استمع إلى الملخص
- تتعرض أحياء مثل "حارة جابر" و"حارة السلايمة" لعزل ممنهج منذ عام 2000، حيث يمنع الاحتلال حركة الفلسطينيين بينما يسمح للمستوطنين بالتنقل بحرية، مما يزيد من معاناة السكان.
- يفتقر السكان إلى الدعم الرسمي، بينما تتزايد حركة المستوطنين في المناطق المغلقة، مما يزيد التوتر والخطر على الفلسطينيين في مناطق H2 الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية.
تصعّد سلطات الاحتلال الإسرائيلي إجراءاتها في البلدة القديمة في مدينة الخليل بجنوب الضفة الغربية، لتفرض حصاراً خانقاً يدفع السكان نحو التهجير القسري. ويمارس الاحتلال التضييق على الفلسطينيين من خلال إغلاق المنازل بالأسلاك الشائكة أو "اللحام الحديدي" في محاولة لعزلهم تماماً عن محيطهم ومنعهم من الحركة في أحياء حاراتهم ومحيط منازلهم، كذلك ارتفعت وتيرة الإجراءات الأمنية الإسرائيلية في المنطقة، حيث أُغلقَت العديد من المنافذ والطرق الرئيسية بين الأحياء، ما أثر كثيراً بحياة السكان اليومية.
وأغلقت قوات الاحتلال في الآونة الأخيرة سبعة منازل بالأسلاك الشائكة، ومنعت أصحابها من الخروج عبر بوابة منازلهم، إضافة إلى ستة منازل أُغلقَت بأقفال الحديد، ما يعني عزل العائلات عن محيطها بالكامل. وقال عارف جابر، أحد سكان حارة جابر، في حديث مع "العربي الجديد"، إن ست عائلات أُجبرت أخيراً على مغادرة منازلها بعد القضاء على أدنى مقومات الحياة بفعل القيود الإسرائيلية، خصوصاً بعد فشل محاولات التواصل مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والارتباط المدني الفلسطيني للوصول إلى حل يحول دون ترك الناس منازلهم، لتجد هذه العائلات، التي يعاني بعض أفرادها من أمراض مزمنة أو إعاقة بحاجة لرعاية طبية يومية، نفسها بمواجهة واقعٍ يخيّرهم بين ترك منازلهم أو البقاء محاصرين، كما هو حال عائلة إدريس في حارة السلايمة التي ترفض ترك منزلها، رغم وجود حالات إنسانية عندها.
ومنذ عام 2000، تتعرض أحياء "حارة جابر" و"حارة السلايمة" و"واد الغصين" لسياسة عزل عنصري ممنهجة، إذ يفرض الاحتلال قيوداً مشددة على حركة سكّانها الفلسطينيين، ويمنع حركة المركبات، بينما يُوسَّع نطاق تحرك المستوطنين مشياً على الأقدام في كل الأوقاف وعبر مركباتهم. وهذه الأحياء، الواقعة شرق المسجد الإبراهيمي وغرب مستوطنة "كريات أربع"، يسكنها نحو 2500 فلسطيني يعيشون تحت حصار خانق يجعل حياتهم اليومية عرضة لمخططات التهجير الإسرائيلية.
ويضطر عارف جابر، مع نحو عشر عائلات أخرى، إلى استخدام السلالم للخروج من منازلهم والصعود نحو أسطح المنازل المجاورة، وصولاً إلى الطريق المسموح العبور فيها، لأن قوات الاحتلال أغلقت باب منزله الرئيسي، ووضعت نقطة عسكرية على أعتابه، علماً أنه لا مبرر لاتخاذ هذه الخطوة إلا بهدف تشديد الخناق على السكان. ولا تقتصر الاعتداءات اليومية على الإغلاق وتقييد الحركة، بل تمتد لتشمل الاعتداءات الجسدية المستمرة بالضرب المبرح من قبل جيش الاحتلال.
ويوضح جابر أن الاعتداءات تصل إلى أكثر من 30 حالة شهرياً، مع وجود ضرب مبرح للرجال والنساء على حد سواء، ويقول: "تقع غالبية الاعتداءات عندما يحاول السكان العبور من طرق ليس فيها عناصر جيش الاحتلال، لكن الاحتلال بات أخيراً يطلق طائرات من دون طيار (درون) لتراقب حركة الناس، ثم يسارع أفراد الجيش إلى إغلاق الطريق الذي كشفته الطائرة ويعتدون على سالكي الطريق"، ويضيف: "إذا حاول السكان مغادرة المنطقة أو استخدام طرق غير مراقبة تمر عبر منازل مواطنين آخرين، يقتحم الاحتلال هذه المنازل ويدمر مقتنياتها ويعتقل أصحابها لساعات أو أيام، فقط بسبب إتاحة منازلهم كي يعبر أصحاب المنازل المحاصرة".
