هيئة التفاوض؟ وما هو التوجه لحلها، لا سيما أن منصة موسكو تعد بحكم المنسحبة، ومنصة القاهرة منقسمة على نفسها، وهناك أيضاً مشكلة المستقلين؟
لا تزال لدينا مشكلة تنظيمية داخل هيئة التفاوض تتعلق بالمستقلين، إذ لم تحل حتى اللحظة، وأساس المشكلة أن بعض المكونات كانت ترى أن هناك هيمنة للائتلاف وحلفائه على القرارات التنظيمية داخل الهيئة، لأنهم يمتلكون أكثر من خمسين في المائة من الأصوات، أما القرارات السياسية، فهي تتطلب 72 بالمائة من الأصوات، ولا مشكلة عليها. وأنا كرئيس للهيئة، قدمت مقترحاً لم يكتب له النجاح.
ومع ذلك، عمل الهيئة مستمر، ونعقد اجتماعات بمشاركة خمسة مكونات، فمنصتا موسكو والقاهرة لا تحضران الاجتماعات، ولكن نضعهما في صورتها، ونأخذ آراءهما كجزء أساسي من الهيئة، وتشاركان في لجانها. وبالنسبة لمشكلة منصة القاهرة، فهي داخلية، ونحن لا نتدخل بالشأن الداخلي لأي مكوّن.
لا تزال لدينا مشكلة تنظيمية داخل هيئة التفاوض تتعلق بالمستقلين
بالنسبة للجنة الدستورية، يبدو أن المعارضة هي الوحيدة فقط المتمسكة بهذا المسار من بين كل الأطراف؛ سواء السورية أو الدولية، وهناك من يطالبكم بالمقاطعة والانسحاب نتيجة العقم الحاصل على هذا المستوى. هل هناك نية للاتجاه نحو هذا الخيار، وفي حال كان القرار بالبقاء، لماذا؟
نحن حين وافقنا على اللجنة الدستورية، وافقنا عليها كأحد مسارات القرار 2254، وليس كبديل له، أو كمسار وحيد للحل. وخلال عمل اللجنة، كنا نطالب بمنهجية واضحة، وقد طالبت بيدرسن في آخر لقاء بألا يدعو إلى جولة جديدة من دون منهجية واضحة يمكن من خلالها إحراز تقدم.
وبالنسبة لموضوع تعليق عمل اللجنة الدستورية، فهو واحد من الخيارات المطروحة. ولكن هذا القرار سياسي، غير منوط بشخص، ولا بمكوّن من مكونات الهيئة، وإنما يجب أن يتم اتخاذه بالتوافق بين مكونات هيئة التفاوض. وقد تم طرح هذا الأمر على المكونات، وحتى الآن هي لا ترى أنه من المناسب تعليق عمل اللجنة الدستورية، والبديل الذي تراه عن التعليق، هو فتح بقية المسارات (مسار هيئة الحكم الانتقالي والمعتقلين والانتخابات والإرهاب). ومطلوب من الأمم المتحدة توضيح سبب عدم فتح بقية المسارات ووضع العراقيل أمام المسار الوحيد المفتوح.
وبالنسبة لطرح بيدرسن فكرة "الخطوة مقابل الخطوة"، نؤكد أنها منهجية غير واضحة، وغير محددة، وغير مؤطرة، يطرحها المبعوث الأممي كبديل للقرار 2254. علماً أن الأمم المتحدة ليست وظيفتها أن تعيد التفاوض حول قرارات، وإنما تنفيذ القرارات، وموقفنا بالنسبة لكل ما يحكى عن هذا الموضوع أنه لا يخدم العملية السياسية، ولدينا تخوّف من أن تتم شرعنة النظام من خلال الأمم المتحدة.
الإدارة الذاتية التي يقودها حزب "الاتحاد الديمقراطي" والتي تسيطر على أكثر من ثلث سورية، تسعى في اتجاهين؛ الأول نحو تفاهم مع النظام، والثاني تحصيل تمثيل ضمن قوى المعارضة، وخصوصاً ضمن هيئة التفاوض. ما الذي يمنع التوافق مع هذه الإدارة وكسبها لمصلحة المعارضة؟
بالنسبة للتمثيل الكردي في الهيئة، لدينا "المجلس الوطني الكردي"، وهو طبعاً يمثّل جزءاً من الأكراد السوريين، ولكن بالنسبة لحزب "الاتحاد الديمقراطي"، فنحن لدينا مشكلة معه، إذ إننا لا نعلم من يتخذ القرار في هذا الحزب. وكي نتحدث في الوقائع، فقد جرت أكثر من محاولة للحوار والتوصّل لتفاهم مع الإدارة الذاتية، ولكنها كانت تصل إلى طريق مسدود. فـ"المجلس الوطني الكردي" الممثل في الهيئة، أجرى حواراً معهم برعاية أميركية ووصل هذا الحوار إلى طريق مسدود. كما أن هيئة التنسيق الوطنية الممثلة في الهيئة أجرت حواراً معهم وتم التوافق على وثيقة بين ممثلين مفوضين من الطرفين، ولكن جاء الرفض لاحقاً من جهة تتحكم بقراراتهم.
