أفغانستان: خطر "داعش" يكبر على "طالبان"

14 يناير 2023
تشير الهجمات إلى وجود ثغرات أمنية داخل صفوف "طالبان" (Getty)
+ الخط -

تتفاخر حكومة "طالبان" أفغانستان بأن الأمن القائم في البلاد هو من أهم إنجازاتها منذ عودتها إلى الحكم في أغسطس/ آب 2021. لكن سلسلة الهجمات التي تشهدها البلاد، خصوصاً في كابول، والتي يقف وراءها بشكل أساسي تنظيم "داعش"، تعكس الإخفاقات التي تواجهها الحركة.

وتترافق هذه التفجيرات مع تعاظم الفجوة بين "طالبان" والشعب الأفغاني، بسبب العديد من الملفات، أهمها تعليم البنات وعمل النساء، علاوة على تعامل الحركة بشكل عام مع المثقفين في البلاد، ما جعل الكثيرين منهم يتوجهون إلى الخارج. كما برز عجر الحركة عن ترميم علاقاتها مع دول الجوار والعالم.

بلال كريمي: نطمئن الشعب أن "داعش" لم ولن يكون خطراً على أمن البلاد واستقرارها

وقال بلال كريمي، نائب المتحدث باسم "طالبان" وعضو اللجنة الثقافية، لـ"العربي الجديد"، تعليقاً على الهجمات الأخيرة لتنظيم "داعش"، خصوصاً الذي وقع الأربعاء الماضي أمام مقر وزارة الخارجية، إن "طالبان" تمكنت من القضاء على خلايا "داعش" في الآونة الأخيرة، مشيراً إلى أن التنظيم لم يعد يشكل خطراً كبيراً لأمن البلاد واستقرارها.

"طالبان": الأمور تحت السيطرة

وبرأيه فإن العمليات التي يقوم بها التنظيم يمكن أن تحدث في أي مكان، وبالتالي الأمور كلها تحت السيطرة، معتبراً أن "طالبان" لا تزال قادرة على إحلال الأمن والسلام في ربوع أفغانستان كلها. وأضاف: نطمئن الشعب الأفغاني أن "داعش" لم ولن يكون خطراً على أمن البلاد واستقرارها، وأن حكومة "طالبان" تعي جيداً ما يجب عليها أن تفعل إزاء هذا الأمر.

وفيما تؤكد "طالبان" أن الهجوم الانتحاري عند بوابة وزارة الخارجية، الأربعاء الماضي، والذي تبناه تنظيم داعش قد فشل وأن عناصر الأمن أحبطوا العملية، وبالتالي الخسائر كانت قليلة، أوضح مصدر في الخارجية، لـ"العربي الجديد"، أن الهجوم وقع عند خروج الموظفين من مقر الوزارة، وأن الخسائر أكثر بكثير مما أشارت إليه "طالبان".

وكان الناطق باسم شرطة كابول خالد زدران قد قال وقتها إن الهجوم أسفر عن مقتل خمسة أشخاص، وإصابة عشرة، فيما تحدث أحد المسؤولين لوكالة "رويترز" عن 20 قتيلاً. من جهتها أعلنت بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان، في بيان أمس الجمعة، أن التفجير أدى إلى مقتل 10 أشخاص، وإصابة 53.

وأشار المصدر في الخارجية الذي تحدث مع "العربي الجديد" إلى مقتل عدد من الدبلوماسيين الأفغان، وأن هناك عدداً من القتلى من القسم الثقافي وأقسام أخرى. كما حصل "العربي الجديد" على قائمة القتلى التي استقبلت مستشفى "إيمرجنسي" في العاصمة جثامينهم، وعددهم 17، من موظفي وزارة الخارجية وغيرهم.

هدف الانتحاري كان موظفي الخارجية

وقال شاهد العيان عبيد الرحمن، لـ"العربي الجديد"، إن هدف الانتحاري كان موظفي وزارة الخارجية، ويبدو أنه لم يحاول أصلاً الدخول إلى الوزارة، بخلاف رواية "طالبان"، مشيراً إلى أن "الحركة تسعى إلى التقليل من خطر "داعش".

اللافت أيضاً أن الهجوم الدموي على وزارة الخارجية الأفغانية وقع في اليوم الذي كان من المقرر فيه عقد اجتماع مهم لوفد صيني مع وزير الخارجية الأفغاني الملا أمير خان متقي. وفيما ذكر شقيق وزير الخارجية أحمد الله متقي، في تغريدة بعد الهجوم، أنه لم يكن في مقر الوزارة أي عنصر أجنبي وقتها، فإن مصدراً في الوزارة قال، لـ"العربي الجديد"، إنه كان من المخطط أن يعقد اجتماع بعد ظهر يوم الهجوم بين وفد صيني وبين وزير الخارجية، ولكن لا أدري إن كان قد تزامن هذا الأمر مع وقت الانفجار أم لا؟

من جهته، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وين بين، أول من أمس، عندما سئل عن الانفجار الذي قيل إنه كان يستهدف وفداً صينياً: "على حد علمنا، لم يسقط قتلى أو جرحى صينيون في هذا الهجوم الإرهابي".


سيف الله عزيز: سياسات "طالبان" خيّبت آمال الشعب إلى حد كبير

 

وإن صح موضوع عقد اجتماع مع وفد صيني في وزارة الخارجية، فإن ذلك قد يشير إلى أن المخططين كانوا يهدفون لتحقيق أكثر من هدف في آن واحد؛ توجيه ضربة إلى "طالبان" ورسالة إلى الصين التي تعتمد عليها الحركة اقتصادياً. يذكر أن هجوماً دموياً لـ"داعش" كان استهدف فندقاً في العاصمة الشهر الماضي كان يرتاده رجال أعمال صينيون، ما أدى إلى إصابة خمسة منهم.

