يبشّر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بنظام مختلف من الحكم، في حال فوزه مجدداً بانتخابات الرئاسة المقبلة، المقرّرة في خريف عام 2024، وبمبادئ ظلّت لعقود سمة لأجندة الحزب الجمهوري، لكن الأهم أنه يضع في رأس أولوياته، بحال عودته إلى البيت الأبيض، الأجندة الداخلية وليست الخارجية، وعلى قاعدة إحداث مزيد من الخضّات داخل الحزب المحافظ، بهدف التأسيس أكثر لتحويله نحو حزب الترامبيين.
وبغض النظر عمّا إذا تمكن ترامب من الوصول والفوز بسباق الرئاسة أم لا، فإن مجرد الاستماع إلى التعهدات التي يطلقها في حملته الانتخابية، تشي بمدى حدّة الاستقطاب داخل المجتمع الأميركي، وتفاعل ترامب معها، وتسخيرها لإحداث اختراقات جوهرية ومتصاعدة في طبيعة نظام الحكم الأميركي.
ولطالما رفض ترامب، خلال ولايته الأولى بين عامي 2016 و2020، الاعتراف بسلطة محدودة للحكومة الفيدرالية، وبمبادئ الحكم المحلي للولايات، بل فضّل على الدوام أن تكون السلطة التنفيذية في واشنطن هي المهيمنة، بخلاف ما ميّز الحزب الجمهوري لعقود.
ترامب وديسانتيس: أجندة شعبوية
وبحسب تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، نشرته أمس الأحد، فإن ترامب يعدّ العدّة لتوسيع سلطته التنفيذية، لتمتد إلى التأثير على البرامج التعليمية للمدارس، ومنع الأطباء من الانخراط في عمليات التحول الجنسي لدى الشباب، والضغط على مراكز الشرطة لاعتماد سياسات أكثر تشدداً في إطار مكافحة الجريمة، وهي كلّها حقول تعدّ من صلاحيات الحكومات المحلية التي تملك في العادة زمام المبادرة فيها.
يتعهد ترامب بتعزيز سلطات الرئاسة على حساب سلطة الولايات
وليس وحده ترامب، الذي يرفع هذه الألوية في حملته، بل أيضاً منافسه على ترشيح حزبه للرئاسة، حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس، أحد رموز اليمين الشعبوي أيضاً، والذي انتُقد كثيراً لاعتماد وفرض سياسات متشددة في الولاية، وصولاً إلى التدخل ببرامج المدارس التربوية، في إطار ما بات يسمى بـ"الحرب الثقافية"، والتي يواصلها خلال حملته الانتخابية. كما أن ديسانتيس يعتبر أن "الحرس القديم في الحزب الجمهوري ليس على قدر المهمة"، والتي تقضي باعتماد نهج متشدد للسلطة الفيدرالية، لمواجهة الأجندة الليبرالية التي يقول الجمهوريون إنها سيطرت على المدارس والمراكز الأكاديمية وعلى الإعلام ومجالس إدارات الشركات الكبرى.
ويرفع ترامب، بل يزايد في حملته، على شعارات ديسانتيس، في ما عدا مسألة الإجهاض، التي يتخذ منها ترامب موقفاً أكثر ليناً مقارنة بالمسؤولين الجمهوريين الآخرين، لما لمسه من رفض شعبي لتقييد حقّ الإجهاض بقدر التشدد الذي يريده الجمهوريون المحافظون، وهو ما انعكس سلباً على نتائج الانتخابات لدى الحزب المحافظ في الانتخابات النصفية للكونغرس عام 2022، وأفقد ترامب بعض المرشحين الذين دعمهم.
وفي سياق هذه المزايدة، أعلن ترامب أخيراً أنه سيؤسس جامعة مدعومة حكومياً، معارضة لـ"ووك" (woke)، وهو المصطلح الذي معناه الحرفي "استيقظ"، وهو كان يعني "اليقظة تجاه الظلم والتمييز العنصري"، لكنه بات يُعتمد من قبل الجمهوريين، بطريقة سلبية وساخرة، لوصم الليبراليين والتقدميين بأنهم قريبون من الماركسية، بل حتى أنه الوصم، أو الصفة "السلبية" التي يطلقها الجمهوريون على كل الحركة الليبرالية في الولايات المتحدة، وأفكارها، ومعالمها وحراكاتها.