وأنا أعتقد أن "مجلس سورية الديمقراطية" (مسد) حالياً أمام تحدٍ حقيقي، وليس أمامه سوى واحد من ثلاثة خيارات؛ إما الانخراط مع النظام بشكل كامل والانصياع لمتطلباته، أو التفاهم مع قوى الثورة والمعارضة، أو تحصيل حماية أميركية طويلة الأمد. وهم يعلمون أن الخيار الأخير غير ممكن، والمطلوب منهم كي يكونوا جزءاً من المعارضة فك الارتباط بحزب العمال الكردستاني، وكذلك فك الارتباط بالنظام، والالتزام بمحددات قضية الشعب السوري بعيداً عن أي أجندات أخرى.
ندفع ثمن الخلافات بين الإدارة الأميركية الحالية والسابقة
هناك فتور غربي، وأميركي تحديداً، تجاه القضية السورية، وبالأخص تجاه دعم المعارضة، ما أسباب هذا الفتور؟ وهل ترهّل المعارضة برأيك أدى إلى هذه النتيجة؟ وهل من خطط لديكم لتحريك الملف السياسي وتفعيل دور المعارضة؟
لا شكّ في أننا كمعارضة نمر بحالة صعبة، ولدينا الكثير من التحديات، ولكن موضوع تراجع الاهتمام بالقضية السورية يجب أن ينظر له من زوايا عدة. فالنظام وحلفاؤه يتصرفون ضد كل ما يتعلق بالحل السياسي بغض النظر عن وضع المعارضة سواء كانت موحدة أم لا. الأمر الآخر، خلال زيارتنا الأمم المتحدة أخيراً، لاحظنا أنه للمرة الأولى في تاريخ هذه المنظمة لا يكون الشرق الأوسط ضمن أولوياتها، أصبحت هناك أولويات أخرى للدول مثل جائحة كوفيد 19، وقضية الصين، وروسيا، وغيرها. كما أن مواقف الدول لا تبقى بزخم ثابت اتجاه أي قضية.
وبالنسبة للتراخي الأميركي، كان للإدارة الحالية موقف من الإدارة السابقة ونحن دفعنا الثمن، والآن نأمل بأن يتحسّن الموقف الأميركي تجاه القضية السورية، وبصدور قانون الكبتاغون من قبل واشنطن، الذي يستهدف مسألة تمويل النظام من المخدرات والتي لا يطاولها قانون قيصر.
جمعنا آلاف الأدلة التي تدين مجرمي الحرب في سورية
بالتوازي مع كل الإحباط في الملف السياسي، تمت أخيراً في ألمانيا محاكمة متهمين بجرائم حرب كانا موظفين لدى النظام، كيف تعاطيتم كمعارضة مع هذا الحدث؟ وكيف يمكن البناء عليه سواء لناحية تقديم أكبر عدد ممكن من مجرمي الحرب للمحاكمة، أو لناحية فتح ملف المعتقلين؟
ملف المحاسبة والمساءلة هو ملف أساسي بالنسبة لهيئة التفاوض والسوريين، وأي إنجاز في هذا الإطار هو أمر مهم يمكن البناء عليه، ونحن في هيئة التفاوض لدينا لجنة متخصصة في هذا الأمر، ولدينا علاقات جيدة مع الجهات الدولية المعنية به. وهنا نؤكد الدور الذي تقوم به منظمة "تربل أي إم" (وهي آلية محايدة في الأمم المتحدة شُكلت في عام 2016 متخصصة في جمع وتحليل البيانات وإعدادها وفقاً للمعايير الجنائية الدولية) بجمع الأدلة حول جرائم الحرب في سورية، لأن موضوع جمع الأدلة والقرائن ضمن معايير محددة، من الأمور التي تصعّب محاكمة مجرمي الحرب مع مرور الوقت.
وفي هذا الإطار، نبشّر بأنه تم جمع آلاف الأدلة الواضحة التي لا تقبل الشك والتي تجرم كل مجرمي الحرب في سورية، ولكن الموضوع يحتاج إلى وقت لأن المحاسبة والمساءلة لا يمكن أن تتما إلا إذا جرى سوق كل مجرمي الحرب لدى النظام إلى محاكمات عادلة.