دخلت الأحزاب المغربية الممثلة في البرلمان، السبت، على خط الأزمة بين الرباط ومدريد، معتبرة استقبال الحكومة الإسبانية إبراهيم غالي، زعيم جبهة "البوليساريو"، بداعي العلاج جرّاء إصابته بفيروس كورونا، "استفزازاً صريحاً تجاه المملكة".
واستهجنت الأحزاب المغربية استقبال إسبانيا زعيم "البوليساريو" بـ "استعمال هوية مزورة تجسد سلوك المليشيات والعصابات الإجرامية"، معتبرة ذلك "عملاً مرفوضاً ومداناً، واستفزازاً صريحاً تجاه المملكة المغربية، في تناقض صارخ مع جودة العلاقات الثنائية بين الشعبين والبلدين وحسن الجوار"، لا سيما أن هذا الشخص تلاحقه "تهم خطيرة تتعلق بانتهاك حقوق الإنسان وجرائم ضد الإنسانية، وتجاوزات جسيمة لحقوق المحتجزين بمخيمات تندوف، لا يمكن التغاضي عنها".
جاء ذلك في بيان مشترك وقعته تسعة أحزاب هي: "العدالة والتنمية" (قائد الائتلاف الحكومي الحالي في المغرب) و"الأصالة والمعاصرة"، و"الاستقلال"، و"التجمع الوطني للأحرار"، و"الحركة الشعبية"، بالإضافة إلى "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، و"الاتحاد الدستوري"، و"التقدم والاشتراكية"، و"الاشتراكي الموحد".
وانتقدت الأحزاب التسعة، في البيان، الذي وصلت إلى "العربي الجديد" نسخة منه، ما سمته "تساهل وتواطؤ السلطات الإسبانية باستقبال زعيم البوليساريو"، معتبرة ذلك "مخالفة تامة للقانون وتجاهلاً للمصالح الحيوية لبلد جار وشريك"، ولفتت إلى أن إسبانيا عانت وتعاني من ظاهرة الانفصال وعواقبها الوخيمة على استقرارها ووحدتها، وأنه "لم يُسَجّل على أي حزب مغربي مواقف أو أفعال مساندة لطرح الانفصال في الجارة إسبانيا".
إلى ذلك، انضمت الأحزاب التسعة إلى موقف الخارجية المغربية الرافض للمبررات و"الذرائع التي يقدمها بعض مسؤولي الحكومة الإسبانية لاستقبال رئيس جبهة البوليساريو الانفصالية، والتأكيد على أن الشراكة وحسن الجوار يلزمان باحترام سيادة المغرب والتوقف عن التعامل والتواطؤ مع أعدائه".
ودعت الأحزاب المغربية الحكومة الإسبانية لتحديد موقفها بـ"وضوح من هذا الخرق السافر، والقيام الفوري بما يلزم لتصحيحه"، معبرة عن "اقتناعها الراسخ أن الأفعال الإجرامية التي اقترفها غالي تدعو إلى متابعته أمام القضاء الإسباني استجابة للشكايات الموضوعة أمامه وإنصافاً لضحايا جرائمه العديدة".
ويأتي ذلك، في وقت تتجه فيه الأزمة بين البلدين إلى مزيد من التعقيد والتصعيد، بعد أن أطلقت الرباط، في وقت سابق السبت، تحذيراً لمدريد من عواقب ما اعتبرته "مناورة" و"عملاً خطيراً" جراء عدم إخطارها بوصوله وتبريرها لاستقباله بـ"اعتبارات إنسانية".
واعتبرت الخارجية المغربية، في بيان شديد اللهجة أصدرته في الساعات الأولى من صباح السبت، أنّ قرار السلطات الإسبانية "بعدم إخطار نظرائها المغاربة بوصول زعيم مليشيا البوليساريو ليس مجرد إغفال"، وإنما "عمل مع سبق الإصرار وخيار طوعي وقرار سيادي من قبل إسبانيا، وهو أمر يقره المغرب تماماً"، معتبرة أن ذلك العمل "سوف يرسم كل العواقب".
وبدت لافتة ارتدادات الكشف عن الدخول السرّي لزعيم "البوليساريو" إلى الأراضي الإسبانية ببطاقة هوية جزائرية مزيفة، بعدما سارعت الخارجية المغربية إلى استدعاء السفير الإسباني في الرباط، ريكاردو دييز هوشلايتنر، في 24 إبريل/ نيسان الماضي، للتعبير عن استياء المغرب من موقف بلاده، الذي وصفته الخارجية المغربية بأنه "غير عادل"، ولتأكيد "عدم تساهل المغرب في قضية وحدته الترابية باعتبار الصحراء موضوعاً وجودياً للمملكة المغربية"، وأن "تجاهل هذا الواقع هو عمل ضد الشراكة الاستراتيجية بين البلدين".
ولم يكن استدعاء السفير الإسباني سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد المرتبط بالأزمة الصامتة بين البلدين، والتي تلقي بظلالها على العلاقات الثنائية على امتداد السنوات الماضية بالنظر إلى حجم الملفات الساخنة التي تواجه البلدين الجارين، ومنها ملف الصحراء، وخصوصاً مقاربة الحزب الاشتراكي الإسباني للنزاع، وأيضاً ملف الهجرة السرّية، وموضوع مدينتي سبتة ومليلية، وصولاً إلى الاتفاقيات الزراعية.