آلام المواطن ورقة الخصوم في ليبيا

12 سبتمبر 2024
داخل أحد المصارف في مصراته، 25 أغسطس 2024 (محمود تركيا/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **أزمة المصرف المركزي**: اندلعت الأزمة في ليبيا مع محاولة المجلس الرئاسي والحكومة السيطرة على المصرف المركزي، لكن المحافظ المطرود، الصديق الكبير، احتفظ بمفاتيح المنظومات الإلكترونية، مما أدى إلى نقص السيولة النقدية.

- **استغلال مجلس النواب**: استثمر مجلس النواب الأزمة عبر المماطلة في الحوار ورفض التوافق على محافظ جديد، مما زاد من تعقيد الوضع ودفع الشعب للخروج ضد الحكومة والمجلس الرئاسي.

- **تفاقم الأوضاع الاقتصادية**: تسببت الأزمة في احتجاجات شعبية بسبب انقطاع الكهرباء وارتفاع الأسعار ونقص الوقود، مما زاد من الضغط على الحكومة والمجلس الرئاسي.

لن يترك مجلس النواب الليبي وقائده عقيلة صالح فرصة تورط الحكومة والمجلس الرئاسي في أزمة المصرف المركزي، لإسقاطهما، خصوصاً أن هذا الإسقاط سيكون على حساب الشعب الذي لن يحاسبه رغم آلامه، حتى وإن كان مجلس النواب يتكئ على شرعيته المكذوبة على الشعب. مرّ حتى الآن شهر على اندلاع أزمة المصرف المركزي التي بدأها المجلس الرئاسي بدفع من الحكومة في طرابلس، ولم تتجاوز قدرتهما في السيطرة على المصرف حدّ السيطرة على مقره، فيما بقيت مفاتيح منظوماته الإلكترونية بيد المحافظ المطرود، الصديق الكبير، المتحالف مع مجلس النواب. وذهبت كل محاولات الحكومة والمجلس الرئاسي بشأن طمأنة المجتمع الدولي والمحلي أدراج الرياح، فلم تتوفر السيولة النقدية اللازمة لصرف رواتب المواطنين، ولا العملة الأجنبية لتنفيذ المعاملات المالية الخاصة بتوريد البضائع والمؤن والدواء.

كان واضحاً في بداية أزمة المصرف أن الجميع، الحكومة والمجلس الرئاسي ومجلسي النواب والدولة، لا يعلمون تفاصيل العمل في المصرف المركزي. فالطرف الأول كان يدفع بقوة نحو تطبيق قراره بسرعة للسيطرة على المصرف ولفرض نفسه أمراً واقعاً، أما الطرف الثاني فيكافح من أجل منع ذلك. لكن ما إن تكشفت حقيقة أن المؤسسة المالية ليست كسائر مؤسسات العالم، بل حولها رجل يحتل منصب المحافظ منذ سنوات طويلة إلى مجموعة "أكواد" يحملها في حاسوبه الشخصي، حتى تفطن الجميع لعمق الأزمة، إلا أن اللافت هو في تراجع مجلس النواب، إذ أدرك عمق ورطة الحكومة والمجلس الرئاسي، وبدأ في استثمارها باستخدام الأدوات ذاتها التي يتقنها جيداً، وهي التماهي مع المطالب الدولية بضرورة الحوار من أجل حلّ للأزمة، لكن بالمماطلة من أجل إغراق الحكومة والمجلس الرئاسي في أوحال مستنقع تورطوا فيه. لن يذهب مجلس النواب للتوافق مع مجلس الدولة حول شخصية لشغل منصب محافظ المصرف، وتكوين مجلس إدارة موحّد، فذلك أمر سيفقده ورقة ثمينة لم يكن يخطط للحصول عليها. وسيماطل كما هي عادته لكسب الوقت من أجل إسقاط خصومه حتى وإن كان ذلك على حساب حنق المواطن.

المستنقع الذي يسعى مجلس النواب إلى زيادة نسب أوحاله ليتخبط خصومه فيه، هو دفع الشعب للخروج على الحكومة والمجلس الرئاسي لإسقاطهما، وهو ما بدأت ملامحه تظهر في شعارات السخط البادية على حياة المواطن الذي لم يستطع الوصول إلى رواتبه منذ شهرين، فيما الأسعار تلتهب كل يوم. وبالتزامن بات التجار عاجزين عن توريد الغذاء والدواء بالأسعار الرسمية للعملات الأجنبية التي كان يوفرها المصرف المركزي، ما دفعهم إلى شرائها من السوق السوداء بأسعار مرتفعة، ستلقي بظلالها حتماً، بارتفاع أسعار الغذاء والدواء. أما الوقود فسيتوقف توريده لأن مجلس النواب أوقف إنتاج النفط وتصديره، وبالتالي ستعجز المؤسسة الوطنية للنفط قريباً عن استمرارها في تنفيذ آلية توريده، وهذا يعني توقف أغلب المؤسسات الخدمية عن العمل، وأولها شركة الكهرباء التي تعمل أساساً بالوقود لإنتاج الكهرباء.

فعلياً بدأت الاحتجاجات الشعبية في صور تجمعات يومية متفرقة في بعض أنحاء البلاد، للتعبير عن سخط المواطن حيال انقطاع الكهرباء لساعات طويلة، ووقوفه في طوابير طويلة أيضاً أمام محطات الوقود، ونفاد مدخراته الخاصة بمرور الوقت، فهي عونه الوحيد لتوفير حاجياته الأساسية اليومية. كل ذلك لا يعني مجلس النواب في شيء سوى انتظاره للحظة تفجر الشارع للمطالبة بإسقاط الحكومة والمجلس الرئاسي. مجلس النواب الذي لا يتوقف رئيسه عقيلة صالح عن الاتكاء على شرعية انتخابه من الشعب، يفعل ذلك بالمواطن دون خجل ولا وجل، ويتحالف مع محافظ يمسك بتلابيب خناق المواطن ويحبس أنفاسه المتقطعة داخل حقيبة حاسوبه الشخصي. بل ويفتح أبوابه أمام كل من يسعى للانضمام إليه من حلفاء الحكومة والمجلس الرئاسي لتضييق خياراته. ليس دفاعاً عن الحكومة والمجلس الرئاسي، فالبادي أظلم، وهما شريكان في كل ما يحل بالمواطن اليوم. لكن الحديث يتعلق بزيادة كشف لاإنسانية "نواب" الشعب الذين ما فتئوا يستندون إلى شرعية تصويت مواطنيهم لهم بالأمس، وآذانهم صماء عن أصواتهم التي تستغيث اليوم.