"واشنطن بوست": "مسيرة الحماقة" الوشيكة لبوتين وسيناريو دموي للحرب المحتملة في أوكرانيا
يرى الصحافي والروائي الأميركي، ديفيد إغناتيوس، في "واشنطن بوست" الأميركية أن العالم سيراقب برعب اجتياح روسيا لأوكرانيا إذا ما حصل هذا الأسبوع. وسيفوز الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بسرعة في المرحلة التكتيكية الأولية من هذه الحرب المتوقعة. حيث يعتقد مسؤول أميركي أن الحشود الضخمة التي جمعتها روسيا على طول الحدود الأوكرانية قد تستولي على العاصمة كييف في عدة أيام، وقد يسيطر بوتين على البلاد خلال أسبوع أو أكثر بقليل.
وهنا يرى إغناتيوس أن معركة بوتين الحقيقية ستبدأ، حيث ستحاول روسيا ووكلاؤها من الأوكرانيين تحقيق الاستقرار في بلد يكرههم شعبه إلى حد كبير. وإذا قرر 10% فقط من سكان أوكرانيا البالغ عددهم 40 مليون نسمة مقاومة الاحتلال؛ فإنهم سيشكلون حركة تمرد قوية. وهنا يتذكر الكاتب كيف قامت "مجموعات صغيرة من المقاتلين المتحمسين" بتخريب انتصار القوة العسكرية الهائلة للولايات المتحدة في العراق وأفغانستان.
وبحسب الكاتب، فإن مشكلات روسيا لن تكون محصورة داخل حدود أوكرانيا فقط، فالاقتصاد الروسي سيتضرر بشدة بسبب العقوبات، وسيصبح قادة موسكو التجاريون والسياسيون منبوذين دولياً، وسيتم تجميد الكثير من الثروات التي جمعها بوتين وأصدقاؤه.
ويتابع إغناتيوس فيرى أن أوكرانيا قد تبدو انتصاراً ساحقاً لبوتين في البداية، لكن من غير المرجح أن تكون لها نهاية سعيدة. فعندما يخوض القادة "حروباً اختيارية" غير ضرورية بدون نهاية واضحة، فإنهم غالباً ما يواجهون عواقب وخيمة غير مقصودة. وهنا يستذكر الكاتب "كيف أقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن على غزو لبنان عام 1982، الأمر الذي ساعد على تشكيل حزب الله"، وكذلك "كيف غزا الرئيس جورج دبليو بوش العراق عام 2003، الأمر الذي زعزع استقرار الشرق الأوسط وجعل إيران قوة إقليمية عظمى". وبالطريقة نفسها، يرى الكاتب أن بوتين سيكون آخر زعيم ينضم إلى ما وصفته المؤرخة الأميركية باربرا توكمان، بـ"مسيرة الحماقة".
وبخصوص موقف الرئيس الأميركي من الأزمة، فإن الكاتب يرى أن بايدن ينطلق من ثلاث ركائز؛ الأولى أن النظام العالمي القائم سيكون مهدداً بغزو روسي غير مبرر، لذلك على بوتين دفع تكلفة باهظة إذا أقدم على ذلك. الثانية أن بايدن مصمم على تجنب أي اتصال عسكري مباشر بين القوات الروسية والأميركية، مما قد يؤدي إلى حرب نووية. والثالثة أن بايدن مقتنع بأن أمن الولايات المتحدة وأصدقائها الأوروبيين يعتمد على وحدة حلف شمال الأطلسي وقوته.
سيناريو دموي للحرب المحتملة
حشدت روسيا قواتها لشن هجوم ساحق، وبحسب مسؤولين أميركيين وأوروبيين فإن ترتيب المعركة سيكون على الشكل الآتي كما يرى الكاتب: ثمة قرابة 130.000 جندي يطوقون أوكرانيا من ثلاث جهات.
وتدعم القوات البرية عشرات القاذفات الروسية ذات التوجيه الدقيق، وعشرات بطاريات المدفعية جاهزة و12 مثلها من الصواريخ. كما تبحر 11 سفينة برمائية على سواحل البحر الأسود، وهي على استعداد لإنزال مشاة البحرية الروسية في منطقة الجنوب الأوكراني. في حين تستعد القوات المحمولة جواً للهبوط خلف الخطوط، بالقرب من كييف وأوديسا ولفيف ومواقع أخرى. إلى جانب كتائب الهندسة العسكرية التي تستعد لبناء الجسور على الأنهار في أوكرانيا. وفي غضون ذلك، ستكون القاذفات النووية الروسية وقوات الصواريخ والغواصات في حالة تأهب هذا الشهر، وقد تمت جدولة ذلك مسبقاً وعلى عجل، لتكون جاهزة في حال تدخّل حلف شمال الأطلسي.