وفي بداية الشهر الحالي، تمكن انتحاري من "داعش" من عبور حواجز أمنية عدة والوصول إلى مطار كابول، وتفجير سترته الناسفة، ما أدى إلى مقتل 10 أشخاص، جلهم من الموظفين وعناصر الأمن السابقين في الجانب العسكري من المطار، المحصن أمنياً من كل الأطراف.

وكان تنظيم "داعش" قد كثف من هجماته، خصوصاً الانتحارية، منذ سيطرة "طالبان" على كابول في أغسطس/آب 2021، ليثبت أنه يمثل تحدياً كبيراً للحركة، التي لم تتمكن من ترميم علاقاتها مع دول الجوار والعالم.

سياسات "طالبان" خيبت آمال الشعب

وقال الأكاديمي الأفغاني سيف الله عزيز، لـ"العربي الجديد"، إن سياسات "طالبان" خيّبت آمال الشعب إلى حد كبير، الذي يبدو أنه لا يتعاون معها، خصوصاً في ظل تفاقم الفقر والبطالة.

واعتبر أن "طالبان" ليست على قدر كافٍ من التجربة والدراية حتى تتصدى لهجمات "داعش" أو أي جهة أخرى من دون تعاون الشعب، وهو ما أثبتته الهجمات الأخيرة، إذ إن مسلحي التنظيم وصلوا إلى الأماكن المحصنة أمنياً، كمطار كابول ومقر وزارة الخارجية والفندق الذي كان يرتاده الصينيون. وأشار إلى أن هذه الأهداف لها دلالات، لأن التنظيم وصل إلى أهداف تعتبر صعبة، وهو تجاوز مرحلة استهداف أقلية الهزارة وأماكن العبادة.

الافتقار إلى شرطة وجيش نظامي

كذلك تشير الهجمات الأخيرة إلى وجود ثغرات أمنية داخل صفوف "طالبان". ولعل عدم وجود شرطة وجيش نظامي من أهم تلك الثغرات، وهذا ما أوضحه المحلل الأمني عبد الجبار أكبري، قائلاً، لـ"العربي الجديد"، إن الجماعات التي تقوم بمثل هذه الهجمات تكون على قدر كافٍ من التدريب، فيما البلاد بحاجة إلى جيش نظامي ومدرب وتنظيم الأمور الأمنية وهو ما نفتقر له حالياً.

وأشار إلى أنه في حالة استمرار الوضع الراهن ستكون هناك فجوة كبيرة بين "طالبان" والشعب، إذ إن "عامة المواطنين والشريحة المثقفة التي تعمل في الحكومة من أجل لقمة العيش ضحايا تلك الهجمات، فيما لا يوجد أي تطور مهم ولافت في المنظومة الأمنية والعسكرية".

المشكلة بتعامل "طالبان" مع الشعب

وقال الزعيم القبلي حبيب الله هوتك، لـ"العربي الجديد"، إن المشكلة الأساسية ليست فقط في تنظيم "داعش"، إذ إن الفكر "الداعشي" لا أصل له في أفغانستان وعامة الشعب لا تدعم ذلك، لكن المشكلة الأساسية في تعامل "طالبان" مع الشعب والقبائل والملفات الرئيسية التي تهم الشعب.

وأعرب عن خشيته من أن يدفع هذا الأمر الشباب المتطرفين إلى التوجه نحو "داعش"، هذا من جهة، وعدم تعاون الشعب مع "طالبان" من جهة أخرى. وأشار إلى أن كل المثقفين المقتدرين مالياً يغادرون إلى باكستان وإيران، فقط من أجل تعليم بناتهم. 


حبيب الله هوتك: المشكلة الأساسية في تعامل "طالبان" مع الشعب والقبائل

وتساءل: أبهذه الصورة تكون الحكومة؟ هل ساند الشعب الأفغاني الحركة لتحكمهم بهذا الشكل؟ كل الدوائر الحكومية مليئة بـ"طالبان" (طلاب المدارس الدينية)، الذين لا دراية لهم في كيفية التعامل مع الشعب ودول الجوار والعالم. إنهم فقط يرفعون شعار أنهم جاؤوا إلى الحكم بقوة السلاح، وليحكم السلاح والقوة، وهذا ما ستكون له عواقب وخيمة، سيدفعه ثمنها الشعب.

وبالإضافة إلى "داعش" تواجه "طالبان" المقاومة الوطنية بقيادة أحمد مسعود الناشطة في شمال البلاد، خاصة في بانشير وأندراب، وهناك جبهة التحرير التي شكلت قبل أشهر من قبل بعض العسكريين السابقين، والتي كانت استهدفت بعبوة ناسفة، قبل أيام، دورية للأمن في مدينة قندهار ما أدى إلى إصابة عدد من العناصر.

يذكر أن منظمة "هيومن رايتس ووتش" أكدت، في تقريرها الصادر، أول من أمس الخميس، عن أحوال حقوق الإنسان، ارتفاع وتيرة أعمال العنف في أفغانستان، مشيرة الى بعض هجمات "داعش" بعد سيطرة الحركة على كابول. واتهمت "طالبان" بقتل وخطف موظفين سابقين، معربة عن قلقها إزاء الوضع الأمني في البلاد.