أين الجهات الرسمية مما يجري في الخليل؟
ويشير جابر إلى أنهم توقفوا عن تسجيل "الاعتداءات وتوثيقها كما في السابق، لأنها لا تلقى متابعة من أحد سوى الجيش الإسرائيلي الذي يهاجمنا حال التوثيق والنشر"، معبراً عن استيائه من غياب أي تدخل رسمي لدعم الأسر الصامدة في المناطق المغلقة، ويتساءل: "لماذا عليّ أنا أن أتوجه للجهات الرسمية عند الاعتداء عليّ؟ لماذا لا يتوجهون هم للسؤال عنا وزيارتنا ورؤية المعاناة التي نعيشها؟ لماذا لا يأتي حسين الشيخ بصفته مسؤولاً عن التنسيق مع الإسرائيليين لمتابعة أحوالنا في المناطق المغلقة عبر زيارة ميدانية؟".
وفي ذات السياق، يطالب جابر ببرنامج صمود يعزز بقاء السكان في منازلهم، قائلاً: "على الأقل، عند الاعتداء بالضرب على أحد المواطنين، ينبغي توفير العلاج المجاني له، وتقديم الدواء مجاناً، ودفع الكفالة المالية لمن يعتقلهم الجيش، أو أن يقدم الدعم المعنوي على الأقل".
ولا يختلف حال سكان المناطق الشرقية للمسجد الإبراهيمي عن حال المناطق الغربية منه، كما هو في تل الرميدة، إذ أغلقت قوات الاحتلال مطلع الشهر الجاري أبواب منزل المواطن عماد أبو شمسية بعد تحريض من المستوطنين على خلفية نشاطه في توثيق اعتداءات المستوطنين.
وقال أبو شمسية لـ"العربي الجديد"، إن مستوطنة يمينية متطرفة تدعى "عنات كوهين" اقتحمت محيط منزله عقب زيارة صحافية إسبانية لمنزله، ما دفعه إلى إغلاق باب المنزل في وجهها وبعد أقل من يومين أغلقت قوات الاحتلال منزل أبو شمسية بالأسلاك الشائكة. وبعد هذا الإغلاق بات منزل أبو شمسية محاصراً بالكامل، حيث نصبت قوات الاحتلال نقطة عسكرية عند مدخل منزله الخلفي، ونقطة عسكرية على سطح منزله. والأسلاك الشائكة الآن موجودة عند مدخله الرئيسي لتقييد حركته وحركة أصحاب المنازل المحاصرة الذين كانوا يعبرون من السطوح والأزقة مروراً بمدخل منزله الرئيسي، وفق ما يوضح أبو شمسية الذي يتخوّف من تحوّل وضع منزله الآن إلى أمر واقع.
ولفت أبو شمسية، الناشط في تجمع "المدافعون عن حقوق الإنسان"، إلى أن الاحتلال ينشر ما لا يقل عن 110 عوائق حركية على شكل قاطع أو بوابة حديدية، وأسلاك شائكة، ونقطة عسكرية، ومكعبات إسمنتية، وجدران خرسانية موزّعة جميعها على المناطق المغلقة في "تل ارميدة، وشارع الشهداء، وواد الحصين، وواد الغروس، وحارة جابر، وحارة السلايمة، ومحيط المسجد الإبراهيمي"، وذلك منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، إذ كانت قبل ذلك تصل إلى نحو 80 عائقاً.
وتعاني المناطق المذكورة، وفق أبو شمسية، من "قصور في نقل معاناتهم للعالم، وإهمال الجهات الرسمية لهم وعدم تقديم الدعم اللازم لهم، وسط منع الاحتلال لهم من أبسط مقومات العيش، مثل إدخال أنبوبة غاز إلى المنازل". وفي مقابل ذلك كلّه، يوضح أبو شمسية أنه في الوقت الذي يُدفع فيه الفلسطيني نحو هجرة منزله، تتزايد حركة المستوطنين في المناطق المغلقة، خصوصاً وسط زيادة أعدادهم في مستوطنة كريات أربع، وتعمّدهم الحركة في الأحياء الفلسطينية، مشيراً إلى أنه بالكاد الآن يمرّ مستوطن بلا سلاح، ما يشكل عامل خطر أكبر على الفلسطينيين.
وتصنّف المناطق المغلقة ضمن مناطق H2 الخاضعة للسيطرة الأمنية والمدنية الإسرائيلية، وفق ما نصّت عليه اتفاقية الخليل "بروتوكول إعادة الانتشار 1997" الموقّع بين منظمة التحرير والسلطات الإسرائيلية.