يتوقع الكاتب أن تسبق الغزو بساعات عمليات خاصة لقوات "سبيتسناز" الخاصة، ومجموعات من المخابرات الروسية، حيث ستتولى السيطرة على أهداف رئيسة في كييف ومدن أخرى، مثل محطات الراديو والتلفزيون ومنشآت الطاقة والمنشآت الحكومية، كما قد تستهدف فرق الاغتيالات كبار المسؤولين الأوكرانيين، وما سيبدو أنه تحرك أوكراني داخلي؛ سيخلق حالاً من الإرباك والتشويش، مدعومة بالحرب الإلكترونية، حيث ستشوش روسيا على الاتصالات الحكومية والعسكرية. وإذا ما رغبت القوات الأوكرانية في القتال، فإنها لن تنجح في ذلك بسبب صعوبة التنسيق في ما بينها بسبب فقدان الاتصالات.
وبحسب المسؤولين الأميركيين، فإن عدة آلاف من القوات الروسية ستتحرك من الشمال لتعبر الحدود نحو كييف، حيث ستتمكن بسهولة من سحق القوات الأوكرانية القليلة المتواجدة هناك. وفي أقصى الغرب يوجد عدد مماثل من القوات الروسية في جنوبي بيلاروسيا، تستعد لشن الهجوم الثاني على كييف، ومن المتوقع أيضاً أن تواجه مرة أخرى قوة أوكرانية ضئيلة.
المواجهة الأكثر دموية ستكون في شرقي أوكرانيا، حيث يتمركز ما يقرب من نصف جيشها، البالغ قوامه حوالي 250 ألف جندي. ومن المتوقع أن تهاجم روسيا عبر منطقة دونباس التي يسيطر عليها الانفصاليون، ومن الشرق بالقرب من خاركيف. كما قد تحاول تطبيق حركة الكماشة وتطويق الجيش الأوكراني وتدميره على مدى عدة أسابيع. ويرى الكاتب أن وجود جيش محاصر، يواجه هزيمة مدمرة، من شأنه أن يخلق دعوات دولية يائسة لوقف إطلاق النار، الأمر الذي من المتوقع أن يوافق عليه بوتين بشروطه الخاصة!
وينقل الكاتب عن مسؤولين عسكريين أميركيين، أن بوتين أرسل أوامر إلى قادته بالاستعداد لمعركة محتملة بحلول منتصف هذا الأسبوع، عندما تكون الأرض في وسط أوكرانيا قد وصلت إلى مرحلة من التجمّد تسمح للدبابات الروسية بالتقدم السريع.
يحاول الكاتب تحليل نفسية بوتين، ويرى أن ما يفعله تجاه أوكرانيا هو نتاج قناعاته وتجربته الحياتية، فهو يشعر بأن روسيا مهددة من الغرب، وأنها بحاجة إلى مناطق عازلة للحماية من العدوان الأجنبي. وهنا يستذكر الكاتب معاناة عائلة بوتين في حصار لينينغراد من قبل النازيين في الحرب العالمية الثانية. حيث أصيب والده في معركة وبقي يعرج بقية حياته، كما تُركت والدته شبه ميتة وسط كومة من الجثث، ولم تنجُ إلا لأن أحدهم سمع أنينها. ويرى الكاتب أن بوتين عندما يتحدث عن "ثقل التاريخ الروسي"، فإنه يتحدث عن ثقل يشعر به شخصياً.
يرى إغناتيوس أن الأيام المقبلة ستكون حاسمة، حيث ستُبذل جهود محمومة للعثور على مخرج. ويبدو أن رفض الناتو تقديم التنازلات التي يطلبها بوتين قد يكون له دور إيجابي في الوصول إلى ذلك كما يعتقد.
قد يصاب العالم بالهلع إذا بدأت الدبابات والصواريخ بالهجوم على دولة ضعيفة تواجه حرباً خاطفة بمفردها، وستزداد الدعوات من أجل تسوية تفاوضية، يتم فيها تقديم تنازلات جديدة لإرضاء بوتين. ولكن مع انتهاء الصدمة العالمية، يرى الكاتب أن موجة من الغضب والمطالبة بجعل روسيا تدفع ثمن عدوانها سوف تنطلق . ثم ستدخل هذه الحرب مرحلة من الاستنزاف، حيث سيشعر بوتين بألم حقيقي.