أعلن ترامب أخيراً أنه سيؤسس جامعة مدعومة حكومياً، معارضة لـ"ووك"
كما تعهد ترامب بإنشاء جسم وطني رسمي لتقديم شهادات لمدرسين "يحتضنون القيم الوطنية"، وببناء "مدن الحرية" على أراضي أميركية غير مستخدمة. فضلاً عن ذلك، فقد وعد باستخدام كل قوة حكومته للتحقيق ومعاقبة خصومه. وفي العديد من خطاباته، وفي العشرات من مقترحاته، وعلى موقع حملته على الإنترنت، يدعو ترامب لتعزيز سلطات الرئاسة، وانتقال السلطة من الوكالات الفيدرالية إلى الرئاسة.
"ترامب ليس محافظاً"
وبحسب "وول ستريت جورنال"، فإن هذه القاعدة من الحكم التي يروّج لها ترامب، لم تكن معروفة أبداً لأجيال سابقة من الجمهوريين، والذين أداروا حملاتهم على مبدأ رفض القاعدة التي تقول إن "إملاءات الحكومة تنطبق على الكلّ"، بل أعطوا صلاحيات موسعة للمشرعين في الولايات ورؤساء البلديات، والذين يعتقد الجمهوريون أنهم الأكثر قدرة على إدارة مجتمعاتهم.
ورأت الصحيفة أنه "على الرغم من أن الكثير من اقتراحات ترامب غير قابلة للتطبيق، إلا أن أجندته للولاية الثانية تحتاج إلى جرعات كبيرة من التدخل الفيدرالي، وهو ما يأتي للمفارقة مع تعهد ترامب بطرد عدد من الموظفين الحكوميين، وإنهاء "الدولة العميقة" وتقليص الإجراءات الحكومية.
ورأى الباحث في معهد هوفر التابع لجامعة ستانفورد، لانهي شين، في تعليق لـ"وول ستريت جورنال"، أنه "إذا فاز ترامب، فإن أيام الحكومة المحافظة الصغيرة ستكون ولّت". واعتبرت الصحيفة أنه بالنسبة لترامب، فإن ولاية ثانية له، قد تكون تتويجاً لحملة طويلة عمل عليها لإعادة تشكيل الحزب الجمهوري على صورته، مصمماً على الافتراق مع الأفكار الأساسية التي أرساها لعقود، رجال مثل الرئيس الأسبق الراحل رونالد ريغان، والسيناتور الجمهوري الذي كان مرشح الحزب للرئاسة في 1964، باري غولدواتر، والكاتب المحافظ ويليام باكلي، وغيرهم. ويقود ذلك، بحسب الصحيفة، إلى أزمة داخل الحزب، حيث يقول مسؤولون جمهوريون إنه بالكاد يعرفون حزبهم اليوم، مقارنة بما كان الوضع عليه قبل عقد من الزمن.
في المقابل، يجزم مناصرو ترامب أن الحزب الجمهوري بات يحتاج لـ"هزّة"، وأن الجمهوريين يخسرون الانتخابات لأنهم لا يستمعون أو أخطأوا في فهم ما يريده فعلاً الأميركيون. كما أنهم يشدّدون على ضرورة التدخل الحكومي، لـ"التصحيح"، بعد ما يرون أنه تمدد لليبراليين الذين ينشرون أفكارهم بشأن التربية وتنوع المجتمع.
لكن بين المؤيدين والمعارضين، هناك داخل الجمهوريين من يحذّر من أن ترامب قد يكون ذهب بعيداً. ويرى مثلاً، السيناتور السابق، جود غريغ، من نيوهامشير، في تصريح للصحيفة، أن "الحكومة الفيدرالية تموّل فقط جزءاً صغيراً من التعليم الثانوي والتكميلي، لكن بحسب ترامب، عليها أن تفرض عليها سيطرة 100 في المائة"، معتبراً أن ذلك غير معقول. وأضاف: "هذه ليست سياسة محافظة، لكن هذه هي النقطة المهمة: ترامب أصلاً ليس محافظاً". علماً أن غريغ أعلن دعمه للمرشحة للرئاسة، المبعوثة الأميركية السابقة للأمم المتحدة، نيكي هايلي.